التوتر طاقات مكبوتة:

إن السلوك والعادات الخاطئة والاضطرابات النفسية هي عوامل أساسية في عدم المقدرة على التخلص من التوتر ... كان هذا من الناحية النفسية أو الذهنية أو العضلية، ولذا فالمتّهم الأول الذي تنصب عليه الملامة هو أنت، فمثلاً حين تواجه مسألة لا قبل لك بها وتتركها بلا حل، يبدأ التوتر على شكل ضيق بسيط أو إرهاق أو آلام جسدية عامة ولينتهي بمعظم الأمراض العضوية والنفسية المعروفة في عالم الطب.

هذه صورة قاتمة تدعو للتشاؤم، أليس كذلك؟ ولكن لا عليك فهناك الجانب المضيء، لأن الداء والدواء يتجسدان في ذاتك ... وبما أن أصل التوتر هو السلوك السيئ، فالهدف من الكتاب هو تحليل هذا السلوك وهذه العادات واستبدالها بأخرى تمنحك حيوية متزايدة، وتفجر تلك الطاقات الكامنة في شخصيتك، ومع أن هدفنا أساساً هو التخفيف من ذلك التوتر العضلي، إلا أننا نرتكب هفوة إذا أهملنا بقية العوامل الذهنية والنفسية، فكل فكرة تناو شك وكل عاطفة تخامرك لها أثر على الكيفية التي تعمل بها أعضاؤك وعضلاتك. ومن أجل هذا كان للإهانة أو التأنيب أو الابتهاج أثر لا يُنكر في سرعة نبضات قلبك واضطراب هضمك وعدم انتظام تنفسك، فكل انفعال يتلوه عواقب بدنية وذهنية ونفسية، وما دامت طاقاتنا العصبية تجد لها متنفساً تخرج منه فلن نشكو من شيء، ولكن عند انسداد هذه السبل الطبيعية تنشأ فينا حالة من التوتر تجبرنا على طلب المساعدة.

يشبه التوتر في فعله، أثر حصاة صغيرة ألقيت في الماء الراكد، فتنتشر فيه موجات دائرية متتالية حتى تلامس الضفاف، ثم تنعكس ثانية إلى مسببها، أي موقع الحصاة في الماء. إن للتوتر آثاراً بعيدة ليس على صحتك ومزاجك وطاقتك فحسب، بل على عائلتك ومعارفك و مجتمعك أيضاً، ولن تجدي معونة الطبيب إلا قليلاً، فمهنة الطب مرتبكة هذه الأيام ليس من كثرة الأمراض وتنوعها، ولكن من المعلومات الواسعة والمتجددة التي تلقي عبئاً كبيراً على طالبها، ولو استطاع طبيب في الأزمان الغابرة أن يعود إلى عصرنا الآن، فسيجد نفسه في عالم آخر من المضادات الحيوية إلى الفيتامينات والهرمونات إلى المعجزات الجراحية، ولكن في هذا الخضم الهائل من الإنجازات والاكتشافات... أحيل جانب مهم، وهو وظيفة الجسد وكيفية استخدام أعضائه حتى تنسجم مع متطلبات الحياة الحديثة ...، فالمعلومات الطبية المتتابعة والأبحاث المستعجلة في أمراض العصر كالسرطان والقلب ونحوها، جذبت اهتمام الدارسين بعيداً عن هذا العلم والتركيز على فوائده.

الاستخدام الخاطئ للطاقة:

في معظم الأحيان تعود جذور المشكلة إلى جهلنا بأجسادنا وكيفية التعامل معها، فنحن غير منسجمين مع طبيعتها، ولا ندري كيف نوازن بين السرعة التي نحيا بها والانتظام الداخلي فينا، لقد نسينا أو لم نتعلم قط  كيف نستخدم طاقاتنا، وبما أنها لا تجد المخرج المناسب لها فقد تخزنت على شكل توتر في داخلنا، ولا تُطلق إلا على شكل تدخين أو إدمان أو مرض، وهذه كلها تمثل وجه العملة الآخر للتوتر الذهني والعضلي.

