عالم النمل - ذلك الشغال المدهش

يقوم النحل والزنابير بأعمال مُدهشة ولكن النمل يظهر براعة وذكاء أعظم، ومن بين الحشرات جميعاً يتشابه العمل معنا في العادات، فهو يبني المدن ويشق الطرق ويحفر الأنفاق ويخزن الطعام في شون خاصة به، وبعض أنواعه تزرع الحدائق والنباتات أيضاً ومن النمل نوع يحتفظ بمواش خاصة به ويرعاها، ومن المؤسف حقاً أن نقول إن النمل أيضاً يعلن الحرب بين قبائله ويأخذ المنتصر أسرى من النمل الضعيف وبالاختصار فللنمل مدنية غريبة تخصه.

عُمر النمل مقارنة بعمر النحل :

يعيش النمل حياة أطول من النحل، فبينما تفنى شغالة النحل المسكينة نفسها في عمل متواصل لمدة ستة أسابيع قد تعيش شغالة النمل مدة سبعة أعوام. ويصل عمر ملكة النحل إلى أربعة أعوام أو خمسة، بينما تدوم ملكة النمل نحو ثمانية عشر عاماً، ويتغذى النحل على العسل وخبز النحل بينما يأكل النمل كل أنواع الطعام تقريباً. ويظهر العمل على صغر حجمه تمسكاً عجيباً بالحياة، فقد عاشت نملة تحت الماء نحو ثلاثة أيام وظلت غيرها مدة ثمانية أيام بدون هواء تماماً، وثالثة بقيت حية مدة واحد وأربعين يوماً بعد أن فصل رأسها عن جسدها.

أحجام وأنواع النمل:

وهناك آلاف من أنواع النمل، منها ما يبلغ طوله بوصة تقريباً ومنها ما لا يزيد حجمها على ذرة من تراب، ويختلف النمل في عاداته تماماً كما يحدث عند الإنسان.

وتعيش أغلب أنواع النمل تحت الأرض ولكن (النمل النجار)، يقيم مساكنه في الأشجار الميتة أو في أخشاب المنازل القديمة، ويستعمل «نمل الخشب» أوراق الصنوبر الإبرية في بناية مساكنه التي قد ترتفع بضع أقدام ويبلغ عرضها عدة أقدام.

وعندما يحين وقت التجمع تطير الذكور والإناث معاً في سحابة كبيرة، وكلا الجنسين له أجنحة، وبعد ذلك يتفرق النمل ويموت أغلبه، ولكن حينما يحط منه ذكر وأنثي يبدآن في حفر بيت لهما في التربة، ولا يعيش الذكر طويلا بينما يكون أمام الأنثى شهوراً طويلة من العمل. وبما أن أجنحتها أصبحت عديمة الفائدة فهي تقطعها أو تقرضها بفكوكها، وتبدأ وضع البيض في حجرة لها تحت الأرض ومنه تخرج يرقات لا أرجل لها، وبما أنها لا تملك طعاماً فإنها تغذيها من لعابها نفسه.

وعندما يشتد بالأم الجوع تأكل بعضاً من بيضها ذاته. بالرغم من أن المعروف عنها أنها قد تعيش مدة عام تقريباً بدون أكل.

دورة حياة النمل:

وتغزل يرقات النمل شرانق صغيرة تتحول داخلها إلى عذاري وأخيراً تقرض طريقها إلى الخارج، والعمل الجديد يكون كما يحدث في معظم أنواع النحل من صنف الشغالة وهو يساعد أمه في حفر حجرات أكبر ويسعى إلى جمع الطعام، وقد تمر أعوام عديدة قبل أن يكتمل نمو المستعمرة وعندئذ تترك العملة الأم العمل وتستريح فلقد أصبحت الآن ملكة حقيقية وليس أمامها إلا وضع البيض والتمتع بالغذاء. وقد تنمو ملكة الأنواع الاستوائية حتى تبلغ حجماً يساوي حجم الشغالة مائة مرة، ولكنها على عكس ملكة النحل - التي تغير من شقيقاتها وتلسعها حتى الموت، ترحب ملكة النمل بمجيء الملكات الجديدة كي تنمو المستعمرة وتكبر.

ويملك النحل كيساً للعسل في بطنه يخزن فيه الرحيق، وعند النمل كيس مشابه يسمى «المعدة الاشتراكية»، لأنه كثيراً ما يشاركها غيرها من النمل في محتويات هذا الكيس.

طوائف النمل : 

للنحل ثلاث طوائف فقط: الملكات والذكور والشغالة، ولكن النمل له عادة طائفة رابعة وهي العساكر، وهذه الطائفة تحرس العش أو تخرج في غارات على قبائل النمل الأخرى، وجسمها أكبر من جسم الشغالة، ورؤسًا كبيرة ذات فكوك قوية بارزة و بعضها له زبان مثل النحل، ولكن معظم أنواعها يعض ويحتوي لعابها على حامض الفورميك الذي يسبب الألم في لسعة النحلة، وفي الحقيقة سمي هذا الحامض عن النملة التي أطلق عليها الرومان اسم «فورميكا».

