اختلف الباحثون في علم النفس حول العديد من القضايا الخاصة بموضوع الذكاء.. من هذه القضايا هل الذكاء موروث أم مكتسب؟ هل الذكاء عامل عام أم عوامل متعددة؟ كيف ينمو الذكاء عند الطفل؟ هل ينمو بصورة كمية أم بصورة كيفية؟ هل تتغير نسبة ذكاء الفرد عبر مراحل العمر المختلفة أم تأخذ هذه النسبة أشكالاً ثابتة.؟

 1- لمحة تاريخية:

من الناحية التاريخية ارتبطت نشأة مقاييس الذكاء في علم النفس بازدهار حركة القياس العقلي التي بدأها التون، في أواخر القرن التاسع عشر. اهتم "جالتون" بقياس الذكاء الموروث عند الافراد حيث تأثرت بحوثه بنظرية "داروين" في النشوء والارتقاء كما تأثرت بقوانين و "ماندل" في الوراثة التي ظهرت في ذلك الوقت.

انعكس اهتمام جالتون بدراسة الاستعدادات الوراثية والأولية لمفهوم الذكاء في تقديمه مجموعة من المقاييس والاختبارات العقلية التي تعتمد على مقياس زمن الرجع وهو المفهوم الذي رأی جالتون أنه يكشف عن الجوانب البيولوجية والفسيولوجية لمفهوم الذكاء.

ومع مطلع القرن العشرين بدأ میدان علم النفس يزخر بالعديد من ومقاییس الذكاء التي اهتمت. على العكس من اختبارات التون - بقياسي ما يسمى بالذكاء المكتسبة والذي يعكس عادة ما يكتسبه الفرد من خبرات ومعارف ومعلومات. ومن أشهر المقاييس التي ذاع صيتها في تلك الفترة ستانفورد - بينيه ومقياس ووکسلر لذكاء الراشدين.

إن المتتبع لنشأة مقاييس الذكاء في علم النفس يستطيع أن يعرف النجاح الذي حققته حركة القياس العقلي في علم النفس وذلك بتقديمها ولأول مرة مجموعة من المقاييس

والاختبارات الموضوعية المقننة التي تتسم بالثبات والمدن التي أمكن الاعتماد عليها في قياس القدرات العقلية المختلفة عند الأفراد وعلى رأسها مقياس الذكاء. وهناك العديد من الفوائد التي نتجت عن استخدام الباحثين لاختبارات الذكاء منها مثلا: استخدام اختبارات الذكاء المفهوم نسبة الذكاء وهو مفهوم لم يكن موجودة من قبل، بحيث أمكن الاعتماد عليها في تصنيف الأفراد إلى فئات حسب نسب ذكائهم، ومن ثم التنبؤ بمدى كفاءتهم في الأعمال والمهام التي يناط اليهم بها، كذلك اثبتت اختبارات الذكاء نجاحا عالية في قدرتها على التنبؤ بالتحصيل الدراسي، بحيث أمكن الاعتماد عليها في إلحاق الأطفال بنوع التعليم الذي يتناسب مع قدراتهم، ولم يقتصر استخدام اختبارات الذكاء في مجال التعليم الدراسي فحسب بل امتد ليشمل مجالات أخرى مثل مجالات التقييم الإكلينيكي والاختيار المهني، حيث ساعد استخدام مقاييس الذكاء في تقييم العديد من البرامج العلاجية وبرامج التدريب المهني وذلك من خلال مقارنة أداء الأفراد على هذه الاختبارات قبل وبعد العلاج أو التدريب.

وعلى الرغم من النجاح والشهرة التي حققتها اختبارات الذكاء في العديد من الميادين غير أن حركة القياس العقلي وما صاحبها من ظهور اختبارات القياس الذكاء ساهمت إلى حد كبير في إهمال الباحثين لدراسة طبيعة هذا المفهوم من الناحية النظرية وحتى الآونة الأخيرة قام عدد من الباحثين بإعادة النظر فيما تقيسه اختبارات الذكاء الحالية حيث تتسم بكثير من جوانب القصور والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

