أهمية التنفس بالاسترخاء

لقد لاحظت بلا شك أن ما نهدف إليه هو التنفس الكامل السليم، والاسترخاء التام والتشكيل الجسدي الصحيح، ليس بالتمارين المرهقة ولا بالوسائل التقليدية، ومن الطبيعي أن الإنسان لا يمكنه التركيز على جميع وظائف جسده أو طريقة تنفسه بشكل مستمر، وغرضنا هو كشف الخطأ وتصحيحه، وذلك بمراقبته وتعديله لفترة قصيرة ثم ترك العملية بلا تدخل لتصبح كلها تلقائية لا إرادية.

لقد أعدت ذكر بعض الأفكار لأنها أساسية في موضوعنا وتكرارها يساعد على تأصيلها في أعماق اللاوعي، فدعني أكرر وأقول أن إتقان التنفس هدف لا غنى عنه في بلوغ مرحلة الاسترخاء الشامل، وقد أثبتت التجارب أن أحد أسباب التوتر يتمثل في ضحالة التنفس، واختبر هذا بنفسك.

خذ نفساً عميقاً وببطء، فبماذا تشعر؟ بما أنك قد نبهت إحساسك في فتحتي الأنف والمجاري التنفسية بالتثاؤب وما يليه من شهيق وزفير، وبما أن شعورك بالحجاب الحاجز وحركته قد نما وترعرع، هنا ستبدأ في تكوين فكرة عن التنفس العميق، هذا التنفس الذي يملأ أعلى الرئة وأسفلها، فتحس به في بطنك حتى الحوض، وفي كتفيك و عضلات ظهرك، أما إذا كان تنفسك ضحلاً فلن تكون هذه العضلات قادرة على الاسترخاء وتبدأ في تلقي همجات التوتر الشرسة.

أما إذا نسج العنكبوت خيوط هذه العادة فيك وتعمقت جذورها، فإن عضلات الظهر والكتفين تندحر عن ممارسة دورها، فتفقد مرونتها لتصير متيبسة كالفولاذ، ومن البديهي أن يتأثر التشكيل الجسدي العام كذلك، وحين يتضرر تصبح عادة التنفس الضحل ضرورة لا غنى عنها لأن العضلات المتصلبة تمنع الصدر من التمدد السليم، وندخل بهذا في حلقة مفرغة.

كيف تسترخي؟

استلق في سريرك، وتخلص من كل ما يضغط على بدنك كحذاء أو حلية أو حزام ونحوه، ومن وسائل الاسترخاء الفعالة التي يسلكها الطفل الرضيع ويهمله حين يكبر، تمدد العضلات. ثبت يدك اليمنى على كتفك الأيمن، ثم ارفع كوعك الأيمن إلى أعلى متجهاً إلى الخارج وببطء، ولا تنس أن تأخذ شهيقاً قبل بداية الحركة، ثم أعد كوعك إلى جانب الجسم ثانية.

قد تشعر برغبة شديدة في التثاؤب، فاستمتع به، والآن أعد الكرة مرة أخرى ولاحظ كيف أن عضلات الظهر تنتشي بعودة الحياة إليها. بعد هذا كرر العملية في الجهة اليسرى كما سبق.

إن عملية تمدد الكتف والكوع هذه تقوي العضلات التي أصبحت ضعيفة من كثرة الجلوس، كما تساعد على الوقوف باستقامة، وتزيل التوتر والإرهاق الذي أثقل ظهرك.

التنفس الكامل:

في بداية ممارساتك لتمارين الاسترخاء، ستلاحظ تمدداً في عضلات البطن يصاحب كل شهيق، فيبدأ هذا التمدد في منطقة المعدة أعلى البطن، وكلما تعودت على الاسترخاء أكثر، تصبح بداية التمدد في مستوى أدني من ذي قبل، وعندما تصل إلى مرحلة التنفس الكامل، ستلاحظ أن تمدد البطن تركز في المنطقة بين السرة والحوض، أما إذا كان فوق السرة فهذا يعني أن تنفسك لم يَسَمُ بعد إلى مرحلة الكمال.

ضع يدك برفق على أسفل بطنك، ستلاحظ أن تمدد البطن الذي يحرك يدك يتدرج مستواه بالهبوط كلما تحسنت طريقة تنفسك، وفي حالات ترهل عضلات البطن، خاصة عند ذوي الأعمال المتوسطة، فإن عادة التنفس الجديدة هذه تُظهر نتائج ممتازة، حيث تُقوّي عضلات البطن السفلي وتجلب شعوراً باستعادة الشباب .

تجربة الاسترخاء

عندما يتم تدريبك على الاسترخاء بحيث تستلقي ببساطة مراقباً لحركة تنفسك باهتمام المحايد، سيشملك إحساس تدريجي بالهدوء، ويتبخر اندفاعك في التصرف والتفكير .

