فرق الحشرات الموسيقية

في ذات يوم كنت في جزيرة «بازيلان» من جزر الفلبين، وحينها دخلت إلى الغابة كدت أصم من أصوات نفاذة عالية فلقد كانت الحشرات تلعب فيما بينها كونشرتو يخرق الآذان.

وإذا أمكننا حشد جميع الحشرات الموسيقية لتكون منها أوركسترا من نوع عجيب، وكما تقوم ذكور الكناريا بكل الغناء، تقدم ذكور الحشرات معظم أنواع الترانيم والصرصرة، وهي طبعا لا تغني حقيقة بل تعزف لأن الطبيعة قد زودتها بأدوات موسيقية أغرب مما نستخدمه في حفلات رأس السنة.

صراصير الغيط :

وربما تكون صراصير الغيط أكثر الحشرات الموسيقية إنتاجاً، ومنها ميز العلماء فوق الألني نوع ولكننا لا نحتاج هنا إلا لذكر القليل منها.

وهذه الأنواع ليست مغنيات بل عازفات على الكمان. فعلى أحد أجنحتها يوجد غشاء تُغطيه نتوءات وعلى الجناح الآخر توجد أسنان حادة كالمبرد.

ويستطيع صرصور الغيط بحك جناح على الآخر أن يحدث نغمات مختلفة تماما كما يفعل لاعب الكمان عندما يحك قوسه على الأوتار.

ويحدث صرصور الغيط هذا نغمة عالية «تربت تربت تربت» وأخرى واطية. «كري كري كرى»، وثالثة مكتومة «جرو جرو جرو» ويمكن سماعه في ليلة ساكنة على بعد ميل تقريبا. وتصغي الأنى لمقطوعته بآذان توجد على أرجلها.

وأكثر أفراد العائلة موهبة هو حفار الشجر الثلجي، ولقد سمع أحد أفراده كرر نغمته الموسيقية أكثر من ألفي مرة. وغيره كان يصرصر بصورة مستمرة واقع تسعين مرة في الدقيقة، وبهذا المعدل يمكنه أن يصرصر أربعة ملايين مرة، في شهرين . ويجب أن تكون أجنحته متينة حقا حتى تتحمل مثل هذا العذاب.

وجاء حفار المنازل من أوربا ويبدو أنه قانع سعيد في الولايات المتحدة وهو خدع من يستمع إليه بمهارة كبيرة كمن يتكلم من بطنه و يقوم بذلك عن طريق حك أجنحته ثم يكتم الصوت حتى يبدو وكأنه قادم من اتجاهات مختلفة.

ويحفر حفار الغيط نفقا بمخالب أقدامه الأمامية ثم يجلس في مدخل جحره ويضيف إلى نغمات الفرقة نغمته المكتومة (تشورب تشورب تشورب).

وكثيرا ما اختاروا الحفارات كما يختار الناس الطيور المغردة لنغماتها الشجية واحتفظوا بها في أقفاص صغيرة مثل الحيوانات المستأنسة.

حشرات أخرى تصدر أصواتاً موسيقيقة (بق السيكادا وجراد السبعة عشر عاماً) :

ولكن قائد فرقة الحشرات الموسيقية هو « بق السيكادا» أو « جراد السبعة عشر عامًا». وهو بخلاف الحفار ليس من نوع ضارب الكمان، بل ضارب على الطبلة، فله تحت أجنحته غشاء مستدير مثل الطبلة على سطحه حزوز تتحكم فيه عضلات دقيقة وتضغط « السيكادا، هذه الأغشية إلى الداخل والخارج كما نضغط نحن على قاع وعاء من الصفيح . ويا لها من ضوضاء يمكن بالجماعة منها أن تحدثها.

وفي الولايات الجنوبية اضطرت بعض المدارس أن تتوقف أحيانا، لأن أصوات بق السيكادا على الأشجار القريبة كانت أكثر مما يُتحمل.

وتدخل بعض أنواع النطاط ضمن فريق الحشرات الموسيقية ، ويرسل النطاط ذو الرأس المخروطي نغمة عالية عندما يحك أجنحته معا ، وهناك أنواع أخرى تفعل ذلك بحك أجنحتها على أفخاذها . وتحدث قريباتها من الجراد أصوات خربشة قد تسمع على بعد ربع ميل..

وتوجد حشرة موسيقية أخرى « كاتي ديد» و التي تنتمي إلى عائلة النطاط ولكنها لا تشبهه ، وهنا أيضا يثرثر الذكر عما فعلته «كاتي»، ولكنه لا يفصح أبدا عما فعلته حقيقة.

وأحيانا يبدو وكأنه يحاول ذلك، لأنه في الليالي الحارة يضيف مقطعة إلى أغنيته القصيرة، ولكن كلما انخفضت درجة الحرارة يسقط مقطعا من الأغنية بعد الآخر ويسكت عن نغمته الأخيرة عندما تنخفض برودة الليل تحت درجة ۱۲ مئوية.

وتعد الحشرات الموسيقية كذلك مقياساً حساساً للحرارة، فتزداد سرعة صرير الحفار أكثر كلما ارتفعت درجة الحرارة، ولكنها نادرا ما تصرصر عندما ترتفع درجة الحرارة فوق ۹۸ أو تنخفض عن 53، وبعض الناس يتسلى بتقدير درجة حرارة الجو عندما يتتبع نغمات الحفار ، وطريقتهم في ذلك هي أن يعدوا النغمات التي يحدثها الحفار الثلجي خلال ۱۰ ثانية ويضيفوا إليها رقم 40 فيعطى الناتج درجة حرارة الجو كما يقولون.

حشرة النطاط :

ويعتبر النطاط رغم قلة الاعتماد عليه أكثر حساسية لأنه نادرا ما يحدث أية نغمة إذا ما انخفضت الحرارة تحت 57 مئوية.

وكما يحدث في كل فرقة موسيقية كبيرة تساعد الآلات الصغيرة آلات الكمان في العزف مثل النفير والطبلة، يحدث ذلك أيضا بين الحشرات.

حشرة بخار الماء : 

وهذا المخلوق الغريب الذي يسمى «بخار الماء» يستمع إلى الموسيقى من مستنقع قريب ويضيف إليها من عنده نغمة نشاز بواسطة حك أرجله معاً.

وهذا ما تفعله أيضًا برقة فراش «أبي الهول». أما النغمة التي تحدثها ذكور النحل الطنان فهي تشبه السكسوفون. وهناك الذباب والزنابير والنحل الذي يزن بنغماته وحتى البعوض يضيف طنينه.

يرقات وخنافس الموت : 

وفي جدران المنازل القديمة تحدث يرقات و خنافس الموت، أصواتنا تنتج عن مصها وقرضها للطعام، وأثناء الليل كان بعض الناس ممن يعيشون وحدهم يعتقدون أن هذه الحشرة تتنبأ بموت أحد أفراد العائلة، وكان بالطبع هذا غير صحيح ، بل كانت اليرقة تقوم بحفر أنفاق لها في الخشب فقط . بيد أن معظم أغاني الحشرات من النوع المفرح السعيد. وسواء كانت هذه نوعاً من نداء الجنس أو نتيجة لمجرد رغبتها في الغناء فإنها تضيف كثيراً إلى موسيقى الطبيعة.