  1.  افتقار معظم اختبارات الذكاء إلى إطار نظري تقف عليه. يظهر ذلك في أن نشأة اختبارات الذكاء في علم النفس جاءت تلبية لحاجة عملية خاصة بمتطلبات المجتمع: أن ظهور اختبار "ستانفورد – بينيه" جاء استجابة لطلب الحكومة الفرنسية توفير أداة موضوعية للكشف عن الأطفال المتأثرين عقلية، كما قدم" وكسلر الذكاء الراشدين"، أثناء عمله في مستشفى دبلفیوه حيث شعر بضرورة الحاجة إلى أداة موضوعية لتقييم المرضى من الناحية الإكلينيكية كذلك أثارت ظروف الحرب العالمية الأولى والثانية كثيرة من المشكلات الخاصة باختبار وتصنيف آلاف المجندين في الجيش مما ساعد على ظهور اختبارات الذكاء الجماعي والتي كان لها أثر فعال في مواجهة هذه المشكلات.
  2. ترتب على نجاح وانتشار اختبارات الذكاء إهمال الباحثين تعريف هذا المفهوم من خلال إطار نظري معين. بل ذهب البعض إلى القول بأن تعريف الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء، وذلك ليؤكدوا الوضع الراهن لتعريف هذا المفهوم ومدى الحاجة في المستقبل لنظريات جديدة تكشف عن الجوانب المختلفة لمعنى الذكاء.

 

  1. أن معظم اختبارات الذكاء التي ظهرت في تلك الفترة كانت تندرج تحت المنحنى القياسي في علم النفس. في هذا المنحى يكون اهتمام الباحثين موجه إلى تقويم وتعديل واكتشاف طرق سيكومترية جديدة لقياس الذكاء. ويظهر ذلك اكتشاف طرق جديدة الحساب نسبة الذكاء واكتشاف طرق جديدة لحساب معاملات الارتباط وطرق التحليل العاملي.. في مقابل ذلك لم يكن هناك اهتمام بتعميق مفهوم الذكاء من الناحية النظرية.
  2.  أن تحليل أسئلة وبنود اختبارات الذكاء الحالية على اختلاف انواعها يكشف عن وجود تشابه كبير في مضمون هذه الأسئلة. فعلى الرغم من حدوث تقدم كبير في نظريات القياس العقلي وظهور نماذج نظرية جديدة مثل نظرية السمات الكامنة غير ان التقدم في نظريات القياس العقلي لم يصاحبه تقدم يذكر في مضمون المقاييس والاختبارات النفسية وذلك لافتقارها لنظرية سيكولوجية خاصة في تعريف الذكاء
  3. اعتماد معظم اختبارات الذكاء على التحصيل الدراسي باعتباره المحك الرئيسي الذي تعتمد عليه هذه الاختبارات في التحقق من الصدق الخارجي لها. من ثم اتجهت اسئلة اختبارات الذكاء لقياس المهارات الأساسية المطلوبة للنجاح في المدرسة واستبعدت أي مهارات اخري يتضمنها تعريف الذكاء بمعناه العام مثل المهارات المطلوبة للنجاح في الحياة العملية والتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيها
  4. عدم ملائمة اختبارات الذكاء الحالية لتطبيقها على أفراد ينتمون إلى أطر حضارية مختلفة. فقد كشفت العديد من البحوث عبر الحضارية تحيز اختبارات الذكاء المصممة داخل الحضارة الغربية ضد الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة.

 

  1. على الرغم من محاولات بعض الباحثين معالجة مشكلة تحير الاختبارات حضارية بتقديم اختبارات ذكاء متحررة من أثر الثقافة أو الحضارة التي نشأت فيها مثل مقياس المصفوفات المتدرجة أو مقياس وكاتل، غير المتحيز حضارية، غير أن اعتماد هذه الاختبارات على الصور والاشكال نحسب لم يحررها من مفهوم التحيز نحو قياس جانب واحد من جوانب الذكاء وهو الذكاء العلمي ومن ثم أغفلت هذه المقاييس جزءا رئيسية من تعريف الذكاء وهو القدرة على التواصل اللفظي مع الآخرين. .
  2.  أدى نجاح وانتشار اختبارات الذكاء إلى الاعتماد عليها في كثير من الميادين العملية مثل التعليم، المناعة، القضاء، مما يترتب عليه سوء استخدام نتائج هذه الاختبارات في اتخاذ بعض القرارات المصيرية بالنسبة لبعض الأفراد مثل الحكم خطأ على بعض الأطفال بأنهم متأخرين عقلية وتحويلهم إلى مدارس تربية فكرية أو استبعاد بعض المتقدمين من ذوي الاستعدادات والكفاءات المناسبة لمهنة معينة وذلك نظرا لعدم حصولهم على الدرجات المطلوبة على الاختبارات والتي تسمح بقبولهم الالتحاق بهذا العمل.

