محتويات

 

تفسير الاختبار النفسي وتصحيح النتائج:

يتضمن كل اختبار نفسي معلومات وإرشادات عن كيفية التأويل، وكيفية وضع العلامات واستخراج النتائج، وهناك عدة اعتبارات هامة على السيكولوجي مراعاتها أثناء التصحيح وتفسير النتائج، من أهمها ما يلي:

أهم التعليمات للسيكولوجي في تفسير نتائج الإحتبار النفسي:

  1. على الأخصائي أن ينتبه لإمكانيات التحيز الواعية واللا واعية. وقد يتدخل عامل التحيز أحيانا نتيجة ميول واتجاهات رقيم السيكولوجي تجاه طائفة معينة، أو تجاه ايديولوجية معينة، أو تجاه جنس معين أو عرق، أو منطقة معينة. وكذلك الحال بالنسبة للتوقع المسبق، إذ غالبا ما يؤدي إلى رفع الدرجة أو انخفاضها انطلاقا من الحكم المسبق الذي كونه عن المفحوص للوهلة الأولى.
  2. هناك أيضُا عامل التعب والإرهاق أو التسرع في إعطاء الدرجات، ولذلك من الأفضل أن يراجع الفاحص حساباته أكثر من مرة للتأكد من صحتها.
  3. على السيكولوجي أن يفسر النتائج من خلال الحالة العامة للمفحوص: الجسدية والنفسية والمزاجية، وكذلك من خلال الإطار الثقافي والحضاري الذي تم فيه العمل، نظرا لما لها انعكاسات على موقف المفحوص وأسلوبه.
  4. ينبغي على الأخصائي أن يلم بالاختبار كلياً، وأن يعرف طبيعته وحدوده، ويعمل من ثم على تفسير درجات المفحوص انطلاقا من تلك المعرفة.
  5. لا يجوز الاستناد إلى نتيجة اختبار واحد للحكم على المفحوص. بل من الأفضل اللجوء الى أكثر من مصدر أو الرجوع إلى إجابات ودرجات على اختبارات أخرى، وتكوين حكم عام من خلال مقارنة مختلف النتائج للمفحوص.

وهذه التعليمات الضرورية والأساسية التي ينبغي على السيكولوجي مراعاتها وأن يتبعها بدقة متناهية، وليس له أن يغير أو يعدل فيها، أذ أن أي تبديل في كيفية إجراء الاختبار يؤدي إلى تغيير في النتائج، وتصبح مقارنة نتائج المفحوص بنتائج فرد آخر في نفس العينة غير دقيقة.

وعلى الرغم من التقيد بالتعليمات وإتباعها إلا أن هناك مجالا أيضا يستخدم فيه الاخصائي النفسي خبرته وممارسته الشخصية؛ إذ هناك شيء من المرونة حسب ما يقتضيه الموقف، وتظهر هذه المرونة خاصة مع الأطفال، لكسب ثقتهم بإزالة مشاعر الخوف والارتباك لديهم.

فالغاية الأساسية من الاختبارات هي تجميع معلومات عن حالة الفرد وكشف إمكانياته وقدراته، وفهم نواحي القوة أو الضعف عنده، بغية مساعدته والوصول به إلى حياة ومواقف أكثر فعالية.

الدلالات النفسية للاختبار النفسي:

تعتبر الاختبارات الروائز أداة هامة للأخصائي النفسي التي بواسطتها ومن خلالها التعرف على المفحوص وكشف الجوانب المختلفة في شخصيته. ولا بد للأخصائي النفسي من التنبه إلى دلالاتها النفسية عنده وعند المفحوص، من خلال عملية التفاعل بينهما، وأن يأخذ هذه الدلالات في غاية الأهمية، فالعلاقة بين الفاحص والمفحوص، في الموقف الاختباري، محكومة الى حد بعيد يبعدها اللاواعي الذي يتخذ شكل النقلة أو التحويل Transfert، وهي ذات طبيعة إنفعالية، تتحرك فيها الرغبات والهوامات Fantasmes الطفلية الأساسية والتي تؤثر على مسار تلك العملية.

إذن، الاختبارات وسيلة هامة لتحريك عملية التفاعل الدينامي بين السيكولوجي والمفحوص، وهي أيضا أداة اتصال بينهما، ووسيلة لكشف الجوانب الانفعالية لديهما.