وتقوم شغالة النحل بأعمال كثيرة، ولكن النمل قسم نفسه إلى طوائف مميزة، ولقد وصف العلماء أكثر من عشرين صنفا من الشغالة وأغربها تلك الشغالة التي أصبحت بمثابة براميل حية لخزن الرحيق وعصارة بعض الأشجار والنباتات، وهي تمتليء بهذا السائل الحلو حتى تنتفخ معدتها كالبالون الصغير، وتتعلق في سقف العش عاماً بعد عام وتملؤها الشغالة الأخرى بالرحيق الذي يعودون لتذوقه بعد حين، وربما لا نجد مثل هذه التضحية بالنفس في أي مجتمع آخر.

ويصنع النحل من الشمع دور حضانة لصغاره، أما النمل فكثيراً ما يحمل معه الشرانق التي تحوي صغاره حينما تنقل، وتسمى هذه الشرانق خطأ بيض العمل ولكنها في الحقيقة عذاري العمل وليست بيضه.

شغّالات النمل ودورها:

وتقوم النملة الشغالة بتنظيف جسمها داخل العش كما تفعل القطة الصغيرة وربما تفعل ذلك عشرين مرة في اليوم الواحد.

وأحياناً تُكوَّر النملة وتنام كما يفعل الكلب، وعندما تستيقظ تتمطى وتفتح فمها كما لو كانت تتثاءب.

وقد يسكن نوعان مختلفان من النمل أنحاء منفصلة في عش واحد، ويحتفظ النمل بحشرات صغيرة كثيرة استأنسها، ولقد وجد نحو ألفي نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن العمل الذي نجح في استئناس العدد الكبير من الحيوانات المختلفة أكثر مما استأنسه الإنسان.

ومع ذلك ليس كل هؤلاء السكان من المرغوب فيهم، فهناك حفار الغيط الصغير الذي يفضل مساكن النمل الآمنة التي شقي في حفرها النمل، وكذلك تغزو بعض الخنافس المتوحشة عشه. بيد أن للنمل أعداء أفظع، فأنواع كثيرة من الطيور تتهمه وكذلك «السحالي» والضفادع ويلتقطه آكل النمل العملاق في جنوب أمريكا بالمئات بواسطة لسانه اللزج، وبعض القبائل من الأهالي تحب أكل النمل، ويعتبر نمل «قوارير العسل» من الحلوى النادرة عند هنود المكسيك وحتى الأوربيون وجدوا أن طعم النمل المحمر يشبه طعم الجوز المحمص.

أعداء النمل من الحشرات الأخرى:

وأغرب أعداء النمل جميعاً حشرة عجيبة تشبه الرعاش، وهي غير ضارة مطلقاً في طورها الكامل، ولكن في طورها اليرقي تكون مخلوقة متوحشة يسمى «أسد النمل» ويقل طولها حينئذ عن البوصة، وأرجلها الست ضعيفة لدرجة أنها تمشي بصعوبة وإلى الخلف فقط ولها ست عيون وليس لها فيّ ولكن فكوكها المتباعدة المزودة بأشواك حادة تجري داخلها قنوات تمتص بها غذاءها، وتحفر هذه الحشرة حفرة قمعية الشكل في الرمل وتدفن نفسها في القاع تاركة فكوكها مكشوفة فقط وعند مجيء نملة إلى حافة الحفرة تسقط وتنزلق على الرمل الناعم.

وإذا ما حاولت الفرار تُسرع «أسد النمل»، وترميها بحبات الرمل حتى تسقط إلى القاع وعندما تصبح في متناول الفكوك تمتص جسمها وتتركه جافاً بعد فترة وجيزة، ويسميها الأطفال في الريف doodle bug.

فوائد النمل للإنسان :

ويعتبر النحل صديقاً لنا بينما يُنافسنا النمل. وكثيراً ما يكون عدواً لنا، فهو حقاً يقدم لنا بعض الخدمات.

في بعض المناطق الأوربية يشجع النمل على حفر مساكن له حول أشجار الفاكهة حيث يهاجم الحشرات الضارة بها.

أضرار النمل للإنسان :

ولكنه كثيرا ما يضايقنا فهو يفسد المروج وسفوح النجيل الخضراء ويضر المحصولات المزروعة ويختلط بطعامنا، وفي المناطق الاستوائية يأتي النمل أعمالا فظيعة، في وادي نهر الأمازون أصبحت الحياة غير محتملة من جرائه، فبعض أنواعه تقرض ثوباً من الملابس وتتركه خرقاً باليلة في ليلة واحدة، وينتشر على

النباتات هناك نوع يسمى «النمل الناري»، وهو مشبع بحامض الفورميك لدرجة أن مجرد الاحتكاك به كلمس النار، وهناك نملة أخرى كبيرة تقرب من البوصة تسمى «العملة الرهيبة»، وقد تسبب عضتها الحمى ولهذا فإن عدد سكان ذلك الوادي الخصيب – الذي تقارب مساحته مساحة الولايات المتحدة - أقل من سكان الصحراء الكبرى. ولا غرابة إذن أنهم يطلقون عليه اسم «مملكة النمل».