كانت لهذه الانتقادات أثر بالغ في تحويل اهتمام بعض الباحثين في علم النفس نحو صياغة نظريات جديدة تهدف إلى دراسة مفهوم الذكاء وتحديد المكونات الرئيسية لهذا المفهوم داخل إطار نظري متكامل، وقد يرى البعض أن ميدان الذكاء لم يخلو من وجود العديد من نظريات الذكاء التي ظهرت طوال النصف الأول من القرن العشرين مثل نظريات العاملين عند  اسپیرمان،(1923 ,Spearman)ونظرية العوامل المتعددةعند "ثرشتون"(Thurston) ونظرية العوامل الطائفية عند "فيرنون" (1971 ,Vernon) غير أن هذه النظريات جميعا لم تساعد على تعميق مفهوم الذكاء ويرجع ذلك لانتقاد معظم هذه النظريات إلى ما يسمى بصدق المفهوم حيث اعتمدت هذه النظريات جميعا على منهج التحليل العاملي الذي ابتكره اسبيرمان، في مطلع القرن العشرين والذي يتلخص ببساطة في أنه يعني برصف وتلخيص معاملات الارتباط بين درجات الأفراد على الاختبارات التي يفترض أنها تقيس الذكاء، ثم يأتي تعريف الذكاء بعد الانتهاء من التحليلات الاحصائية المناسبة وبعد تدوير المحاور الناتجة من التحليلات العاملية ثم اعطاء هذه المحاور التفسير السيكولوجي المناسب. كذلك اهتمت معظم هذه النظريات بدراسة البناء أو الشكل الذي ينتظم فيه بناء العقل وذلك من خلال الكشف عن العوامل التي تمثلها مفهوم الذكاء وكيفية انتظام هذه العوامل داخل أشكال مختلفة قد تكون على هيئة هرم (1979 ,Eysenck) أو على هيئة مكعب (1967 ,Guilford) من ثم انصرف اهتمام هذه النظريات نحو دراسة جانب واحد من الذكاء وهو البناء Structure الذي ينتظم فيه الذكاء وذلك على حسابه جوانب أخرى يتضمنها هذا المفهوم مثل مفهوم العمليات والاستراتيجيات.. الخ