إن تحريك عضلاتك في غير انسجام بينها سيخلق في ذهنك ما يشبه جهاز تحكم تماست أسلاكه وتشابكت، فيختلط الأمر على أعصابك، أما إذا نسقت بينها فستجني انتظاماً وصفاء في ذهنك يزيد من تركيز أفكارك ومدى قابليتها للمتابعة من غير تداخل أفكار جانبية أو أحاسيس تبعدك عن خط التفكير الرئيسي، فمن يمكنه إتقان فن التركيز سيسهل عليه المتابعة واتخاذ القرار بلا تردد، وتكون الأمور واضحة جلية أمام عينيه في كل مجالات الحياة، على عكس من تشوشت أفكاره واختلطت عليه الأمور فلن يصل إلى قرار، مما يؤدي إلى تراكم مشاكله واحدة بعد الأخرى، لتخلق له توتراً مضاعفاً.

كم من الساعات قضيتها تستجدي النوم بلا طائل... بسبب مشكلة تقض مضجعك أو قرار حرج عليك اتخاذه. وكلما زاد إصرارك على التفكير، زادت تعقيداً وقلَ أمَلك في البت فيها، فتقوم في الصباح الباكر مجهداً خائر العزيمة، وقد تلجأ إلى معونة من طبيب، فيطلب منك الراحة التي لا تعرف لها طعماً، ثم تنتهي إلى عيادة المستشفيات ترجو علاجاً لمرض أساسه التوتر. وهذا هو أصل المشاكل التي يعاني منها ۷۵٪ من رواد العيادات هذه الأيام.

إذاً ماذا تفعل ؟

إنّ أملي أن يساعدك هذا على إجابة السؤال، فليس الهدف أن تعالج نفسك بنفسك أو الاستغناء عن الطبيب، بل هو بكل بساطة وسيلة عملية للحياة اليومية، أما إذا كنت تنتظر تمرينات شاقة متكررة، فأنا آسف لأخيب ظنك لأنك على كل حال ستبدأ في ممارستها برغبة فوارة ثم تخبو جذوة حماسك بعد فترة وجيزة. | كل ما هو مطلوب منك هو الاعتقاد بتلك الآثار البعيدة التي يتركها الأداء الجسدي السليم، والتدريب على إزالة التوتر من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، ليس عن طريق التمارين العنيفة المستمرة، ولكن منذ اليوم الأول وبأسهل الوسائل الطبيعية.

وعندما تبدأ طاقاتك في العمل لصالحك بدلاً من ضدك سيكون لها فوائد لا تخطر على بال في ازدهار شخصيتك وقدرتك على الحياة بمتعة وانطلاق وتحرر من المخاوف التي تعتري أغلب الناس.

ومع أننا بشكل عام ميّالون إلى الخوف لأنه من طبيعة البشر، إلا أننا نحن الذين نصنع هذه المخاوف، ونقاوم السلام في أنفسنا، كما نقف بالظل في طريق سعادتنا... فيأسنا هو ثمرة لأفكارنا، وفشلنا غالباً ابن شرعي لاختيارنا المتعمد المقصود. نحن الذين نخلق أحزاننا وقيودنا وحتى تدنّي صحتنا، ونستطيع إذا عزمنا أن نقذف بها بعيداً، بإطلاق طاقاتنا التي أسأنا توجيهها. ولكن ماذا نعني بهذه الطاقات الموجهة؟ ... انظر مثلاً إلى صبي صغير يصر بعناد على فعل شيء ما، يداه منقبضتان وعضلاته متوترة ووجهه متقلص، وجسده ميهتز من شدة الغيظ، فكل طاقاته مركزة على غضبه المحصور. هنا يجب أن نجد لهذه الطاقة مخرجاً طبيعياً وإلا فستنفجر بصورة غير سليمة، أو أن يستمر الصبي في خزنها على شكل توتر فتؤدي إلى مر ض ذهني أو جسدي.

أما إذا تُرك هذا الصبي مكبلاً في انفعالاته ... فسيفقد مع الوقت مقدرته الطبيعية على التخلص من التوتر المكبوت في داخله، ليلجأ حين بلوغه إلى التنفيس عن كبته هذا بالتدخين أو الإدمان أو غيرها من الوسائل، وسيكون واحداً بين الألوف الذين يعيشون في عزلة بدلاً من أن يحيوا حياة كاملة مليئة بالنشاط، وذلك لأن طاقاتهم حُرُنت في توترهم أو صرّفت عن طريق سلوك خاطئ أو عادة سيئة.