لجفاف الصحاري ثلاثة أسباب رئيسية. وهناك دليل يوصلنا إلى كل سبب من تلك الأسباب.

خريطة العالم وجفاف الصحاري:

خريطة العالم هي أول دليل. تبين لنا الخريطة أن صحاري العالم ليست مبعثرة هنا وهناك على سطح الأرض بنظام عشواني. إنما تقع في نطاقين عريضين بحيطان بالأرض على جانبي خط الاستواء، وأحد هذين النِطاقين في نصف الكرة الأرضية الشمالى، والآخر في نصفها الجنوبي. وتبعد كل مجموعة عن خط الاستواء بحوالي ۳۲۰۰ كيلومتر (۲۰۰۰ ميل) ، فالمجموعتان قريبتان منه لدرجة تكفي لجعل الأيام طويلة مشمسة ودرجات الحرارة دافئة. وهذا النوع من المناخ يسبب سرعة تبخر ولذا فعندما ينزل الماء إلى الصحاري في صورة مطر ، يضيع قدر كبير منه بسرعة بالتبخر. وذلك هو السبب في أن أحد أسباب جفاف معماري العالم هو وجودها في هذين النطاقين الدافئين المشمسين.

لا تسقط على الصحاري أمطار كثيرة :

ولكن الصحاري لا تسقط عليها أمطار بالكثرة التي تهطل بها في غير الصحاري من أنحاء العالم الأخرى. وهذا سببان رئيسيان. والدليل على السبب الأول هو التسمية الغريبة التي يطلقها البحارة على هذين النطاقين المحيطين بالأرض، فيسمونهما: خطي عرض الخيل..

فقد كانت الخيول تنقل عادة على ظهور السفن في تلك الأيام؛ ليستخدمها الجنود وهم في طريقهم للقتال، أو يستخدمها المهاجرون في طريقهم إلى الأراضي الجديدة . وكانت الخيل عرضة للموت إذا استقرت السفن عدة أيام في بحر ساكن ساخن. وكان هذا يحدث عادة في بحار هذين النطاقين. والسبب في حدوث ذلك هو أن الرياح تخمد غالباً هناك العدة أيام متصلة. ولذا فقد يكون البحارة قد أطلقوا اسم "خطى عرض الخيل"، على تلك المناطق لأن خيلا كثيرة جدا ماتت هناك.

وربما يكون السبب في اختيار البحارة لذلك الاسم هو أن الريح الى تهب على البحار في هذين النطاقين كانت على الأرجح عنيفة ومتقلبة.

فقد تهب أولا في اتجاه ثم تتخذ اتجاهاً آخر كحصان وحشي.

واليوم لا يعرف أحد بالتأكيد كيف صارت التسمية "خطى عرض الخيل" مستعملة للإشارة إلى هذين النطاقين حول الأرض.

ولكن الاسم يساعدنا التذكر أن المعتاد عدم هبوب الرياح في هاتين المسافتين ، وأن من الأرجح أن الرياح التي تهب هناك تكون متقلبة .

ولهاتين الحقيقتين أثر هام على سقوط الأمطار في الصحاري . فالسحب المحملة بالرطوبة ، والتي تتكون فوق البحار ، هي مصدر المطر الذي يسقط على الأرض. وتلك السحب تحركها الرياح . ورياح خط عرض الخيل، تتلاشى أحياناً، أو تدور بوحشية أحيانا أخرى. وهي لا تنقل سحب الأمطار بانتظام إلى أراضى هاتين المسافتين . والمناطق التي تحصل على أقل قدر من الأمطار في الصحاري .

وبالطبع تبين لنا خريطة العالم أيضا أن ليست كل الأراضي في خطى عرض الخيل صحراوية. فحيث يخترق النطاق الشمالى, لخطي عرض الخيل ، الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا، توجد صحاري في ولايات أريزونا والمكسيك الجديدة ويوتا ونيفادا وكليفورنيا وتكسس. ولكن لا توجد صحاري على الإطلاق شرقي تلك الولايات .

ويرجع هذا إلى أن هبوب رياح خليج المكسيك أكثر انتظاماً من معظم رياح خطى عرض الخيل. فهي تهب شمالا فوق الخليج وتجتازه، فتحرك معها الرياح الممطرة . وتزود تلك الرياح بالأمطار كل وادى المسيسيبي العريض. ومن حين إلى حين ، تندفع تلك الرياح غرباً مسافة طويلة ، وفي الأغلب يكون ذلك في الصيف المتأخر والخريف ، فتصل إلى الولايات الصحراوية". وعند ما يحدث ذلك، تحصل صحراوات الولايات الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية على موسم أمطارها القصير . وقد تحصل تلك الصحاري على موسم مطير آخر أقصر من الأول في الشتاء المتأخر والربيع المبكر .