  •  ومع بداية السبعينات من هذا القرن بدأ يتبلور فرع جديد من فروع علم النفس يعرف بعلم النفس المعرفي الذي يهتم بدراسة العمليات العقلية وعلى رأسها الذكاء. غير أن المنحنى الذي ينتهجه الباحثون المعرفيون في دراسة الذكاء يختلف عن المنهج الذي يتبناه علماء القياس من قبل. يتلخص المنحى المعرفي في الاهتمام بوصف العمليات العقلية الداخلية التي تحدث داخل الذهن وذلك قبل صدور الاستجابة وقد كان لظهور نظرية معالجة المعلومات التي قدمها "كلاود" وشانون» في منتصف القرن العشرين أثر بالغ في امداد الباحثين بالعديد من التقنيات التي يمكن بها قياس مثل هذه العمليات. كذلك ساعدت نظرية معالجة المعلومات الباحثون في علم النفس المعرفي على تقديم العديد من النماذج النظرية التي يحاولون بها تفسير الذكاء. من هذه النماذج مثلا نموذج اختبارات الحاسب الآلي عند دترمان، Detterman) (1982 ونموذج المكونات المعرفية عند كارول (1981 ,Carroll) ونموذج العمليات التنفيذية والعمليات غير التنفيذية عند براون (1978 ,Brown) . تشترك هذه النماذج النظرية جميعة في انها أشبه ما تكون بالنماذج الرياضية التي تهدف إلى الوصول لمجموعة من العمليات الرياضية والتي تعتبر مؤشرة للعمليات العقلية الأولية التي يستخدمها الفرد عند أداء عمل عقلي معين. تأثرت هذه النماذج بنوع جديد من البحوث يعرف باسم بحوث الذكاء الصناعي والتي تهدف إلى دراسة ذكاء الآلة. أحد الأسئلة الهامة التي تثيرها هذه البحوث هو كيف يعمل العقل البشري؟ فمثلا إذا كنا بصدد تصميم آلة مثل الحاسب الآلي والتي تقوم بنفس الاعمال الذهنية التي يقوم بها عقل الإنسان نما هي العمليات المشتركة بين عقل الإنسان وعقل الحاسب الآلي. بالطبع يختلف هذا المنحى في دراسة الذكاء من خلال تفسير الفروق بين الأفراد في ادائهم للاختبارات العقلية. وعلى الرغم من وصول هذه النماذج الرياضية لمجموعة من العمليات المعرفية الأولية التي يتضمنها الذكاء مثل کمون الاستجابة، احتمال صدور الاستجابة، تحويل المعلومات.. الخ. غير أن هذه النماذج لم ترق بعد إلى مستوى النظرية وذلك لانغماسها واستغراقها في تحليل الذكاء إلى وحدات بسيطة مع محاولة الوصول إلى أفضل الطرق الرياضية لقياس وحساب هذه الوحدات، ومن ثم أغفلت هذه النماذج الرياضية جوانب من العمليات المعرفية الأولية التي يتضمنها الذكاء مثل کمون الاستجابة، احتمال صدور الاستجابة، تحويل المعلومات.. الخ. غير أن هذه النماذج لم ترق بعد إلى مستوى النظرية وذلك لانغماسها واستغراقها في تحليل الذكاء إلى وحدات بسيطة مع محاولة الوصول إلى أفضل الطرق الرياضية لقياس وحساب هذه الوحدات، ومن ثم أغفلت هذه النماذج الرياضية جوانب هامة يشتمل عليها مفهوم الذكاء الإنساني مثل علاقة الذكاء بالوظائف البيولوجية والفسيولوجية للمخ أو علاقة الذكاء بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي يوجد فيه الفرد.

أدرك الباحثون في علم النفس هذه الخفيفة واتجهت محاولتهم في دراسة الذكاء من مختلف جوانبه. من أمثلة هذه النظرية الثلاثية في الذكاء - التي قدمها سترنبرغ ,Sternberg) (1982 ونظرية "لوريا – داس" في تقييم القدرات المعرفية Luria- Das والتي بلورها وداسه (1992 ,Das اسفرت كل من نظرية "سترنبرغ" ونظرية لوريا - داس، من مجموعة من الاختبارات الحديثة لقياس الذكاء.

۲ - النظرية الثلاثية في الذكاء (سترنبرغ Sternberg :

يعرف سترنبرغ الذكاء من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي الذكاء وعلاقته بالمكونات العقلية للفرد وعلاقته بالخبرات الخاصة بالفرد وعلاقته بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه الفرد. وفيما يلي وصف لكل محور من هذه المحاور.

- الذكاء وعلاقته بالمكونات العقلية للفرد:.

يحاول سترنبرغ في دراسته لهذا الجانب من الذكاء أن يحدد مجموعة من العلميات المقلية الأولية التي تكمن وراء مفهوم الذكاء. هذه العمليات هي:

  • عمليات ما وراء الأداء أو ما وراء المكونات.

    ب - عمليات الأداء الفعلي.

    ج - عمليات اكتساب المعرفة.

  •  تقف عمليات ما وراء الأداء في المستوى الأعلى من مستويات الذكاء عند سترنبرغ حيث تتضمن عمليات عقلية عليا مثل إدراك الفرد لطبيعة المشكلة. اختيار الاستراتيجية المناسبة الحل المشكلة، مراقيه الذات اثناء الأداء، كيفية توزيع الوقت المناسب حسب نوع العمل الذي يقوم به الفرد. وفي ذلك يرى سترنبرغ أن هناك اعتقادا سائدة بأن الأشخاص الأكثر ذكاء غالبا ما يكونون أكثر سرعة في أداء الأعمال التي يقومون بها وهذا اعتقاد

خاطئ. ذلك أن السرعة المطلقة في أداء عمل ما ليست مقياساً جيدا للذكاء وانا كيفية توزيع الوقت المتاح تبعا لسعرية العمل نفسه هو مقياس أكثر دقة وصفة لقياس الذكاء

