تعد البراكين مسئولة عن كثير من الأضرار، ولكن من الإنصاف أن نذكر حسناتها عندما يكون لها حسنات. وكم لها من حسنات. إننا لا نسمع كثيراً عن هذه الحسنات لأن الصحف لا نتحدث غالباً إلا عن سيئاتها، ومع ذلك فإن للبراكين أفضالها وهي أفضال قد تزيد كثيراً عن أضرارها.

إن البراكين كما رأينا تبي جزءاً كبيراً من الأرض، فهي التي كونت أجزاء شاسعة من الأرض مثل هضبة الدكن في الهند وهضبة نهر كولومبيا بالولايات المتحدة. وهي التي بنت جزر اليوشن وهاواي وأيسلندة وعدداً لا حصر له من الجزر الصغيرة. كما أنها بنت القواعد التي تنمو عليها الجزر المرجانية.

والبراكين تدعم القديم كما تبي الحديث. فقد أخصبت مساحات شاسعة من التربة التي أضعفتها الزراعة. فجاوة على سبيل المثال لم تكن لتستطيع أن تمد سكانها العديدين بالطعام لولا ما جلب إليها من منحدرات البراكين من التربة الغنية بالبوتاسيوم.

ووابل الرماد البركاني الذي يهبط فوق منحدرات فيزوف وكثير غيره من البراكين الأخرى غنى أيضاً بالبوتاسيوم. وقد يبدو الرماد البركاني الكثيف الذي يهبط على حقول الكرم في فيزوف أمراً لا يطاق عند وقوعه. غير أن الفلاحين يجنون من الأرض في السنوات التالية محصولاً أوفر.

وعلى ذلك فالناس يكونون على صواب عندما يتخذون مزارعهم بالقرب من البراكين مع ما في ذلك من خطر. والبعض الغازات التي تندفع إلى الخارج من باطن البراكين فوائد هي الأخرى.

الكبريت مثلا يتحول إلى مادة صلبة ويترسب في فوهات البراكين. ويستخرج هذا الكبريت في أمريكا الجنوبية ونيوزيلندة واليابان. ولقد اعتاد الناس أن يستخرجوه أيضاً من الفوهة التي بقمة بوبوكاتيبيتل بالمكسيك، ولكن استخراجه الآن يعد ضرباً من المخاطرة.

والكبريت من العناصر التي تندفع إلى السطح مع الغازات والحمم، ولكن هنالك مواد أخرى تترسب في الطريق قبل وصول الغازات والسوائل والصخور المنصهرة إلى السطح ومن هذه العناصر القصدير والتنجستن والذهب وغيرها من الغازات.

وقليل من الناس أولئك الذين يقدرون ما للقوى التي تحدثها البراكين من أفضال علينا. فواقع الأمر أنه لولا الحمر لتعذر علينا أن نصل إلى كثير من الفلزات، وأصبح كثير منها على أعماق سحيقة داخل القشرة الأرضية.

فكما نعلم، فإن معظم رواسب الخامات لا توجد إلا في أماكن معينة وبكميات محدودة. ويرجع ذلك أولا إلى أن الخامات تعتمد إلى حد كبير على حركة الحمم لكي ترفعها. ويرجع ثانياً إلى أنها لا يمكن أن ترسب إلا إذا توافرت الظروف المناسبة لترسبها. فلابد أن تكون الحرارة والضغط والصخور المحيطة بها مطابقة كل المطابقة لاحتياجات هذه الخامات.

وفي بعض الأحيان تكون الظروف مناسبة لترسيب فلزين مختلفين. وعندئذ توجد خامات هذين الفلزين معاً في نفس المنجم، فالرصاص والزنك كثيراً ما يوجدان معاً لأنهما يذوبان في الحمم بنفس القدر وينفصلان عنها مرة أخرى في نفس الوقت..

والزئبق والأنتيمون يوجدان معاً لنفس السبب. فهما يقطعان معظم الطريق مع الحمر ثم ينفصلان عنها قرب السطح. وعلى ذلك فليس بالمستغرب أن نجدهما في المناطق البركانية الحديثة حيث لا تكون عوامل التعرية قد عرّت قدراً كبيراً من الصخر. وفي الولايات المتحدة نجد أن مناجم الزئبق توجد كلها في الغرب وبخاصة في كاليفورنيا حيث توجد البراكين.

ومن جهة أخرى نجد أن التنجستن والبريليوم والقصدير والتنتاليوم من الفلزات التي لا ترتفع كثيراً مع الحمم. فهى تهرب من الصخور التي تكون قد انصهرت منها وتبقي على أعماق كبيرة داخل القشرة الأرضية. فإذا ما عثر عليها فإنها لا تكون إلا في المناطق البركانية القديمة حيث تكون عوامل التعرية قد أزالت نحو ميلين من الصخور عن السطح.

ويعتبر الماس أقيم منتجات البراكين. والماس - كما تعلم - يتكون مثل الفحم من الكربون، ولكنه في صورة تامة النقاء. وغالباً ما يوجد الماس في أعناق البراكين القديمة وفي الأنابيب التي صعدت فيها الحمر في الماضي.

وهذه البراكين تتعرى، ولا يبقى منها إلا هذه الأعناق. ويعتقد العلماء أن الماس قد تكون في الوقت الذي كانت فيه الحمم التي بأعناق البراكين آخذة في البرودة حيث كان الكربون واقعاً تحت ضغط عظيم.