والدليل الأخير عندنا يشير إلى السبب في عدم حصول الصحاري الموجودة في الولايات الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية على أي مطر من السحب المحملة بالرطوبة التي تهب إلى داخل القارة في المحيط الهادي . وهذا الدليل يمكن العثور عليه عن طريق خريطة توضح جغرافية ذلك الجزء من الولايات المتحدة الأمريكية . وهذا الدليل هو سلسلة الجبال التي تمتد كالحائط بطول ۱۹۰۰ كيلومتر (۱۰۰۰ ميل)، موازية لساحل المحيط الهادي وعلى مسافة غير بعيدة عنه .

فعندما تدفع الرياح السحب المتكونة في المحيط صوب تلك الجبال ، وترتفع على جانب الجبال نحو طبقات الهواء المرتفعة القارسة البرد ، تفقد غالباً كل ما تحمله من رطوبة ، إذ تحول إلى قطرات مطر ، مثلما تتحول بسرعة الرطوبة الموجودة في هواء غرفة دافئة بها بخار كثير إلى قطرات من الماء، عند ما تلامس زجاجاً مثلجا أو نافذة باردة . ولذا ، فإن المنحدرات المرتفعة الباردة الغربية من تلك الجبال الساحلية تستقبل كمية مناسبة من المطر.

ولكن الرياح التي قد دفعت السحاب إلى داخل القارة ، تكون قد صارت رياحة جافة عند ما تعبر الحبال وتصل إلى الأراضي التي على الجانب الآخر . لقد تخلصت ما بها من مطر على المنحدرات الغربية للجبال ، ولا تستطيع نقل أي رطوبة إلى المنحدرات الشرقية والأراضي التي على سفوحها ، أي إلى صحراء الولايات المتحدة الأمريكية .

في أجزاء كثيرة من العالم تمتد الجبال بين صحراء وبحر:

وفي أجزاء كثيرة من العالم تمتد الجبال بين صحراء وبحر. وتلك الجبال تساعد على أن تبقى الصحراء جافة، بأن تحول دون وصول السحب المحملة بالأمطار إليها. ولدى العلماء عبارة خاصة لوصف ما تقوم به تلك الجبال، فيقولون إن الحبال و تلقى خيالا من "المطر" على الأرض التي وراءها – وهو و خيال، حيث تسقط الأمطار بقلة أو لا تسقط على الإطلاق.

وكل صحراء عبارة عن نوع من السجل الحي لتاريخها الخاص: فالملح أو المعادن الأخرى التي توجد في صحاري معينة، مثلا، يدلنا على أنه في وقت عتيق مضى لم تكن تلك المناطق صحارى على الإطلاق، ولكنها كانت قيعان بحيرات أو بحار. وتدلنا الأشكال الغريبة للصخور القائمة في صحراوات أخرى على أن الطقس كان متغيراً في خلال القرون، حتى إن تلك الصخور تأكلت وصارت بصورها الغريبة الحالية.

ويمكن قراءة أحد الفصول الأكثر إثارة في تاريخ صحاري معينة، في أكوام صخور متفتتة أو غيرها من الفتات عند سفوح الجبال، أو البراكين الناتئة في أرض صحراوية منبسطة. وفي بعض الجهات ينتشر هذا الفتات ـ الذي يجرف من على المنحدرات - ويكون طبقة سمكها بضعة ألوف من الأمتار (عدة آلاف من الأقدام).

وهذه الطبقة الجديدة التي تغطي سطح الصحراء القديمة والتي استغرق تراكمها ألوف السنين، تزداد سمكاً بمرور الزمن. وتاريخ صحاري العالم لا يزال يكتب . وكله لا يزال يتغير طول الوقت.. ومنظر بعض الصحراوات يتغير باستمرار, لأن الرياح القوية.

مثلا، تحمل معها سحباً من التراب والرمل من مكان، وترسيها في مكان آخر.

الصحاري تزداد جفافاً بمرور الزمن:

ولكن مهما كان مقدار تغير الصحراء في المظهر، فلا يبدو أنها ستصير أقل جفافاً، وفي الواقع يعتقد كثير من العلماء أن بعض صحاري العالم على الأقل - وربما كل الصحاري - تزداد جفافاً بمرور الزمن.