إن أصعب الدقائق هو أولها، لأنها تحاول اكتساب الشيء متعجلاً، لتكشف عما يدور الحديث، ثم تقفز إلى الموضوع الذي يليه، وهذه صفة متوقعة فيك لأن مشكلتك هي التوتر، لكن بعد أن جربت التنفس الهادئ البطيء ستبدأ في الاستغناء عن شعورك الحاد بالوقت، وستكون دقائق قليلة من الراحة الذهنية والبدنية التامة معادلة لساعة كاملة من السبات العميق، ويصير جسدك مثل حيز فارغ يندفع فيه الأكسجين كموجة عظيمة، وعقلك مفتقد لأي إحساس، لتغرق فيها يشبه النيرفانا (طريقة بوذية في الاستحواذ على السعادة القصوى عن طريق قتل شهوات النفس) فتمسي واعياً بصعوبة لما يجري حولك، هذه هي حالة السكون المطلق (الجسدي والذهني والنفسي) التي يسميها الشرقيون بمرحلة التأمل، حيث تخلق مزاجاً وسطاً بين الوعي واللاوعي، ومن خلالها تتبخر كل مصاعبك اليومية.

كيف تتعرف على انتظامك الذاتي في التنفس:

قبل أن تغيب عن وعيك في غفوة حالمة وقت الخلود إلى النوم، تعرّف على انتظام تنفسك الحقيقي، ولا أقصد بهذا التنفس الإرادي العميق، بل يجب أن تتغيب الإرادة والعقل الواعي هنا، راقب بهدوء واسترق السمع بعد أن تستلقي في السرير مُغمضاً جفنيك مرخياً طرف لسانك خلف الأسنان السفلية، ثم لا تفعل شيئاً ولا تضغط بجسمك على السرير فهو الذي يحملك وليس العكس. قد تعتقد أن هذا أمر ميسور في البداية، فتطابق فكيك مصمماً على الاسترخاء، مع أن هذه ليست علامة استرخاء، لأن الحبل المشدود لا يتحرك بسهولة، حاول اعتبار أن الجسد المستلقي لا يمت لك بصلة، فأنت غير مسؤول عن تصرفاته البتة، لا تجعله يتنفس بل راقبه من بعيد، ولا تقلق إذا كان تنفسك بطيئاً أو سريعاً، ضحلاً أو عميقاً.

من الجائز أن تكون بين الملايين الذين إذا استلقى أحدهم هادئاً ألمت بحجابه الحاجز تشنجات عصبية تستدعي وقتاً طويلاً لإيقافها إرادياً، وهذه الحركات التشنجية القصيرة لا تمدك بالهواء الكافي كما تتعارض مع الأداء الإيقاعي لأعضائك، هذا عدا عن الضرر الذي يلحق بالكبد والمرارة من جرائها.

وكلما أسرعت في التعود على الاسترخاء الكامل كلما زاد إحساسك الواعي بالراحة الحقيقية. وأنت موقن، إذا أردت للنبات نمواً وازدهاراً، أن تدخلك في خلع جذوره لتراقبها كيف تنمو هو أمر منافي للمنطق، وكذلك بالنسبة لانتظام أعضائك الذاتي، فقط استرح وانفرد بنفسك كي تحقق النتائج المرجوة.

أرخ فكك السفلي، وابدأ في التثاؤب العميق، مغمضاً جفنيك متخيلاً أن مجال الرؤيا يقع خلف الجمجمة وليس أمامها، وكأن عينيك تتراجعان إلى الوراء، تنا تنفسك، ومع مضي الوقت سيكون له إيقاع معين وانتظام خاص، شهيق ثم زفير ثم فترة راحة، قصيرة كانت أم طويلة فلا تتدخل، انتظر محافظاً على سلبيتك ففترة الراحة هذه هي أهم مرحلة في عملية التنفس بالنسبة للاسترخاء الكامل، وسيساعدك في موقفك السلبي هذا هدوء الجو المحيط والانفراد التام، هذا في البداية أما بعد إتقانك لعملية التنفس حسب إيقاعك الذاتي، فلن تجد صعوبة في الاسترخاء حتى في أكثر الأماكن ازدحاماً.

إن الهدف من هذه التجربة هو اكتشاف ماهية الانتظام الطبيعي الفعلي لتنفسك الحر، وهذا لا يتم خلال دقائق إذا كنت مرهقاً أو عصبياً متوتراً أو معتاداً على تنفس ضحل، حيث يتطلب منك وقتاً لتستعيد فيه انتظامك الطبيعي، ولهذا ١- لا تحاول تغيير معدل تنفسك بأي جهد إرادي.

- عليك اكتساب مقدرة كاملة على الاسترخاء بحيث تستطيع زيادة مدة الراحة بين الزفير والشهيق الذي يليه من غير لجوء إلى ضغط أو إجبار. وقد تجلت أهمية فترة الراحة هذه في تجارب نفسية أجريت أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث اكتُشِف أن من يملك أطول فترة راحة بين الشهيق والزفير في إيقاعه الذاتي اللاواعي هو أقل عرضة للانهيار تحت الضغوط النفسية والجسدية، وبمعنى آخر، إن هذا التحكم اللا إرادي المكتسب بالاسترخاء يزيد القدرة الجسدية والذهنية والنفسية على تحمل الضغوط والمصاعب.