صحاري أفريقيا:

إنَّ في أفريقيا صحراوين: الأولى في الشمال، والثانية في الجنوب الغربي، والشمالية في الصحراء الكبرى، كبري صحراوات العالم.

تخيل أرضاً عرضها ألوف الكيلومترات (الأميال)، تمتد مخترقة أعرض جزء في أفريقيا، وسيكون ما تتخيله هو الصحراء الكبرى. وهي تصل غربا إلى المحيط الأطلسي (الأطلنطي)، وشرقاً إلى وادي النيل في الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة. ويفضل بعض الجغرافيين أن يطلقوا اسم صحراء ليبيا على الجزء الشرقي من الصحراء الكبرى، وهو الجزء الذي يشتمل على ليبيا وجزء من الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة. ولكن صحراء ليبيا في الواقع جزء من ذلك المتسع الهائل من الرمال والحصى والتلال.

حجم الصحراء الكبرى:

وطولها حوالي 5000 كيلو متر (۳۰۰۰ ميل) من طرف إلى الطرف المقابل، ومساحتها عشرة ملايين كيلو متر مربع (۳4۰۰۰۰۰ ميل مربع) أي أكثر من ربع مساحة القارة بأكملها، وإلى الجنوب تختلط الصحراء الكبرى تدريجاً بمنطقة أقل جفافاً مي السودان. وفي الشمال تحد بغتة بسفوح التلال الخضراء التي تفصل بين الصحراء والبحر المتوسط.

ويعتقد العلماء أن جزءاً على الأقل من الأرض التي تقع إلى الجنوب من تلك التلال كانت تغطيها الحشائش الخضراء والغابات الخضراء في وقت ما في قديم الزمان. ولقد وجدوا أيضاً ألوفاً من الرسوم القديمة على الصخور. وهذه الرسوم تروي قصة أناس عاشوا هنا في عهد قديم كان بلاداً خصيبة رطيبة. ولكن الصحراء اليوم خاوية.

وأهل الصحراء يسكنون قرب حوافها وفي واحاتها وفي المناطق الجبلية. وعددهم حوالي المليون فقط. بينما تجد أوربا – التي تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة الصحراء الكبرى تقريباً - ذات تعداد يزيد عن 530 مليوناً.

سكان الصحراء:

وبعض سكان الصحراء ينحدر من زنوج أرقاء استحضروا إلى تلك المنطقة من السودان. وغيرهم ينحدر من أناس كثيرين غزوا منذ فجر التاريخ الساحل الشمالي الأخضر في إفريقية، وحاولوا توطيد قوتهم على المنطقة الشاسعة التي إلى جنوبيها.

وإحدى الجماعات التي اتجهت إلى أفريقيا منذ حوالي ۳۰۰۰ سنة خلت هي البربر. والمحتمل أنهم من قربي أصل السكان الجنوبين في أوربا. وما زالت هناك قبائل من هؤلاء القوم الأقوياء، بعضهم أزرق العينين أبيض البشرة ، وغيره أسمر، يقطنون في الصحراء الكبرى وفيا حولها اليوم .

وثمة غزاة قدامى لشمالي أفريقيا هم الفينيقيون البحارون والرومانيون والبيزنطيون من الشرق والفندال الجرمانيون ، والعرب والأتراك. وبعض هؤلاء الأقوام ترك خلفه علامات طفيفة فقط تدل على غزوه.

غير أن العرب أحضروا معهم دينهم، وجعلوا كل الصحاري الكبرى منطقة مسلمة. وفي خلال القرون القليلة الماضية تأثرت الصحراء الكبرى أيضاً بالإسبانيين والإيطاليين والإنجليز والفرنسيين الذين استولوا على أجزاء من شمال أفريقيا وأدخلوا الأساليب الجديدة للحياة حتى إلى الصحراء.

ولقد كان للصحراء ذاتها دائما ما تد به الغزاة، على صورة مفازات ومناطق، يكاد يكون اجتيازها مستحيلاً على الرجال والحيوانات والآلات. وإحدى تلك المفازات هو الفضاء الرملي الذي يكاد يشتمل على كل الجزء الشمالي من الصحراء والذي يتوغل فيه.