  • النوع الثاني من العمليات العقلية التي يتضمنها مفهوم الذكاء هي عمليات الأداء وهي تقع في المستوى التالي المستوى ما وراء الأداء، تختلف عمليات الأداء عن عمليات ما وراء الأداء في أنها كثيرة ومتنوعة وتختلف باختلاف القدرة المقاسة، فمثلا القدرة على الاستدلال القياسي Inductive والتي تقام عادة باستخدام اختبار المصفوفات المتدرجة. يتضمن الأداء على هذا الاختبار بعض العمليات الخاصة مثل التسجيل، الاستدلال، المقارنة، التطبيق.. الخ. هذه العمليات تختلف عن عمليات اخرى تتضمنها قياسات عقلية أخرى مثل قياسات زمن الرجع الاختياري.
  •  النوع الثالث من العمليات العقلية التي يقترحها سترنبرغ عن الذكاء هي عمليات اكتساب المعرفة، ويختلف سترنبرغ عن بعض النظريات المعرفية الحديثة الخاصة بتحوير أهمية المعلومات المكتسبة لدى الفرد ودورها في تحديد الذكاء، فبينما يرى أصحاب هذه النظريات أن احد محددات الذكاء هو كم ونوع المعلومات السابقة التي اكتسبها الفرد من قبل، فإن سترنبرغ يؤكد جانبا آخر هو كيف يكتسب الفرد معارفه ومعلوماته وكيف يوظفها عند تعلم مواقف جديدة.

باختصار يمكن القول بأن المكونات العقلية الأولية هي جزء هام في تعريف الذكاء كذلك فإن المكونات على اختلاف مستوياتها تعمل بطريقة متكاملة حيث تستثير مكونات ما بعد الأداء مكونات الأداء الفعلي ومكونات المعرفة السابقة لكي تعمل معا على حل مشكلة أو الموقف الذي يواجهه الفرد

ومع ذلك فإن هذه المكونات العقلية لا تكفي وحدها التفسير تعريف الذكاء باعتباره مفهومة عامة ومتكاملا من ثم يرى سترنبرغ أن مفهوم الذكاء يمتد ليشمل الخبرات الخاصة التي تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع الأشخاص والأشياء المحيطة به. من هنا نأتي إلى المحور الثاني في نظرية سترنبرغ وهو الذكاء وعلاقته بخبرات الفرد.

 ۲ - الذكاء والحبر الشخصية:

يمثل هذا المحور دور خبرات الفرد وعلاقته بمستوى ذكائه. پری ستيرنبرغ أن خبرات الفرد يمكن تصورها على هيئة امتداد يقع على أحد طرفيه المواقف والأحداث والخبرات التي ألقها الشخص واعتاد عليها ويقع على الطرف الآخر المواقف والخبرات والاحداث الجديدة في حياة الفرد. من ثم فإن الاعتماد على مفهوم الجدة المطلقة في تعريف الذكاء يكون مغالياً فيه. ذلك أننا لا نستطيع أن نقدم مسألة في الهندسة التحليلية لطفل يبلغ من العمر 6 سنوات الاختبار ذكاءه بحجة أن هذا النوع من المسائل لم يألفها الطفل من قبل، وعلى العكس من ذلك يرى ستيرنبرغ أن مفهوم الجدة يجب أن يكون مفهومأ نسبية تبعا لخبرات الفرد السابقة ذلك أن الفرد حينما يتفاعل مع الأشياء والوقائع والأحداث من حوله فإنه يترتب على ذلك أنه بألف بعضا من هذه المواقف بحيث لا يستطيع أن يؤديها ويتفاعل معها بصورة آلية. إن هذا الأداء الآلي Automatisation من جانب الفرد لبعض الأعمال المألوفة يساعده في أن يحتفظ بجزء من طاقته وانتباهه للخبرات الجديدة نسبية عليه، من ثم يرى ستيرنبرغ أنه كلما استطاع الفرد أن يؤدي بعض الاعمال بصورة آلية كلما زادت قدرته على التفاعل والتكيف مع خبراته الجديدة وهي قدرة يتميز بها الأذكياء عن غير الاذكياء.

