حيوان الجرذ القنغري الذي يعيش بلا ماء :

من أطرف الحيوانات التي تقطن الصحراوات الأمريكية، حيوان صغير من عائلة القارضات لونه كلون الغزلان الصغيرة ، يشبه الفأر ، يسمى الجرذ القنغرى، بالرغم من أنه لا هو جرذ ولا هو قنغر . ولكن السبب في هذه التسمية يرجع إلى أن رجليه الخلفيتين الزائدتي الطول، اللتين يقفز بهما في الصحراء كقنغر صغير رفع رجليه الأماميتين القصيرتين صوب رقبته . وهو يستطيع القفز مسافة ثلاثة أمتار (عشر أقدام) أو حوالي عشرة أمثال طوله نفسه .. وذيله - وهو أطول من بقية جسمه ، وينتهي بخصلة بيضاء من الشعر - يؤدي عمل الدقة في أثناء القفزات .

ويستطيع الجرذ القنغري أن يتخير اتجاهه في وسط الهواء بأن يجذب ذيله فيتحاشى الثعابين والبوم والحيوانات الصحراوية الكبيرة التي تود أن تقيم ويمة من هذا المخلوق الضئيل الغريب . ولكن أعجب الأمور عن الجرذ القنغري هو أنه يستطيع أن يعيش بدون أن يذوق قطرة من الماء أبداً. ولقد حاول الذين استأنسوا هذا الحيوان الودود ذا العينين السوداوين ، أن يقنعوه بأن يشرب. ولكنه لم يشرب مطلقا.

بل إنه لا يحب أن يبلل فروته الحريرية، وفي أثناء المطر يظل دائماً داخل جحور تشبه المتاهة يتخذها مسكناً له . وهو لا يأكل وجبة عصيرية، مثلما تفعل السلحفاة التي لا تشرب ، إنما يعيش على البذور الحافة الصلبة التي يدفعها بقدميه الأماميتين الضئيلتين داخل شدقيه ، ويتولى إلى مسكنه اليأكل في أمان .

وكل الماء الذي يحتاج إليه الجرذ القنغري ليبقي حيًا - وهو يحتاج إلى الماء مثلما يحتاج إليه كل كائن حي- يتم صنعه في داخل جهازه الهضمي. وعملية صنع الماء هذه تتكون من اتحاد العنصرين اللذين يتكون منهما الماء وهما: الإيدروجين والأكسيجين. ويحصل الجرذ القنغرى على الأكسيجين من الهواء الذي يستنشقه. ويحصل على الإيدروجين من تلك البذور الحافة التي يأكلها. ويتحد العنصران داخل جسمه. ويكونان الماء الذي يبقى الحيوان حيا سليم الصحة.

خنفساء ذرور العمود:

وفيما عدا اثني عشر نوعاً، أو ما يقرب من ذلك العدد، من الجرذ القنغري يبدو أنه يوجد مخلوق واحد آخر يستطيع أن يعيش في الصحراء على الغذاء الجاف، بدون أن يشرب على الإطلاق. وهذا المخلوق هو الخنفساء الصغيرة المسماة خنفساء ذرور العمود. وهي تعيش على الخشب الميت.

ويتم ذلك غالبا بأن تأكل فتفسح لنفسها طريقا في جذع شجرة مسنة أو عمود من أعمدة الأسوار. والأكوام الضئيلة من الذرور أسفل سطر من الثقوب في سور مهار، تبين أن خنفساء ذرور العمود كانت هناك تأكل. وهذه الخنفساء تصنع في داخل جسمها كل الماء الذي تحتاج إليه لتبقى حية، شأنها في ذلك شأن الجرذ القنغري.

وإذا كنت تسير عصر أحد الأيام خلال الصحراء، فمن المحتمل أنك لن تري خنفساء ذرور العمود ولا الجرذ القنغري. فإنه ليس من السهل أن تلحظ الخنفساء، كما أن الجرذ القنغري يختبئ في جحره طول النهار بعيداً عن أنظار أعدائه، ويخرج منه ليلا فقط لينقب عن البذور.

ولكن العلماء يتكبدون متاعب جمة ليعثروا على هذين المخلوقين لكي يدرسوهما في معامله. وهم يهتمون بصفة خاصة بالجرذ القنغري، لأن هذا الفأر الذي لا يشرب البتة قد حل بنجاح عظيم مشكلة المعيشة في الصحراء الجافة.