اعرِف مواطن قوتك

حينما كان أكبر أبنائي لا يزال طفلا صغيراً، كنت دائماَ ما أشعر بالغيرة حينما أرى الآباء الآخرين وهم يقضون ساعات يلعبون فيها الكرة مع أبنائهم، بينما لم أكن أقدر على فعل نلك إلا لدقائق معدودة خالية من الحماس؛ فلم يكن ذلك الأمر يناسبني.

كما كان هناك ذلك الصديق الذي بنى منزلا خشبياً جميلاً لأبنائه فوق إحدى الأشجار في حديقة منزله ("لم لا نستطيع أن نحظى بمنزل فوق الشجرة مثل هذ ا يا والدي؟")، كما كانت هناك تلك الأم التي كانت تفنن في ابتكار مغامرات جذابة يلعبها أطفالها في الحفلات، ناهيك عن ذلك الأب الذي كان يصطحب ابنته إلى دروس الموسيقى كل أسبوع مثلى، مع فارق أنه كان يبدو عليه أنه يستمتع بذلك حقا، ... والقائمة تطول.

 ربما تكون قد فهمت مقصدي الآن؛ فلقد كنت أركز على ما يستطيع الآباء، الآخرون عمله متناسياً حقيقة أن هناك الكثير من الأشياء، التي أستطيع فعلها بينما لا يستطيعون ذلك -تلك الأشياء التي أنظر إليها على أنها أمور مُسلم بها، لكنها قيمة حقاً.

فمثلاً، أنا أحب أن أقرأ لأطفالي وبما أنني شخص متفتح (حسناً، ومتفاخر بذلك أيضاً) فقد كنت أستمتع بقضاء ساعات طويلة وأنا أقرأ قصصاً لأطفالي، محاكياً كل الأصوات واللهجات، ومقلداً الشخصيات، إضافة للتأثيرات الدرامية المصاحبة لجو القصة. كل هذا بدا لي طبيعياً للغاية إلى أن أدركت أن تلك مهارة قيمة تساوي في قيمتها مهارة بناء منزل فوق الشجرة أو لعب الكرة.

في تلك المرات القليلة التي كنت ألعب الكرة مع أطفالي كان واضحناً أنني أفعل ذلك لا لشيء إلا لأنني أشعر بأنه ينبغي عليﱠ فعل ذلك، وهذا ليس بالسبب الجيد، وعلى الرغم من أنه سبب كافٍ إلا أنني مثلاً لن أكون مثل صديقي الذي كان يشع بالحماسة أثناء لعب الكرة مع أطفاله. ومع هذا، ربما لا يكون هذا الصديق قادراً على أن يحكى لأطفاله قصة مثلما أفعل، أو أن يطهو لهم وجبة مكرونة مثل التي أطهوها لأطفالي.

المغزى هنا هو أن الآباء الذين يتبعون قو عد التربية السليمة يدركون مواطن قوتهم، ولهنا لا يعنى التخلي عن فعل ما عداها من أشياء، لكن يعنى التركيز على نقاط قوتنا؛ فإذا كنت لا تجيد لعب كرة القدم، فربما تستطيع أن تقرأ لأطفالك القصص، تعد لهم مخبوزات شهية أو ربما تكون صبوراً معهم أثناء تعلمهم العزف على البيانو، أو تعلمهم كيفية إصلاح السيارة، أو ربما تشاركهم حماسهم واهتمامهم بسلسلة أفلام حرب. النجوم أو الدراجات النارية أو حتى لعبة الفتيات "عروستي الجميلة" (إنني أعلم أن المرء عليه العمل بجد لتحقيق هذا تحديداً).

من المهم معرفة ما تجيد فعله، وأن تثق بحق بنقاط قوتك٠ وهكذا ستقدر على مشاهدة الآباء الأخرين وهم يفعلون أشياء لا تستطيع فعلها دون أن تشعر بالحرج. فعلى أي حال، فأنا وأنت نعلم أن هؤلاء الآباء لا يستطيعون عمل كل شيء؛ لذا كلما شعرن بالغيرة تتسلل إلى قلبك، توقف وذكر نفسك بما تجيد فعله.

الآباء الذين يتبعون قواعد التربية السليمة يدركون مواطن قوتهم، وهذا لا يعني التخلي عن فعل ما عداها من أشياء، لكن يعني التركيز على نقاط قوتنا