البعوض - عدونا الحشري رقم «1»

يُعد البعوض عدونا الأول من بين الحشرات. وهناك حشرات أخرى كثيرة تبدو أكثر خطراً. أما البعوضة فهي رهيفة وضعيفة إذ تزن ربع مليون بعوضة منها نحو رطل واحد، ولكن الضرر الذي تسببه لا يتناسب في فداحته مع حجمها.

أنواع البعوض الكثيرة: 

ومعظم الناس لا يفرقون بين بعوضة وأخرى، ولكن العلماء يفرقون بين ألفيّ نوع منه، ويوجد البعوض في كل مكان تقريباً من خط الاستواء حتى البحار القطبية.

وفي كل مكان تتطفل هذه الحشرات على الإنسان والحيوان، ففي البلاد الحارة ينام الناس داخل ناموسيات خاصة، وفي ألاسكا يدهن عمال المناجم وجوههم بنوع من الطمى يقيهم هجمات البعوض، وهناك مساحات شاسعة من الأراضي غير مأهولة تقريبا لأن البعوض تحكم وانتشر فيها.

أضرار البعوض للإنسان : 

وحتى عندما لا يلدغ البعوض فإنه يقلق نومنا بأزيزه الذي ينتج عن تذبذب بروزات دقيقة عبر ممرات الهواء. ولكن لا لوم على ذكر، البعوض فهو إن لم يكن مهذبا فإنه على الأقل لا يحدث ضرراً يذكر بل يتغذى على رحيق الأزهار أو عصارة النباتات، أما الأنثى فهي التي تسبب كل الضرر لأنها تتعطش للدماء الا كمصدر للغذاء فحسب بل لتتمكن من وضع البيض، لأن معظم أنواع البعوض لا تستطيع التكاثر بدون أن تتناول أكله واحدة من الدم على الأقل.

وليست هناك أدوات للجراحة أكثر دقة من أجزاء في البعوضة ، وينهي خرطومها الطويل بشبه مشارط دقيقة اثنان منها ذا أسنان وثالث وهو أكبرها يتكون من أنبوبة مجوفة تمتص به الدم ، وتدفع البعوضة خلال جزء رابع مجوف أيضاً بشيء من لعابها في الجرح لتزيد من جريان الدم في المنطقة، ولكن قد يحتوى العابها كذلك على جرائم أمراض خطرة نقلتها عن مصاب آخر وأنواع البعوض الناقل للملاريا قليلة، وسبق أن قدر أن نحو 800 مليون نسمة تعاني من هذا المرض بصورة أو بأخرى ، وغالبا ما تكون أنواع الملاريا الاستوائية مميتة، ولقد توفي بسببها نحو ثلاثة ملايين في عام واحد. وفي بعض الأقطار تكون الملاريا المشكلة الأساسية في حياة القوم. ولقد نقلت الملاريا إلى سواحل المناطق القطبية ولو أنها أكثر انتشارا في البلاد الحارة.

أمراض ينقلها البعوض:

وينقل البعوض أيضًا الحمى الصفراء التي لا تنتشر مثل الملاريا ولو أنها أشد خطرًا. ولقد تركت المحاولة الأولى لحفر و «قناة بنما» بسبب انتشار الملاريا والحمى الصفراء هناك، ويعود اللوم على البعوض وحده.

وبالإضافة إلى ذلك يحمل البعوض أمراضاً أخرى مثل الدنج أو حمى العظام وداء الفيل ونوعا من مرض النوم المميت الذي قتل آلافا من الخيول.

دورة حياة البعوضة :

ودورة حياة البعوضة دورة عجيبة فهي في بداية حياتها من سكان الماء، لأن البيض ينتشر دائما على سطح الماء حيث تنمو اليرقات، وتضع أنثى البعوض أكثر من 400 بيضة تأخذ شكل قارب صغير، وتعد المستنقعات وبرك الماء المكان المناسب لتكاثر البعوض، وحينما تتجمع الأمطار في أي مكان، وفي المناطق الاستوائية كثيراً ما تبحث أني البعوض عن الماء المتجمع في الأشجار أو الأزهار.