ومن أهم الدلالات النفسية التي ينبغي التركيز عليها هي:

1- ملاحظة الأخصائي النفسي للجوانب التوعية في الاستجابات، إذ أنها تساعد الأخصائي في نهم دينامية شخصية المفحوص. ومن أمثلة هذه الملاحظات: التباطؤ في الاستجابة الاستجابات غير الملائمة الدالة على سوء فهم أو اضطراب التداعي؛ الحاجة الملحة إلى تكرار التعليمات للحصول على الاستجابة العجز عن تحويل الانتباه من عمل لآخر؛ مستوى الاهتمام والمثابرة في بذل الجهدة درجة الاستشارة الانفعالية؛ تنظيم أنماط الاستجابة (1).

2- كذلك ينبغي ملاحظة سلوك المفحوص في الموقف الاختباري، إذا كان متوترة تلقاء هادئة رزينة، أو متعاونة أو عدوانية، وكذلك قدرته على التعبير وطريقة الكلام ومعناه، واتساقه أو تشتته... وتفيد هذه المؤشرات على وضعية المفحوص ومواقفه الحياتية وكيف يتصرف ازائها، والدفاعات التي يلجأ إليها في المواقف المختلفة: دفاعات تبريرية، تمويهية مخادعة، عدوانية تسلطية، مل يسقط مشاعره ومخاوفه وقلقه في الموقف، أم يتماهى مع الفاحص أو أدوات الاختبار. ويوضح «براون Brown بأن هناك عدة عوامل هامة قد تؤثر في استجابة الفحوص، وأهمها هي:

  • سلوك المفحوص ازاء الاختبار: دفاعي، سلبي، مقاوم، منحمس...
  •  موقف المفحوص أثناء الاختبار: عدائي، سريع الانفعال، خجول، متحدي..
  •  استجابة وفهم المفحوص للتعليمات: سريعة، بطيئة، غير متسقة....
  •  النشاط ببدء الإجابة: قلق حركي، نرفزة، قضم أظافر... مشكلات الكلام: صعوبة النطق التأتأة، التلعثم... ([2]).

وتفيد هذه المؤشرات التوعية بدلالات نفسية عميقة عن شخصية المفحوص، ومشكلاته، ومأزمه، وكذلك الآواليات الدفاعية التي يستخدمها والتي يلجأ اليها في المواقف المختلفة. كما أنها تلقي الضوء على معنى الدرجة على الاختبار ومضمونه، كما أنها تقدم عينات مباشرة من أنواع كثيرة من السلوك الظاهر التي تتيح للسيكولوجي إمكانية تحديد حاجات المفحوص وأهدافه ودفاعاته في مواقف الحياة العملية.

محدودية الاختبارات النفسية:

ان مفهوم «الاختبار» Test قد يوحي للمفحوص بعملية معينة يجب أن يخضع لها، وهذا ما يخلق لديه الشعور بالانصياع والخضوع تجاه سلطة عليا (الموقف الاختباري)، مما يولد لديه الشعور بعدم الثقة، والقلق، ولا شك أن «قلق الاختبار» ومستوى الدافعية يؤثران على مستوى أداء المفحوص في الاختبار كما أوضحت ذلك «أنستازي» Anstasie.

في اختبارات الشخصية، وخاصة الاختبارات الاسقاطية Projectifs، تصبح نوعية العلاقة القائمة بين السيكولوجي والمفحوص ذات أهمية كبيرة، نتيجة ما يوحيه الموقف الاختباري للمفحوص من إسقاطات، وتماهيات مع السيكولوجي، وهذا مما يؤدي الى التأثير على نوعية الاستجابة عند المفحوص.

وعلى كل الأحوال، ينبغي على السيكولوجي الانتباه لكل هذه الأمور والعوامل التي يخلقها والموقف» بحد ذاته، وعليه أن يعمل لإبعاد الموقف السلطوي تجاه المفحوص، من خلال عملية التفاعل، والثقة... وعليه أيضا أن يلجأ إلى تقنيات أخرى وأساليب متنوعة تساعده على تخطي كل هذه العقبات، من أجل الوصول إلى فهم أكثر الشخصية المفحوص، وقدراته الذاتية؛ ولذلك عليه أن يتعاون مع فريق العمل في عملية التشخيص والتقدير النهائي.

وبعد دراسة المفحوص من خلال مختلف الأساليب التي أستخدمها الأخصائي النفسي، تأتي المرحلة النهائية من الفحص النفسي، وهي استخلاص النتائج ووضع تقرير عن الفحوص. انها مرحلة تثبيت المعطيات والتقرير في صورة دينامية تعكس شخصية المفحوص الكلية، قابلة للاستخدام بهدف التوجيه أو الإرشاد أو العلاج.

هوامش مرجعية:

(1) لويس مليكه - علم النفس الإكلينيكي.

(2) محمود ياسين عملوف. علم النفس الإكلينيكي.