توليد طاقة جديدة

من الفوائد غير المتوقعة لهذا الشكل من الاسترخاء هو التحول خلال ثواني إلى نسبة أعلى من التركيز والحيوية وتحفز إلى عمل جديد، كما يعلم القليلون فقط أن هناك تناسباً بين المقدرة على الاسترخاء والمقدرة على الفعل، وستجد أنَّ الأفراد الذين شاركوا مجتمعاتهم مشاركة فعالة هم من كانوا قادرين على التوقف في اللحظة المناسبة، ولهذا لم يكن هناك استهلاك كبير لطاقاتهم المخبوءة، كما أن في طيات أبدانهم طاقات جديدة تتخلق باستمرار.

أما من كان يتصف بالعصبية والطاقة المتوقدة فسينكسر عاجلاً أم آجلاً، جسدياً وذهنياً، لأن الطبيعة لا تتوانى عن إعدام من يجسر فيتمرد على قوانينها المهيمنة.

العقل والجسد

إن جانباً كبيراً من الأمراض الذهنية ينجم عن نقص في التوافق والانسجام بين التفكير العقلاني والأحاسيس العاطفية، فيفقد العقل تحكمه، لأن عاطفة مثل التعاسة أو الوحدة أو الخوف والرغبة في الفرار من هذه المشاعر تضطر صاحبها إلى الانسحاب بعيداً في عالم من الخيال، حيث يعبر فيها حدود العقل والمنطق. ومن أفضل القوى الطبيعية المنظمة للتوازن بين العقل والعاطفة هو التنفس. نسوق لك مثالاً، فحين تفاجأ بخبر مفجع لا قبل لك به، حينها يتوقف تنفسك من هول الصدمة، ويضطرب انتظامه ليصير ضحلاً قصيراً، ولكن بعد مدة تستعيد الطبيعة توازنها الرائع بين العقل والجسد فتجعلك تتنهد تنهداً عميقاً مما يجلب لك الراحة والاسترخاء.

التنهد عبارة عن زفرة قوية تساعد العضلات على الاسترخاء التام، ولكن مع هذا فهي تتركك مفعماً بمشاعر الحزن وهبوط الحيوية، لأن الأكسجين طرد من الرئة، وبعد ثوانِ تبدأ الأخيرة في المطالبة بحقها في الهواء، فتأخذ شهيقاً عميقاً وتتمدد فتضغط على صدرك وظهرك، ومع هذا الشهيق العميق تستعيد رباطة جأشك لتصبح قادراً على التفكير بوضوح وتروّ فيا سيكون رد فعلك؟

إن فوائد التنفس السليم التي تعود على الذهن لا تحصى، فهو يمنح صفاء في التفكير بالإضافة إلى تركيز أعلى، فمن صفات الجهاز العصبي المسترخي أن يستجيب كلياً للطاقات الداخلية، والإنسان غير المتوتر هو الأقوى على امتصاص الأفكار الجديدة، وقد عزيت قوة أحد القادة في الإقناع إلى هذه الحقيقة، لأن له مقدرة استثنائية على الاسترخاء وإشاعته فيمن معه، فكان الكثيرون يدخلون إلى مكتبه ثائرين متبر مين ويتركونه بروح متعاونة و نفس راضية ممتنة، هذا لأنه أتقن عملية الاسترخاء و تمكن من تسخيرها في صالحه.

ولهذه الحقيقة نتائج مذهلة في عالم التدريس، لأن المدرس القادر على نشر الاسترخاء الذهني بين تلاميذه سيفاجأ غالباً بتحسن هائل في درجاتهم، لأنهم أصبحوا أكثر تنبهاً وتركيزاً من ذي قبل.

وهناك جانب آخر من جوانب العلاقة بين العقل والجسم، وهو تحسن المقدرة على التحكم بالعضلات عبر الاسترخاء الذهني ومن خلال الاسترخاء الجسمي كذلك، فيغنم من تمكن منها تطوراً ملحوظاً في الأداء العقلي والسيطرة على المشاعر، ولا نبالغ إذ نقول إن معظم الأعداد المتزايدة من الانهيارات العصبية التي تزخم بها المستشفيات العقلية سببها الفشل في تعريف الأبناء بالوحدة الأساسية بين العقل والجسم والنفس، والتأثير المسيطر للتنفس على تلك العناصر.