بالطبع لا يقف هذا المحور منعزلا عن المحور الأول في تعريف الذكاء بل على العكس يرى ستيرنبرغ أن هناك تفاعلا متبادلا بين كلا المحورين، ويظهر ذلك في كيفية انتقال الفرد بصورة آلية من مستوى عمليات ما بعد الأداء وعمليات اكتساب المعرفة حيث يستخدم الفرد كل المكونات العقلية في كثير من المواقف والأعمال التي تتفاوت من حيث ألفته أو عدم ألفته

٣ - الذكاء وعلاقته بالسياق الاجتماعي والثقافي للفرد:

يری سترنبرغ أن تعريف الذكاء لا ينبغي أن يتوقف عند فهم وتحديد العمليات العقلية التي يستخدمها الفرد في تفاعله مع الأحداث والمواقف والخبرات المختلفة بل لا بد وأن يتعدى ذلك إلى فهم السياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد والذي يختلف تبعا لاختلاف النمط الثقافي والحضاري الذي ينتمي له.

بناءاً على ذلك فإن ذكاء الفرد غالبا ما يكون موجهة نحو تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي التكيف مع البيعة - Adaptation تشكيل البيئة واختيار البيئة المناسبة.

  1.  فالشخص الذكي غالبا ما يوجه جميع إمكاناته وطاقاته وخبراته في سبيل تحقيق التوافق مع البيئة التي يعيش فيها. فعلى الرغم من تشابه العمليات والمكونات العقلية التي يستخدمها الأفراد في تفاعلهم مع المواقف المختلفة غير أن السياق الاجتماعي الذي يعمل من خلاله الفرد لا بد أن يختلف باختلاف الإطار الثقافي والحضاري الذي ينتمي إليه. وتعني هذه الحقيقة أن جوهر ومضمون عمليات التفكير تكون عامة عند جميع الأفراد في مختلف الثقافات، غير أن الشكل أو المظهر الذي تتبدى فيه هذه العمليات يختلف من ثقافة لأخرى. پری سترنبرغ أن هذه الحقيقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم أي قياس للذكاء ويستدل على ذلك بأن توزيع الوقت حسب صعوبة ونوع العمل الذي يقوم به الفرد هي أحدى مكونات عمليات ما وراء الأداء والتي تختلف أهميتها من ثقافة الاخرى في الثقافة الغربية مثلا يعتبر هذا المكون أحد المهارات الرئيسية التي تنمي لدى الفرد منذ الصغر حيث يتعلم كيفية توزيع وقته حسب جدول زمني معين وتعتبر هذه المهارة أحد المحددات الاساسية التي تساعد الفرد في هذه المجتمعات على التوافق والتكيف مع البيئة).

وعلى العكس في بعض المجتمعات الأخرى، فإن عامل الزمن أو الوقت لا يمثل أهمية کبرى عند كثير من الأفراد وذلك كما ينعكس في كثير من الأنماط السلوكية السائدة في هذه المجتمعات مثل عدم احترام المواعيد، عدم استخدام مفكرة لتنظيم الوقت، أداء العمل باسترخاء.. الخ.

  1.  الهدف الثاني الذي يسعى إليه الفرد - إذا فشل في تحقيق التوافق مع بيئته. همي محاولة تشكيل البيئة التي يعيش فيها بما يتفق مع ميوله واستعداداته واتجاهاته. يرى سترنبرغ أن تغيير الفرد للواقع الذي يعيش فيه بما يتفق واحتياجاته ومطالبه يمثل ركناً هاماً من أركان الذكاء حيث يكمن وراء تحقيق هذا الهدف العديد من الانجازات التي حققها العديد من العلماء والفنانون الذين رفضوا وامهم وحاولوا بما لديهم من مهارات وإمكانات أن يعيروا هذا الواقع بتقديم العديد من الانجازات العلمية والتكنولوجية والفنية.
  2. البديل الثالث الذي يتجه إليه الإنسان - الأكثر ذكاء - إذا فشل في تحقيق التوافق مع بيئته أو فشل في اعادة تشكيل هذه البيئة هو اختيار بيئة جديدة تتفق مع اتجاهاته ومطالبة فمثلا إذا فشل أحد الزوجين في أن يغير من طباع الآخر بما يتفق مع ميوله واتجاهاته فغالبا ما يلجأ إلى الزواج مرة اخرى. كذلك الحال حينما يحاول أحد الأفراد الالتحاق بعمل جديد إذا فشل في التوافق مع عمله السابق. ويتوقف رفض القرد لبيئته والانتقال إلى بيئة جديدة على كثير من المتغيرات الشخصية مثل اتجاهات الفرد، قيمه، عاداته، توقعاته، كما يعتمد جزء منها على قدراته المعرفية.