وتنمو أنواع البعوض المختلفة بنسب متفاوتة، فقد ينمو البيض الذي وضع في تجمعات الماء الوقتية حتى يبلغ الحشرات الكاملة خلال أيام قليلة، بينما يحتاج البيض الذي وضع في ماء الأمطار المتجمع في فجوات الأشجار إلى شهور.

وبعد الفقس تعلق اليرقات بسطح الماء ورأسها إلى أسفل وتتنفس خلال أنابيب رفيعة، وبعد حين تتحول إلى عذارى ذات أجسام ملفوفة مكورة، وعندما يكتمل نمو البعوضة تخرج من غطاء العذراء كما يخرج الكتكوت من البيضة تاركة القشرة الفارغة طافية فوق الماء، ويكون جسمها حينئذ مغطى بأكثر من عشرين ألف قشرة دقيقة، وهذه القشور بجانب العروق الموجودة بالأجنحة والتي تتخذ شكلا معينا تمكن العلماء من تحديد نوع البعوضة.

نسبة الموت بين البعوض:

ونسبة الموت بين البعوض مرتفعة جدا، فإن بيضه ويرقاته تكون غذاء للأسماك وأبي ذنيبة ويرقات الحشرات الأخرى الكبيرة، ويقع البعوض نفسه فريسة للطيور والوطاويط وأنواع الرعاش.

وعلى ذلك يندر أن يعيش البعوض أكثر من أيام قليلة، ولكن بعضة يختبئ في شقوق الأشجار والجدران حيث يقضي فصل الشتاء في سكون.

وبعض أنواع البعوض - وهو أكثرها شراهة – يمكنه وضع البيض بدون تناول جرعة دم واحدة.

حرب العلماء على بعض أنواع البعوض:

ويشعل العلماء حربا مستمرة ضد بعض أنواع البعوض الخطيرة، فتجفف المستنقعات وتغطى البرك بالبترول حتى لا يتمكن البعوض من وضع بيضه على الماء، وترش المساحات الشاسعة بالمبيدات من الجو القتل هذه الحشرات الخطيرة.

وهناك مناطق كثيرة كانت من قبل غير صحية استؤصلت منها الحمى الصفراء والملاريا تقريباً، ولكن مثل هذه الحرب تكلف الكثير، ويتكاثر البعوض بالبلايين ولذلك توجد منه دائما أعداد تداوم على مهاجمة الإنسان.

البعوض والحشرات القاتلة:

وما البعوض إلا بمثابة الزعيم في عصابة من الحشرات القاتلة يفوق ضررها خطر عصابات المجرمين، فهناك «قمل الجسم»، الذي ينقل جراثيم الحمي الراجعة وينقل كذلك مرضا أشد فتكاً وهو «حمى التيفوس». وهي حمى السجون المخيفة التي انتشرت في القرون الوسطى وأفنت ملايين الضحايا، ورغم

أنها أقل ظهوراً في الوقت الحاضر إلا أن أوبئة التيفوس انتشرت في إيطاليا وبولندا وأقطار أخرى منذ زمن غير بعيد.

وحتى «البراغيث»، يمكنها أن تسبب أضرارا أشد هولا لأنها تحمل جراثيم الطاعون الذي كان يعرف في القرون الوسطى باسم الموت الأسود، ولقد نقلت براغيث الفئران هذا المرض المخيف من آسيا إلى أوربا وكادت المدن الكبيرة تهجر،

حتى إن الحشائش كانت تنمو في شوارعها، وكان الضحايا يحملون ويكدسون في أكوام، وأحيانا كان يموت نصف سكان البلاد نتيجة للطاعون الذي كانوا يرهبونه أكثر من المجاعات أو الجيوش الغازية.

ولا يزال المرض موجودًا في بورما والهند وأواسط الصين حيث تنتشر أوبئته هناك من وقت لآخر.