لا جدوى من الحياة إن لم نواصل التعلم منها. إنني أعلم أن تلك الحقيقة قد تصدمك. لكن يكفي أن تدرك أن أحد أهم المميزات لإنجاب الأطفال هو أنك تستطيع تعلم الكثير منهم.

كم سيكون الأمر مملأ إذا ما كان كل أطفالك يشبهونك تماماً -وأي بهجة ستتكون في هذا؟ لا تتوقع من أطفالك أن يكونوا مثلك تماماً لأن هذا لن يحدث، كما أنهم لن يعجبوا بما تفعل كذلك. فإذا كنت تحب رياضة الكريكيت ستجد أنهم يحبون كرة القدم.

وإذا كلت تحب التألق في الملبس، ستجدهم يحبون التسكع مرتدين سراويل الجينز القديمة طوال الوقت فهذه هي وظيفتهم؛ فهم مبرمجون على الانفصال عنك، وسوف يزدادون في محاولاتهم هذه كلما كبروا في السن؛ حيث سيتصرفون بصورة مخالفة لك، ويقضون أوقاتهم بصورة مغايرة لما تفعل.

كم سيكون الأمر مملاً إذا ما كان كل أطفالك يشبهونك تماماً

ووسيلتك لمواجهة هذا الأمر هو أن تتقبله٠ وبدلاً من الشعور بالأسف لرؤيتك لهم وهم يلهجون نهجاً مخالفاً لك استمتع بالأمر، وبما يمكنك تعلمه منهم.

إن أطفالك يمكن أن يمدوك بخبرات لم تكن حتى تفكر فيها -وكم سيسعدون حين يرون أنهم استطاعوا تعليمك أشياء لم تكن تعلمها أو تفعلها. يمكنهم تعليمك مهارات لا تستطيع تعلمها وحدك وتمثل تحدياً لك (مثل الأجهزة التكنولوجية الحديثة تحديداً). وأفضل ما في الأمر هو أنهم قد يتصرفون بالصورة التي وددت لو باستطاعتك التصرف بها. أجل، إن أطفالك قادرون على معالجة مواقف عانيت أنت منها كثيراً.

هناك الكثير من الأشياء في أطفالك يمكنك إظهار إعجابك نحوها. وهذا الإعجاب سيعني لهم الكثير لأنه صادر عنك أنت وليس عن أي شخص أخر (حتى لو لم يعترفوا بذلك). إن أحد أطفالي يستطيع إخبار الآخرين بصراحة ودون تقيد بآرائه دون أن بهتم برأيهم فيه، وما إذا كانوا يوافقونه أم لا.

هذا شيء طبيعي من وجهة نظري لكن من وجهة نظر والدته. التي دائماً ما تعاني من قلة الثقة بالنفس، وتشعر دوماً أنها تحتاج إلى حب وتقبل الآخرين حتى لو لم تكن تهتم بهم، فقد كانت تعجب به للغاية لقدرته على التحدث بوضوح وثقة. (المضحك في الأمر أنها لا تظهر هذا القدر من المديح حين افعل أنا نفس الشيء).

وعلى النقيض، لدي ابن أخر يتصرف بدبلوماسية فائقة. إنني شخصيًا أتمنى أن أتعامل بدبلوماسية في المواقف التي تتطلب ذلك، لكني لا أرتاح لهذا الأسلوب. أما ابني هذا فيستطيع التعامل مع تلك المواقف بكل تلقائية، وكم أندهش من أساليبه الماهرة التي يستخدمها لنزع فتيل أي نزاع محتمل. إذا لم أستطع التعلم منه، فلن أتعلم مطلقاً؛ لأنه يمثل أفضل نموذج لهذا الأمر، إضافة إلى أنه موجود أمامي طوال الوقت.