وهذا الفضاء بشكل نحو سبع الصحراء ... فهناك الفضاء الشرق العظيم، والفضاء الغربي العظيم... وفي هذه المناطق الرملية، ستجد كثبان الرمل التي اشتهرت بها الصحراء الكبرى.

وهي عبارة عن تلال كبيرة تشبه الأمواج، من رمال دفعتها الرياح، وقد تصل إلى مئات من الأقدام (القدم أقل قليلا من ثلث المتر ) من القاعدة إلى القمة. وفي بعض الأماكن تمتد تلك الكثبان العدة كيلو مترات (أميال) كبحر خامد من رمال متموجة.

الرمال المغردة والرمال المطبلة في الصحراء الكبرى:

وهنا أيضاً، في الفضاء الشرقي العظيم، قد يسمع المسافرون صوتاً غامضا مخيفا يعرف بالرمال المغردة أو الرمال المطبلة.

 ويحدث هذا الصوت عند انزلاق بلايين الحبيبات الرملية على السطوح المنحدرة للكثبان.

ولوجود ألوف الوديان الكثبانية يحدث للصوت صدى، فيتضاعف إلى أن يصير دويا صاخبا يروع القلوب.

وتحتوي الصحراء أيضاً على ألوف من الكيلومترات المربعة من نوع آخر من الأراضي الفضاء، وهو السهول الصخرية الملساء، مثل ما يسمى التنزروفت ذي المساحات المتشابهة المميتة الشاسعة التي لا تكسر حدتها شجيرة واحدة أو نصل إحدى الحشائش. ولطالما أطلق المسافرون في الطريق الرئيسي الموصل بين الشمال والجنوب والذي يخترق الت وفت على هذا الفضاء القاحل «بلاد الرعب».

منطقة بيدون5 في الصحراء:

وإنك لتجد على خريطة لتلك المنطقة اسماً واحداً، وهو «بيدون 5» ومعناها الإناء5، وهي كلمة فرنسية. والقصة التي جاءت هذه الكلمة بمقتضاها هي جزء من تاريخ الاحتلال الفرنسي لشماني أفريقيا. فإن الفرنسيين هم أول من جرب النقل الآلي (بالموتور) في هذه البقعة المخيفة في العقد الذي يبدأ سنة ۱۹۲۰. ولقد وجدوا أن اختراق تنزروفت أيسر من اختراق مناطق الكثبان.

ولكن كان عليهم أن يحلوا المشكلة المسيرة الخاصة بتزويد السيارات بوقود كاف لينقلهم عبر هذه المساحة الهائلة. ولقد فعلوا هذا بأن بنوا أكواماً من أواني البنزين في محطات أطلقوا عليها الإناء۱، والإناء۲، إلخ. وفيما بعد، لما تحسنت السيارات وصارت تحتاج إلى إعادة ملئها بالوقود في فترات أطول، تخلصوا من محطة تلو الأخرى. والآن لم تبق إلا بيدون وفي مركز تنزروفت الخاوية.

جبال الصحراء الكبرى:

وفي الصحراء الكبرى جبال أيضاً. وإحدى مناطقها الجبلية الأكثر وعورة هي تلك المسماة تسيليناجر، وهذه بقعة كبيرة من قمم الجبال الصخرية، تحتوي على مفاجآت عديدة مما تشتهر به هذه الصحراء.

فهنا مثلا، أخدود تمرت، وهو هوة عظيمة تغوص في الأرض حوالي ۱۰۰ متر (۲۰۰۰ قدم) وهنا أيضاً ما هو أشد إدهاشاً، وهو وفرة الماء الصالح اليسر، بكميات تكفي لتشكيل عدد من البحيرات الصغيرة. وسواحلها مكتظة بالبط البري والخراف، ومياهها غنية بالأسماك.

ويقع أكبر جبال الصحراء الكبرى في مركزها، في بقعة يطلق عليها الحجار في الطرف الجنوبي من الجزائر. وتظهر قمم الجبال البركانية الرهيبة بأشكال مخيفة غريبة. ويبلغ ارتفاع تلك القمم ما يقرب من ثلاثة كيلومترات (۱۰۰۰۰ قدم) وطول أرضها 4۸۰ كيلومترا تقريباً (۳۰۰ ميل) وعرضها ۳۲۰ كيلومترا (۲۰۰ ميل). وترتفع الهجار في الصحراء الكبرى كقلاع شنيعة لا يمكن اختراقها.