لا شيء يمكن أن يعدك لتجربة الأبوة؛ فهي بمثابة الاختبار الحقيقي لقدرتك على التحمل وهدوء أعصابك وانفعالاتك، بل أحياناً، تكون بمثابة اختبار الحقيقي لسلامة قواك العقلية؛ فأنت تبدأ بالقلق بشأن كيفية تغيير الحفاضات، أو كيفية تحميم الطفل دون أن تتسبب في غرقه، وسرعان ما تكتشف أن هذه الأشياء هي أقل الصعوبات التي تواجهك، وما أن تظن أنك عرفت خبايا مرحلة من مراحل الطفولة حتى تفاجأ بأن طفلك قد كبر ودخل مرحلة أخرى لها قواعد جديدة تماماً؛ فمن الحبو، للمدرسة، لمصاحبة الأقران، لدروس القيادة، كلها سلسلة لا تنتهي. لحسن الحظ فإن الجائزة عظيمة، بدءاً من المرح واللعب ومروراً بالأحضان وإحساس التقارب، بل يصل الأمر لتلقي الشكر من أطفالك في نهاية المطاف، هذا إن كنت حسن الحظ بالطبع. وبالطبع. فما من متعة تضاهى مشاهدة أطفالك وهم يكبرون ليصيروا كباراً تفخر بهم.

إلا أن هذا الطريق الطويل لن يخلو من الإحباطات، والمخاوف، والحيرة، والتخبط، تلك الأمور التي ستصيبك وأنت تبحث عن الأشياء المناسبة لتقولها وتفعلها، والتي من شانها أن تضع طفلك على الطريق السليم حتى يكون ذلك الشخص الراشد السعيد، ذا الشخصية المتزنة. وهذا هوما يدور حوله هذا الكتاب.

إن الدرب الذي توشك على اجتيازه قد سار فيه الملايين من الآباء قبلك، وعن طريق المحاولة والخطأ استطاع بعضهم الخروج بأساليب مفيدة قد تكون عوناً لك الآن. لقد مررت بتجربة الأبوة مرتين، وأسهمت في تربية عائلتين على مدى يتجاوز ثلاثين عاماً، وهذا يعنى أنني قد ارتكبت عددا من الأخطاء، التقليدية كثيراً من المرات. لكن هذا أيضاً يعنى أنه قد أتيحت لي الفرصة لمشاهدة وملاحظة سير الأمور في العائلات الأخرى وكيف يتصرف الآباء الآخرون، وذلك من خلال ملاحظة تصرفات أصدقائي وأصدقاء، أطفالي، وهي بحق عملية رائعة لا تنتهي.

بعض الآباء يبدون وكأنهم يملكون القدرة على التعامل مع أي موقف تلقائياً، بينما قد يسيء، البعض الآخر التعامل مع بعض المواقف فيما يتصرفون بصورة رائعة حيال قضايا معينة. إذا ما قضيت وقتاً طويلا في مشاهدة ودراسة الآباء، الآخرين مثلما فعلت.

فستبدأ في ملاحظة أنماط معينة – أساليب وطرق، ومبادئ سلوكية للتعامل مع الأطفال_ تكون قابلة للتطويع بحيث تتناسب وشخصية الطفل. ولقد قمت بتضمين هذه المبادئ والسلوكيات في كتابي هذا لكي تكون عوناً لك في الأوقات العسيرة، وتساعدك على تربية طفلك على أفضل وجه ممكن، ولكي تحسن من العلاقة بينكما طوال الحياة.

 والقواعد الواردة هنا ليست أسراراً، بل هي مجرد تذكرة لك، والعديد منها عبارة عن مجرد أفكار عادية تفرضها الفطرة السليمة، لكن من السهل على المرء، منا أن يغفل عنها حين يواجَهُ بنوبة غضب من طفله ذي العامين، أو عند التعامل مع مراهق يرى أن العالم كله قد خلق من أجله. ولهذا سيكون وضع هذه الأفكار المعروفة أمام أعيننا أمراً مفيداً؛ ففي نهاية المطاف، لابد أن نؤدي تلك المهمة بصورة سليمة.

قد تبدو القواعد المائة كثيرة للوهلة الأولى، لكن لا يجب أن ننسى أن ثمانية عشر عاماً هي مدة طويلة نقضيها في تلك الوظيفة، بل أكثر من ثمانية عشر عاماً إذا كان لديك أكثر من طفل[1]، ولابد لك أن تمر مع طفلك بمرحلة الفطام، وتغيير الحفاضات، وتعلم المشي، وتعلم الكلام، ومرحلة المدرسة، ومصاحبة الأصدقاء، ومرحلة البلوغ، والخروج مع الأقران. في واقع الأمر لا تبدو التواعد المائة عدداً كبيراً على الإطلاق.

