محتويات

أخصائي القياس والتشخيص النفسي

تتعلق شروط القياس ببعض المبادئ الأساسية المرتبطة بعملية إجراء الروائز واستخدامها؛ وببعض القواعد العامة اثناء الإعداد لموقف الفحص وتطبيق الروائز وتصحيح وتفسير النتائج. وهناك التزامات خاصة بأخصائي القياس النفسي التي ينبغي مراعاتها والالتزام بها.

إذاً من هو الأخصائي النفسي، ما هو دوره، ومجالاته؟

1- من هو الأخصائي النفسي؟

إن أخصائي القياس النفسي Psychotechnicien، كما يؤكد «جارفيلد»، هو قبل كل شيء عالم نفس، يحتفظ بولائه لعلم النفس الذي يتلقى إعداده فيه ويلتزم بقيمة الأساسية ومنها القيم المرتبطة بالبحث العلمي، ولو أنه يتلقى التدريبات العملية في المواقف العيادية ([1]).

أن تدريب الأخصائي النفسي يجب أن يكتمل في مجالات تطبيق الاختبارات والتشخيص والتعاون في العلاج أو الإرشاد النفسي. فهو يهتم بالقياس النفسي، العقلي وتشخيص الحالة أو الاضطراب، والإرشاد النفسي. فقد باشر الأخصائي النفسي بتطبيق الاختبارات، وإجراء الكشوف النفسية لتساعده على دقة التشخيص، والتنبؤ، والاستشارة العلاجية.

أي أنه يقوم بتطبيق الاختبارات وتفسير نتائجها أو تأويلها لكي يشخص قدرات الفرد العقلية أو اضطراباته الانفعالية، ومن ثم يضع مقترحات علاجية. وهو يتعاون مع فريق العمل العيادي، لتطوير البرامج العلاجية التي تعتمد على تأويل وتحليل البيانات والمعطيات العيادية.

إن الأخصائي النفسي هو الذي يستخدم الأسس والتقنيات والطرق والاجراءات (الاختبار النفسي) والذي يتعاون مع غيره من الأخصائيين في الفريق العيادي، مثل الطبيب، والأخصائي الاجتماعي.. كل في حدود عمله، وفي إطار من التفاعل الإيجابي، بقصد فهم ديناميات شخصية المفحوص، وتشخيص مشكلاته، والتنبؤ من احتمالات تطور حالته، ومدی استجابته لمختلف أساليب العلاج؛ ثم العمل للوصول بالمفحوص الى توافق اجتماعي - ذاتي. أي أن الأخصائي هو الذي يجمع بين دوره بوصفه عالماً ودوره بوصفه ممارساً عيادياً ([2]).

2 - إعداد الأخصائي النفسي

ان الممارسة العيادية، مهما كان نوعها، لها خصائصها المميزة. أنها ليست مجرد تعامل مع مراد ليتم اختبارها واستخلاص نتائجها، وإعطاء أرقام معينة، بل هي مهنة إنسانية، قبل كل شيء، تتعاطى مع إنسان في بعديه الذاتي والموضوعي، له تاريخه الشخصي الذي يتشابك فيه ماضيه وحاضره مع تطلعاته المستقبلية. وعلى ذلك، فالأخصائي النفسي يتعامل مع هذا الإنسان (المفحوص) ضمن هذا الإطار.

ويترتب على إعداد الأخصائي النفسي، أعدادا مكثفة في الجانبين النظري والعملي، مسؤوليات كبيرة، حتى يستطيع أن يمارس عمله بشكل متقن، وهذا يعني أن يكون له إطار مرجعي علمي يستند إليه، وممارسة عيادية تدعم هذه المعرفة وتطورها. ففي فترة الإعداد والتدريب يجمع الأخصائي بين الإعداد الأكاديمي والتدريب العملي في برنامج متدرج.

ويتضمن مناهج الإعداد دراسة علم النفس العام، ودراسة الشخصية، ودينامية السلوك، وطرق تطبيق الاختبارات وتأويلها، وكذلك الطرق التشخيصية، بالإضافة إلى أساليب التوجيه والإرشاد النفسي. باختصار، ينبغي على الأخصائي النفسي أن يتقن المعرفة النظرية والعملية في میادین علم النفس الدينامي، وعلم النفس المرضي وعلم النفس التربوي (علم نفس النمو) (3).