3-اختبار ذو القدرات الثلاث:

لم يكتف سترنبرغ بتقديم نظريته ذات المحاور الثلاثة في تعريف للذكاء بل شرع في تصميم اختبار جديد يعرف باسم واختبار سترنبرغ ذر القدرات الثلاثة يتكون هذا المقياس من ۱۲ اختباراً فرعياً. تهدف هذه الاختبارات إلى قياس جوانب الذكاء المختلفة وذلك كما حددتها نظرية سترنبرغ مثل قياس المكونات العقلية الأولية، القدرة على التوافق مع المواقف الجديدة، القدرة على الأداء الآلي، مهارات الحياة العملية.. الخ وتتنوع هذه الاختبارات بين اختبارات لفظية وأخرى غير لفظية كما يغطي هذا الاختبار الفترة العمرية المحددة من مرحلة الحضانة وحتى فترة الرشد.

من أهم الخصائص التي تميز هذا المقياس الجديد للذكاء هو عدم تشبعها المعلومات التي يكسبها الطفل من المدرسة وذلك بقدر اهتمامه بقياس المهارات والعمليات التي يتطلبها النجاح في الحياة العملية والأكاديمية معا. وفيما يلي نقدم الاختبارين التاليين من هذا المقياس الجديد التوضيح هذه الفكرة.

  1. اختبار المكونات العقلية اللفظية:

يهدف هذا الاختبار إلى قياس القدرة على الفهم اللفظي. فبينما تنتجه مقاييس الذكاء التقليدية إلى استخدام اختبار المفردات القياس هذه المهارة (الفهم اللفظي) يرى سترنبرغ أن كفاءة الفرد على اختيار المفردات يعكس إلى حد كبير محصوله اللغوي الذي تعلمه أثناء الدراسة. وعلى العكس من ذلك يقدم سترنبرغ طريقة جديدة في قياس الفهم اللفظي تعتمد على قدرة الفرد على استنتاج معنى كلمة جديدة لم يسمعها من قبل من خلال السياق الذي ترد فيه هذه الكلمة. إن قدرة الفرد على اكتساب معلومات جديدة من خلال السياق الذي توجد فيه تمثل جانبا هاما في تعريف سترنبرغ للذكاء.

وفيما يلي أحد الأسئلة التي تضمنها اختبار المكونات العقلية اللفظية عند سترنبرغ:

إن فترة الكساد لم تأت فجأة مع انهيار سوق البورصة المائية عام ۱۹۲۹. فعلى الرغم من ان الشيف التي سبقت هذه الفترة كانت تبدو عليها مظاهر الاكتفاء النسبي، مع هذا فقد شهدت فترة العشرينات العديد من العاطلين الذين لا عمل لهم كما أعلنت الكثير من الشركات الصغيرة إفلاسها:

في الفقرة السابقة تعني كلمة الشيف: 

  1. الحالة الاقتصادية
  2. السنوات
  3. الفترة التاريخية
  4. نمط الحياة

في السؤال السابق يطلبه من المفحوص قراءة الفترة السابقة ثم استنتاج معنى كلمة والشين، من خلال السياق الذي وردت فيه وذلك باختيار إجابة واحدة ضمن أربع إجابات مقدمة له، ويناسب هذا الاختبار الأفراد من عمر 16-18 سنة.

  1.  اختبار التكيف مع المواقف الجديدة:

في هذا الاختبار يطلب من المفحوص أن يفترض حدوث موقف ما أو حدث ما غریب لم يألفه من قبل ثم يطلب منه أن يستنتج أفضل النتائج المترتبة على وترع هذا الحدث كما يبدو في المثال الآتي:

لو فرضنا جدلا أن الكلاب يمكن أن تبيض فما هي أكثر النتائج التي يحتمل وقوعها:

  • أن الكلاب يمكن أن تطير
  • أن صغار الكلاب يكسو جلدها الريش
  •  أن تخرج الكلاب الصغيرة من البيض
  • أن ينبح الدجاج

يناسب هذا الاختبار الأطفال الذين تقع أعمارهم بين ۱۲ - ۱۳ سنة.