لماذا تكون الحشرات دائماً صغيرة الحجم؟

في الأزمان القديمة كان الناس يجهلون كل شيء عن المناطق البعيدة، وعليه فقد كتب العالم الروماني القديم «بليني» عن نمل في الهند يبلغ حجم الذئاب، وجراد أرجله طويلة بحيث تستعمل هذه الأرجل كالمنشار. ويسعدنا أنه كان على خطأ. فكيف تكون حالنا في هذا العالم لو كانت الزنابير كبيرة كالنسور أو بلغت الصراصير حجر الأسود .

وبينما يسمح تركيب جسم الحشرة للطبيعة كي تخرج منه أشكالاً عديدة إلا أنه يضع حدوداً ضيقة بالنسبة لأحجامها ؛ فالغطاء الخارجي يخدم جيداً أغراض المخلوقات الصغيرة ولكنها لا ينفع الوحوش الخرافية الكبيرة التي كتب عنها «بليني»

وهناك سبب آخر لصغر حجم الحشرات، فإنها مثل الحيوانات الكبيرة يلزمها الأكسيجين للتنفس، ولكن ليس لها رئات.

وأنت عندما تجرى تبدأ رئتاك في أخذ الهواء الزائد اللازم لك ، ولكن الحشرة لا تستطيع ذلك ؛ فإنها تمتص الهواء كما تمتص قطعة الإسفنج الماء . ويدخل الهواء جسم الحشرة خلال فتحات دقيقة تسمى الثغور التنفسية إلى أنابيب تسمى "القصبات الهوائية"، ولكن الهواء يمر ببطء خلال هذه الفتحات ولا ينتشر عادة أكثر من ربع بوصة تقريباً، وعليه فقليل من الحشرات ما يزيد سمك أجسامها على نصف بوصة ولو أن الحشرات تختلف كثيراً في أحجامها كما هي الحال بين الحيوانات العلياء .

وأكبر الحشرات حجما هي «العصي المتحركة»، والخنافس والفراشات.

وأصغرها هو الهاموش والبعوض والنمل الذي يبدو كذرات من التراب،

ويبلغ بعض الذباب تام التكوين نحو جزء من مائة من البوصة في الطول، وهناك من الخنافس ما يمكنه أن يمر خلال ثقب الإبرة.

ولكن الحشرات على صغرها تقوم بأعمال غريبة. وحقيقة أن نظرها ضعيف بالرغم من عيونها العديدة ولا يمكنها غير رؤية الأشياء القريبة منها فقط، ولكن بعضها يمكنه سماع أصوات لا نستطيع نحن سماعها ، ومنها ما يملك حاسة شم قوية لدرجة أنها تستطيع تمييز روائح معينة على بعد ميل أو أكثر.

قوة الحشرات المذهلة !

وكثير من الحشرات ما يملك قوة جبارة. انظر إلى النملة وهي تحرك شيئا أكبر كثيراً من حجمها، وإذا كنت قويا بنفس هذه النسبة لأمكنك على حجمك أن تدفع حجراً يزن عدة أطنان ، والحصان القوي يمكنه جر ما يوازي وزنه على الأرض ولكن الخنفساء ذات القرون يمكنها دفع ما يوازي وزنها ۱۲۰ مرة.

وباستطاعتك أن تجرى أسرع من الصرصور، ولكن إن أمكنك أن تجرى بنفس النسبة التي يجرى بها لاستطعت أن تسابق السيارة السريعة.

ويستطيع البرغوث أن يقفز نحو قدمين أو أكثر ، وإن استطعت عمل ذلك الأمكنك على هذه النسبة أن تنط فوق مبنى عال أو تقفز عبر الأنهار. 

وهناك نوع من « ذباب اللحم» ، يصل في سرعة طيرانه إلى خمسين ميلا في الساعة. وإذا أمكن الطير أن يطير بهذه النسبة للحق بالطائرة النفاثة.

وتعمل أعصاب الحشرة وعضلاتها أسرع مما تعمل أعصابنا وعضلاتنا.

ويملك الإنسان ما بين 400 إلى 500 عضلة، وبعض الحشرات له 4000

عضلة. وحاول أن تصطاد ذبابة بيدك فلديها جزء من الثانية كي تهرب وهو ما تفعله عادة.

والآن دعنا نزد معرفة بهذه المخلوقات الضئيلة الغريبة التي تستطيع عمل الكثير. ونحن نذهب إلى السيرك أو إلى حديقة الحيوان لنشاهد غرائب الحيوانات، ولكن هناك بين الحشرات ما هو مثير عجيب بل أكثر غرابة . ونحن لا نطمع في أن نراها جميعاً، وليس هناك من قام بذلك من العلماء وسوف لا يتمكن من ذلك أحد .

فعدد الحشرات كبير جدا حتى إذا طبعت جميع الأسماء المعروفة منها بأحرف صغيرة في كتاب كبير بكل صفحة فيه عمودان وفي كل عمود مائة سطر لملأت أسماؤها مجلداً من ۳۳۰۰ صفحة . ونظرة واحدة لمثل هذا المجلد تقنع الفرد باستحالة هذا ، ولكن إذا نحن تتبعنا بعض أنواعها الشائعة فسوف تقودنا إلى ذلك العالم المدهش الذي تعيش فيه حولنا وهو دنيا الحشرات العجيبة.