3- مجالات الأخصائي النفسي

يحدّد "شاکو" Schakow مجالات واهتمامات الأخصائي النفسي كالتالي:

1- قد ينتظم اهتمام السيكولوجي حول استخدام الاختبارات النفسية والشخصية وذلك للكشف عن بناء الشخصية ودوافعها، وميولها واهتماماتها، وصراعاتها... وكذلك للكشف عن قدرات الفرد العقلية وامكاناته واستعداداته الخاصة.

 2- قد ينتظم اهتمام السيكولوجي حول الاتجاه الدينامي في دراسية الشخصية وهو في دراسته للشخصية، عبر دراسة الحالة والاختبارات، يكشف عن قوى الصراع والإشكالات النفسية التي يعاني منها الفرد.

 3- يحاول السيكولوجي الوقوف على الخصائص والسمات والديناميات المختلفة التي تنتظم فيها شخصية الفرد.

ويعتقد شاكر أن كل هذه الاتجاهات هي من الأهمية بالدرجة التي تتطلب مراعاتها في تدريب الاخصائي النفسي العيادي ([4]).

ويتصدى الأخصائي النفسي لمشكلات التوافق وسوء التوافق النفسي والاجتماعي، مستخدمة أدوات القياس أو الاختبارات النفسية، بقصد الكشف عن المشكلات الانفعالية، والعقلية، وتشخيص أنواع الاضطرابات الانفعالية، والسلوكية، والتنبؤ بمدی تطورها.

ولا يقتصر العمل العيادي على مساعدة الأفراد داخل العيادة والمستشفيات فقط، وإنما يمتد عمله إلى داخل المؤسسات التربوية والاجتماعية، والمهنية، ومؤسسات التأهيل الاجتماعي (الإصلاحية). وهناك اتجاه جديد، هو أن تنتقل مجالات السيكولوجي من العيادات إلى المجتمع، والانخراط في كافة المؤسسات ومختلف ميادين الحياة (5).

4 - أدوات الأخصائي النفسي

من أبرز الأدوات المستخدمة في علم النفس للتعرف على قدرات الفرد وامكاناته هي:

1- الاختبارات النفسية، التي تعتبر من أهم الأدوات في الكشف عن سلوك الفرد أو أدائه في مواقف معينة: إذ تكشف عن قدرات الفرد الخاصة، والعوامل المؤثرة في سلوكه، بالإضافة الى كشف مشاعر الفرد وانفعالاته واتجاهاته... وقد اعتبرت الروائز كمواقف اختبارية تساعد على ملاحظة سلوك الفرد ومشاعره تجاه هذا الموقف، وكذلك طريقته في معالجة المسائل المطروحة عليه، وأسلوبه في التعاطي معها وموقفه تجاه الفاحص.

2- المقابلة Interview من الأدوات الضرورية لفهم الفرد عن قرب، وإدراك مشاعره واتجاهاته تجاه المواقف التي يواجهها، وتجاء العالم المحيط به. وغاية المقابلة هي الحصول على المؤشرات التي تساعد السيكولوجي في فهم المشكلة العامة للمفحوص، ولذلك ينبغي على السيكولوجي في البداية أن يبتعد عن الأسئلة الشخصية المباشرة حتى لا تستثير مقاومة المفحوص، ومواقفه السلبية؛ لذلك ينبغي البدء بالأسئلة العامة، عن حياته، وطفولته، وآرائه، قبل الدخول في الأمثلة الخاصية المحددة. هذا فضلاً عن محسن صياغة الأسئلة ووضوحها... أي أن يحاول السيكولوجي تفهم مشاكل المفحوص تفهماً تاماً ولا يكتفي بتفهم الوقائع أو المعطيات فقط([6]). وتتيح المقابلة، للمفحوص، بالتفريغ الانفعالي، عن أفكاره ومشاعره، ورغباته الواعية أو اللاواعية.

إن المقابلة عندما تستخدم بطريقة إيجابية فأنها تقدم للسيكولوجي معطيات هامة وعميقة الدلالة "انها تزودنا بتفاعل دينامي بين شخصين يكون فيه القائم بالمقابلة (السيكولوجي) مشاركا وملاحظة، كما أن لها فائدة عظمي في تمكين المفحوص أن ينطلق متعمقة في الاستيطان Introspection، على حين تسمح في نفس الوقت وبسبب طبيعتها الخاصة والوجه - للوجه، أن يلاحظ القائم بالملاحظة سلوك المفحوص وهو يتأمل نفسه". (7)

3- دراسة الحالة، وهي تتضمن جمع المعلومات عن حالة الفرد: تاريخ النمو، وضع الدراسة، الوضع الصحي، والاجتماعي، والأسري؛ أي أنها تتيح جمع بيانات شاملة عن تاريخ الفرد ووضعه، ومشكلاته ...