من السهل بالنسبة لي أن أعرف الأب الجيد؛ فقط انظر لأطفاله. يمر بعض الأطفال بمراحل عصيبة لأسباب مختلفة والعديد منها لا يمكن إلقاء المسئولية فيها على الآباء، لكني وجدت أنه بمجرد أن يترك الأبناء منازل ذويهم. سيكون بمقدورنا رؤية الكيفية التي رباهم عليها آباؤهم بوضوح. وأنا أرى أن الآباء الناجحين في مهمتهم حقاً هم هؤلاء الذين ربوا أبناءً قادرين على الاعتماد على أنفسهم، ومؤهلين للاستمتاع بحياتهم وإسعاد مَن حولهم، وإبداء تعاطفهم واهتمامهم، والدفاع عما يؤمنون به. وعبر السنين، رأيت كيف يمكن لأساليب تربية الأطفال السليمة أن تخرج لنا أشخاصاً بالغين يتسمون بهذه السمات.

حينما تفكر في مقدار المسئولية الملقاة على عاتقك كأب أوأم٠ فقد تجد نفسك عاجزاً عن الحركة والتفكير، فما تقوله وتفعله على مر السنين سيكون له تأثير بالغ في تحديد ما إذا كان طفلك سيكبر ليكون شخصاً متزناً أو فاسداً. لكن الجيد في هذا الأمر هو أنك بعد التفكير فيه قليلاً، وبعد قراءة هذا الكتاب، ستكون قادراً على تصحيح الكثير من الأخطاء والعادات السيئة التي تقع فيها الآن؛ إضافة إلى تبنى عادات جديدة مفيدة (لك ولأطفالك).

هناك المزيد من تلك الأخبار الجيدة، فبينما توجد طرق عديدة خاطئة يمكن أن تربي بها طفلك هناك أيضاً العديد من الطرق السليمة لذلك. سوف تجد في هذا الكتاب مبادئ عامة، بيد أنه يمكن تطويعها لكي تلائمك أنت وأطفالك؛ فانت مثلاً، لن تجد قائمة تعليمات يجب الالتزام بها حرفياً كيلا تفشل تربيتك لطفلك. لقد رأيت آباءً يفسرون هذه القواعد بصور إبداعية ناجحة كي تلائمهم؛ فالمغزى هنا هو اتباع روح القواعد، وليس النص الحرفي لها. على سبيل المتال، لقد قابلت آباءً: رائعين قاموا بتعليم أبنائهم في المنزل. وآباءً آخرين ممتازين أرسلوا أبناءهم إلى مدارس خاصة، وآباءً آخرين ناجحين علموا أبنائهم في مدارس حكومية. فقط امتلك التوجه السليم، وما يلي ذلك سيكون أمره سهلاً.

إنني اقر باستحالة وضع القواعد المائة موضع التنفيذ يومياً على مدار الثماني عشرة سنة؛ حيث إنني رأيت أفضل الآباء يرتكبون الأخطاء من حين لآخر٠ كل ما في الأمر أنهم لا يرتكبون أخطاءً جسيمة، ولا يكثرون منها، كما أنهم يعرفون متى أخطأوا. وهذه النقطة غاية في الأهمية: تعرف على الخطأ الذي ارتكبته وحاول ألا تنساه المرة القادمة؛ فهذا كل ما في الأمر. ومن واقع مشاهدتي للأطفال وهم يكبرون، هذا أكثر من كافٍ.

كما أود أن أقول لك (وأعلم أن هذا سيسعدك) إنك لن تجد في تلك القواعد قاعدة تجبرك على تمشيط شعر ابنك بصورة مبالغ فيها، أو ضرورة التأكد من ارتدائه جوارب نظيفة كل يوم. أعلم أن تلك أمور مهمة، لكنني رأيت آباء ناجحين ربوا أبناءهم بصورة رائعة رغم عدم تمشيط شعرهم وعدم ارتداء جوارب من الأساس.

هذه القواعد تركز على الحقائق المهمة -الأشياء المرتبطة بتوجهات وقيم طفلك، وكذلك صورته عن ذاته، وليس التركيز هنا على الجوارب. إنها قواعد تهدف إلى أن تستمتع أنت وطفلك بوجودكما معاً بالحياة، وأن تعاملا الناس بكل احترام. إنها مبادئ عامة تنطبق على العائلات التقليدية، إضافة إلى الأشكال الحديثة للأسر مثل الأسر ذات المعيل الواحد أو التي بها زوج أم أو زوجة أب.

إنني لا أجزم يقيناً بأن هناك مائة قاعدة فقط أنت بحاجة لاتباعها، لا أكثر، بل إن ما أقدمه لك هنا هي القواعد الأكثر أهمية من وجهة نظري. وأنا على استعداد للاستماع إليك وتجميع أي قواعد جديدة تخص تربية الأبناء إذا ما وددت مشاركتي إياها.

الهوامش المرجعية:

[1]  نعم أعرف أن ذلك لا ينطبق على حالة التوءم.