ويخرج من البراكين أيضاً أنواع عديدة من الأحجار التي هي أقل قيمة من الأنواع السابقة. وحجر الخفاف أحد هذه الأحجار. وهو يشبه الإسفنج ويعتبر أخف الأحجار في العالم. ويبلغ من خفته أنه إذا وضع في الماء طفا على سطحه. ويرجع ذلك إلى امتلائه بالفقاعات الغازية. فالحمم تندفع نحو الخارج بدرجة كبيرة من العنف بحيث لا تهيأ الفرصة أبداً لخروج الغازات منها. فيتكون منها زبد من الصخور الساخنة. ثم يتصلب الصخر قبل أن تهرب منه الغازات.

ويصنع من الحجر الخفاف مسحوق أملس دقيق يستخدمه أطباء الأسنان في تنظيف الأسنان. ولا كان حجر الخفاف الطبيعي قليل الانتشار، فقد أخذ الناس في السنوات الأخيرة يصنعون هذا المسحوق من نوع من الزجاج البركاني يسمى البرلايت. وهو يستخدم في صناعة نوع خفيف من المصيص وفي خلائط الأسمنت.

ولا يتكون الزجاج البركاني حاليا إلا في هاواي، ولكنه كان يتكون فيما مضى من الزمان من طفوح من الحمم في أماكن متعددة. وفي بعض الأحيان يكون الطفح كله زجاجيا وفي أحيان أخرى لا يتخذ الصورة الزجاجية سوى القشرة. والزجاج البركاني أو الأوبسيديان - كما يسمي - بالغ الحمال مختلف الألوان، فقد يكون أسود أو رماديا أو أحمر في لون خشب المغنة (المهوجني).

وقد كان هنود أمريكا يعتبرون الأوبسيديان أفضل المواد لصناعة رؤوس الحراب.

كما كان له في المكسيك لدى قبائل الأزتك مضمون ديني، إذ كانوا عند تقديم القرابين الآلهتهم لا يستخدمون في نحرها سوى السكاكين المصنوعة منه. وفي أمريكا الشمالية كان قدامى الهنود فيا قبل التاريخ يقطعون طريقاً طويلا يقرب من ألف ميل كي يصلوا إلى مكان يسمى يلوستون (أي الصخر الأصفر) حيث يستخرجون منه الأوبسيديان كي يضنعوا منه أدوات القطع التي يستخدمونها في طقوسهم الدينية، فلم يكن غيره يصلح لديهم لهذا الغرض.

وكان الحصى البركاني الذي تقذف به البراكين يستخدم منذ زمن بعيد في إيطاليا وألمانيا في البناء. فالطبقات الحاوية لهذا الحصى البركاني يسهل استخراجها وتشكيلها، وعندما يجفف هذا الحصى على السطح يزداد صلابة ويمكن استعماله كأحجار بناء من النوع الممتاز.

ليس هذا فقط، بل إن الحمر العادية نفسها لها فوائدها. فعندما تتجمد معظم طفوح الحمر تتحول إلى صخر يعرف بالبازلت، وعندما يحتاج الناس إلى صخور شديدة الصلابة فإنهم يبحثون عن البازلت.

وهذا الصخر البركاني يطحن لكي يستخدم في رصف الطرق وفي صناعة الأسمنت. وقبل أن يخترع الأسمنت، كان البازلت مهذب على هيئة قوالب تستخدم في رصف الطرق. ويوجد كثير من محاجر البازلت في شرق الولايات المتحدة، ومن أشهرها تلك الموجودة في باترسون | ونيوجرسي، كما يوجد كثير من المحاجر الكبيرة في وادي كونكتيكت وبالقرب من نبوهافن.

وفي وقت من الأوقات كانت توجد محاجر للبازلت في منطقة الباليسيد ومعناها سياج أو أسوار الممتدة على نهر الهدسون. وهي كل ما تبقى من طبقة كبيرة من الحمم. وترتفع أجزاء هذه الأسوار في استقامة تبدو معها وكأنها أعمدة، وما ذلك إلا بسبب وجود تشققات في الحمم تمتد من أسفل إلى أعلى.

وقد حدثت هذه التشققات بسبب برودة الحمر عند السطح وانكماشها. ويسمى هذا النوع من التشقق يفواصل الأعمدة ومنظرها غاية في الروعة. وصخور جيانت كوزواي، (أي جسر المارد) في أيرلندا و«ديفلز توره - أي برج الشيطان - في وايومنج والصخور التي تكون خانق نهر كولومبيا وتلك التي تكون «باليسيد، نيوجرسي تتجلى فيها جميعاً هذه الظاهرة.

ويوجد في بعض الأماكن محاجر خاصة لقطع هذه الأعمدة. فعلى ضفة الرين يوجد محجر تبلغ أعمدته درجة من صغر القطر والانتظام إلى حد أنه يمكن فصلها وتكويمها مثل عروق الخشب لاستخدامها كأعمدة للأسوار.

تلك هي بعض حسنات البراكين، وهي كما رأيت عديدة. وإذا أخذنا في الاعتبار ما للمخاريط البركانية من جمال وما للأقبية من روعة، فإن كفة حسنات البراكين - ترجح ولا شك كفة سيئاتها، وبخاصة إذا كان الضرر الناجم عنها مما يمكن للإنسان أن يتقيه إذا أخذ نذرها مأخذ الجد وابتعد عن طريقها.