إن دراسة الحالة أداة قيمة تكشف للأخصائي وقائع حياة شخص معين منذ ميلاده حتی الوقت الحاضر. وهذه خطرة أساسية لجمع معلومات عن تاريخ الفرد ومشكلاته بأسلوب علمي منظم.

مما يساعد الأخصائي على وضع الفروض الأولية التي يحاول، فيما بعد، اختبار صحتها من خبراته التشخيصية السابقة ([8]).

5- الأخصائي النفسي وعملية التشخيص

1- التشخيص Diagnostic، في الطب النفسي وفي علم النفس، يتطلب عمليات أساسية تشتمل على: الملاحظة، الوصف، تحديد الأسباب، التصنيف والتحليل الدينامي بغية التوصل إلى افتراض دقيق عن طبيعة وأساس مشكلة الفرد (المريض)، وبغية التنبؤ ورسم، مباشرة خطة العلاج ومتابعتها وتقويمها.

بتعبير آخر، التشخيص هو تقويم خصائص شخصية الفرد: قدراته استعداداته، إنجازاته، سماته... التي تساعد في فهم مشكلاته؛ أي أن التشخيص يتطلب بعد جمع المعلومات المتاحة من وسائل ومصادر مختلفة، تحليلها وتنظيمها والتنسيق بينها بقصد التخطيط للعمل اللاحق.

(العلاج...) وتشمل مصادر المعلومات على المقابلات، والفحوص الطبية، والسجلات المدرسية أو المهنية، والاستقصاء الاجتماعي، والاختبارات، أي كل الأدوات والوسائل التشخيصية المستخدمة.

والاخصائي النفسي يستعين في كل هذه العمليات بالإطار المرجعي الذي يستند إليه في نظرية الشخصية، كما أن ممارسته لهذه العمليات يمكن أن تضيف إلى فهمه لطبيعة الشخصية وصراعاتها ومشكلاتها، فهي تكون أساسية من الإطار المرجعي العلمي.

ويمكن النظر الى التشخيص بوصفه عملية من مرحلتين، الأولى في الوصف المبني على كل البيانات التي جمعت عن المفحوص، والثانية في تفسير هذه النتائج بصورة تكشف عن نمط أو نسق له دلالة إكلينيكياً.

ويمكن القول أن دقة التشخيص تعطي للسيكولوجي الفهم الواضح لدلالة سلوك المفحوص بالصورة التي تمكنه من الاستجابة الملائمة لمشاعر المفحوص خلال تعامله معه، ومن التنبؤ عن سلوكه، ومن اختيار الطريقة العلاجية المناسبة.

هوامش مرجعية:

(1) لويس ملیکه - علم النفس الإكلينيكي - الجزء الأول - الهيئة المصرية العامة - القاهرة - ۱۹۷۷ – ص 11.

(2) نفس المرجع . ص . ۱۲.

(3) Sehra mi W. - Precia de Psychologie clinique • Trad. Wernet et achiegel - Ed. P,U,F. ((3 Paris 1973 - P 21 Voir aussi: Rachlin M. Traité de Psychologie appliquée - B, P.U.F, Paris 1973 (Methodes) P, 143 - 146.

(4) مصطفى فهمي - علم النفس الإكلينيكي - مكتبة مصر – القاهرة ۱۹۹۷. ص 41

(5) ارنست هرفمان - عمر علم النفس - ترجمة محمد ابراهیم زايد – الهيئة المصرية - القاهرة - ۱۹۷۲، ص۱۲۲

(6) عبد الرحمن عيسوي - علم النفس في الحياة المعاصرة - دار المعارف ۱۹۸۰ - ص ۲۰۸.

(7) لازاروس د. الشخصية - ترجمة سيد محمد غليم - دار الشروق بيروت. ۱۹۸۱ - ص ۲۳۹.

(8) محمود الزيادي – علم النفس الاكليينيكي – الأنجلو- القاهرة1969 – ص 13.