دودة القز صانعة الحرير

كثير من يرقات الفراش وبعض ديدان الحشرات الأخرى تغزل مساكن لها من الحرير قبل أن تتحول إلى عذاري، ومن أهم هذه الأنواع فراشة لها أجنحة بيضاء تبلغ مسافة ما بينها، نحو البوصتين ويطلق عليها العلماء اسم «بومبكس» ولكنها تعرف أكثر باسم «دودة الحرير» ، وهذا، بالطبع خطأ لأنها ليست دودة بل في فراشة في طور اليرقة، وكثير من الفراشات ما هو أكبر منها وأجمل، ولكن ليس فيها ما هو أنفع لنا منها.

وهي لا تأكل شيئاً خلال أيام حياتها القصيرة، بل تبيض من ۳۰۰ إلى 400 بيضة تخرج منها بعد الفقس اليرقات التي تسمى خطأ «دودة الحرير» وهي هامة جدا بالنسبة لنا.

وفي الحقيقة بينما نجح الإنسان في ترويض حيوانات كثيرة حتى الفيلة - إلا أنه استأنس فقط نوعين من بين أنواع الحشرات التي لا حصر لها، وهما نحل العسل وفراشة الحرير.

موطن دودة القز :

وكان موطن هذه الفراشة الأصلي الصين حيث كرمها القوم منذ قرون وبما أنها تتغذى على أوراق التوت فلقد زرعت الملايين من هذه الأشجار، ولا ينبغي لنا أن نعجب إذا عرفنا أنه يلزم لهذه اليرقات أن تأكل نحو طن من الأوراق كي تنتج رطلا واحداً من الحرير.

وهذا الحرير هو في الحقيقة لعابها الذي يتجمد عند ملامسة الهواء له، ويخرج من فم اليرقة بمعدل ست بوصات في الدقيقة وقد تنتج منه خيطاً واحداً طوله ألف قدم وتلفه المرة بعد المرة حول جسمها لتصنع منه مخبأ لها يسمى الشرنقة التي بداخلها تهدأ اليرقة المتعبة كي تتحول إلى عذراء.

وحينئذ تجمع الشرانق وتغمس في الماء الساخن لتموت الحشرات داخلها ثم تفك الخيوط الطويلة باليد، وقد يحتاج الأمر إلى ۲۰ ألف شرنقة كي تحصل على رطل واحد من الحرير. وترك بعض الشرانق جانباً بدون قتل ما بداخلها، ومن هذه الشرانق تخرج الفراشات لتضع بيضاً آخر يفقس ويعطى يرقات أكثر تنتج شرانق أخرى وهكذا.

وفي العصور الوسطى كان الحرير أهم ما تصدره الصين لأوربا، وكان يحمل على الجمال في أكياس عبر آلاف الأميال في صحاري وجبال ، وكانت هذه الطرق الوعرة الطويلة الخطرة تعرف فيما مضى بطرق الحرير ، وكانت أهم رابط بين الشرق والغرب، وهي أيضاً من نتائج عمل فراشة الحرير التي كانت يرقاتها مشغولة طوال الوقت في مضغ أوراق التوت وغزل الشرانق ولم تعلم الفراشة ذلك ولكنها في الواقع قد غيرت مجرى التاريخ.

الحرير ودوة القز:

ولقد كان صنع الحرير سرًا من أسرار الصين زمناً طويلاً، ولكن أخيراً أدخلت دودة القز إلى أقطار البحر المتوسط، وزرعت هناك أشجار التوت لتتغذى عليها، وكذلك في إنجلترا تمت صناعة صغيرة للحرير حيث كانت اليرقات تغزل الحرير المطلوب لملابس الملوك .

ومن الحشرات المفيدة العاملة أيضاً نوع من «المن أو بق النبات» ، ويوجد في الهند ويسمى (صانعة الصمغ) ، وهي تنتج الصمغ المعروفه باللاك ، الذي يدخل في تركيب مواد التلميع، وتأكل هذه الحشرة أوراق أشجار كثيرة ولكنها تفضل نوعاً خاصا من أشجار التين . وتثقب الأني قلف الشجر اللين وتلصق نفسها بالعصارة الزوجة التي تتز من الشجرة وتصبح بمثابة الغطاء الواقي للحشرة يحميها من الشمس والمطر إلى أن تضع بيضها تحته، ثم تموت وتبقى أجسام هذه الحشرات الجافة ممتزجة بالأصماغ التي تباع تحت اسم «اللاك» .

ومن أفضل أنواع هذه الأصماغ ما تعمل منه الأسطوانات الموسيقية، وإن كنت ممن يستمتع بهذه الموسيقى فتذكر المخلوق الضعيف الذي يعمل من أجلك في الهند البعيدة، ولإنتاج رطل واحد من أصماغ اللاك تعمل 150 ألف حشرة طول حياتها .

وكذلك تمدنا الحشرات بالأصماغ الزاهية في أمريكا الاستوائية تتغذى بعض أنواع الحشرات القشرية على عصارة أشجار مخصوصة ، وتنتج عن أجسامها الجافة أصباغ ذات ألوان، بهيجة..

وتثقب بعض الحشرات الأخرى براعم أشجار البلوط، ويتكون عن ذلك انتفاخ يسمى ورم البلوط أو «انتفاخ البلوط» ، ولأنه أجوف يصبح مأوى لحشرات مختلفة، ويدخل في تركيب هذه الأورام مادة التنين التي تستعمل في دبغ الجلود.

ويستخرج من هذه الأورام كذلك نوع فاخر من الحبر الأسود . وفي تركيا تتسبب بعض الحشرات في نمو ورم نباتي مشابه يسمى (التفاحة المجنونة)، تعطينا تلك الصبغة الزاهية التي تعرف « بأحمر تركيا» ، وعليه فبينما تغزل لنا دودة القز خيوط الحرير تقدم لنا الحشرات الأخرى بعض أصباغة الغنية الزاهية.