وقت معاصرة الحشرات للزواحف الكبرى المنقرضة

نحن لا نعرف متى ظهرت الحشرات لأول مرة، ولكنا نعلم أنها أقدم كثيراً من الزواحف الكبرى لأن العلماء قد وجدوا بقاياها في العصر الكربوني، حينها كانت تزدهر تلك الغابات العظيمة التي خلفت لنا طبقات الفحم وكان ذلك منذ ۲5۰ مليون سنة مضت.

وهكذا عندما ظهرت الزواحف الأولى في المستنقعات كان أزيز الحشرات يملأ الجو ويرقاتها تتحرك في الماء الزاخر بها.. وقد حكمت الزواحف الكبرى العالم مدة طويلة جدا ولكن آخر نوع منها اختي وانقرض منذ 60 مليون سنة بينما استمرت الحشرات ودامت حتى وقتنا هذا.

وجدت عظام الديناصور في الصخور القديمة وحفظت آثار أقدامها في الطين الذي تجمد وتحول إلى حجر حتى إن «روي شابمان أندروز»، أكتشف في آسيا بيض هذه الزواحف القديمة. ولكن الحشرات صغيرة رهيفة فكيف نطمع أن تخلف أنواعها الأولى وراءها بقايا نراها اليوم؟

ومع هذا فهناك الكثير من هذه المُخلفات، وغالبا ما يختفي جسم الحشرة اللين ويمكن فقط تقصى أشكال الأجنحة الصلبة على أسطح الأحجار النارية القديمة ولكن يمكن أحيانا تلمس شكل الجسم نفسه بما كان يغطيه من شعر وقشور دقيقة.

ولقد ثبت أن منطقة «فلورسانت» بولاية «كلورادو» ما هي إلا منجم للحفريات الحشرية. وهناك كانت البراكين في وقت ما تحيط ببحيرة ضحلة حيث دفنت الحشرات الطائرة فوق الماء برماد البركان الذي تحول إلى حجر طفلي، ومن هذه المنطقة وحدها اكتشفت أكثر من 50 ألف حفرية من الحشرات.

ووجدت مثل هذه الحفريات في الأحجار الخيرية. وهناك على الأقل ۱۰۰ مكاناً مختلفة وجدت بها نماذج من الحفريات الحشرية.

وظهر أن أفضل هذه النماذج حالة لم توجد في الأحجار بل في مادة العنبر الكهرمان وهو تلك العصارة الصلبة من أشجار الصنوبر الذي اختفى منذ زمن بعيد. وكانت الحشرة الحية حينئذ تلتصق بتلك المادة الصمغية التي تنز من القلف وكثير من العنبر يأتي من سواحل بحر البلطيق.

وهذا البحر يغطى الآن المنطقة التي كانت تعيش فيها غابات الصنوبر القديمة في وقت من الأوقات وتلقى الأمواج قطعا من العنبر على الشاطئ، وداخل هذه القطع حفظت أكثر من 150 ألف حشرة كانت تعيش منذ ملايين السنين. وكثيراً ما أقوم بفحص عينات حفريات العنبر ضمن مجموعتي وأفكر في عجب فيما كانت عليه الدنيا في ذلك الوقت البعيد.

وقسَّم العلماء الحفريات الحشرية إلى أكثر من ١٢ ألف نوع، وربما يكون أكثرها روعة تلك الرعاشة الجبارة التي بلغ جسمها خمس عشرة بوصة، وطول ما بين جناحيها نحو قدمين ونصف قدم وقد تكون أكبر حشرة عاشت على ظهر الأرض وبما أن الطيور لم تكن وقتذاك قد ظهرت، كانت هذه الحشرات أسياد الهواء.

ومن المحتمل أن الحشرات كانت منتشرة في عهد الزواحف الكبرى انتشارها الآن. وكانت الصراصير تجري هنا وهناك عندما ظهر الديناصور الأول، ويبدو أنها لم تختلف كثيرا منذ ذلك الحين. وحتى البعوض كان منتشرا منذ أربعين مليون سنة، وكان النمل كما هو الآن يحيا حياة اجتماعية.

وإذا ما قُورن الإنسان بالمخلوقات الأخرى على الأرض يعتبر حديث الظُهور. وكما انقرضت الزواحف الكبرى اختفت أنواع دبب الكهوف والنمور ذات السيوف.

وعندما بدأ الإنسان في استعمال يديه وعقله خشيته جميع المخلوقات، ولقد خضع له الفيل والحوت الأزرق الكبير. ولكنه لم يخضع وربما لا ينجح أبدا في إخضاع الحشرات حيث توجد منها أنواع عديدة تتكاثر بسرعة فائقة. ومنها أنواع قليلة ضارة تتصدى للإنسان وتتحدي حقه في حكم الأرض، ويجب على الإنسان أن يعلن عليها حرباً لا تنتهي. بيد أن الحشرات الأخرى غير ضارة بل مفيدة لنا.

ونحن لا نحتاج أن نذهب بعيداً سعياً وراء المغامرات، بل يمكننا أن نرى حولنا مشاهد مثيرة ومخلوقات غريبة في عالم الحشرات الساحر.