وظائف المخ

 

هناك أربع وظائف للمخ تعتبر أساسية في فهم النساء (وغيرهن من البشر):

  1.  المعالج الثديي: تطور على مر ملايين السنين. تقع هذه الوظيفة في مؤخرة الجمجمة. ويمكن لهذا المعالج أن يسجل ذكريات ترجع للمرحلة التي كان فيها الشخص جنين في بطن أمه، ولكنها لا تكون واضحة. ولا يمكنه تکوین جملة كاملة، وهذا الجزء عندك الآن يحرك عيناه عبر الصفحة حتى يمكنك قراءتها، ولكن ليس لديه أدنى فكرة عما أقول. فهو يسجل ذكريات تجريبية، وكذلك يسجل الصدمات التي يتعرض لها الإنسان. وللجزء الثديي مزاج جيني خاص موروث، وهذا المزاج الموروث هو الذي يتحكم في سلوك الإنسان وصفاته عندما يكبر، فيصبح خجولا ومنطوية أو عدوانية أو لطيفة طيبة، وغير ذلك.

 

  1.  المعالج المنطقي: يصل لحجم الجوزة، وقد تطور (ربما) من ملايين السنين ويحتوي على الذكريات الإدراكية للإنسان. وهو لا يتطور تماما إلا عندما يبلغ الإنسان عمر الخامسة تقريبا. عندما يبدأ الإنسان استخدام الضمير "أنا"، يعتبر ذلك علامة جيدة على أن المعالج المنطقي قد تطور. لبعض الناس ذكريات إدراكية من عمر الثالثة، والبعض الآخر لا يستطيع ذلك إلا في عمر الثامنة. أنت تقرأ هذه الجملة الآن بواسطة المعالج المنطقي لديك.

 

  1.  المعالج الجسدي: لا يهم في مناقشتنا، فدوره هو التأكد من أن القلب ينبض بانتظام، وأن الهرمونات منتظمة، وقد أشرت إليه فقط لئلا يخلطه أحد بالمعالج الثديي.

 

  1. معالج مقدم الفص الجبهي في المخ: يتطور بالشكل الكافي للاستفادة منه في عمر الثانية عشر تقريبا، وهذا الجزء يخلق لدينا ما يطلق عليه "الوعي الموقفي" أو إدراك الموقف الذي نواجهه. وهو يتيح لنا رؤية الصورة الكبرى للأشياء، فهو موقع القيادة في المخ. يمكنك تجربة قدرات مقدم الفص الجبهي عن طريق تمرین ذهني بسيط، هل أنت مستعد؟ حسنا، أنت تدرك أنك الآن تقرأ هذه الصفحة أليس كذلك؟ وأنت تدرك أنك مدرك لذلك، أتشعر بذلك؟ هذه هي قدرات مقدم الفص الجبهي، فهو يرى المعالج الثديي والمعالج المنطقي، والحقيقة هي أنه ينسق بينهما. بعض الناس يستخدمون مقدم الفص الجبهي مبكرة (عند عمر الخامسة)، والبعض الآخر ينتظر حتى عمر الثانية عشرة أو أكبر من ذلك بكثير، فقد أثبت العلم أن مقدم الفص الجبهي يظل يتطور حتى آخر الثلاثينات.

 

لماذا تعتبر هذه المعلومات مهمة في التعامل مع النساء سيئات الطبع؟ لأن ٪۳۸ من الناس يعانون من مشكلات في مقدم الفص الجبهي. وبعض الناس لا يستخدمونه على الإطلاق، وهؤلاء الناس يصيبون من يتعامل معهم بالإحباط، ويبدو أنهم لا يرون الصورة الكبرى للأشياء، وتنقصهم القدرة على رؤية تبعات أعمالهم، وهم يعيشون في تلك اللحظة التي نسميها "الآن"، ويتعاملون فقط مع ما هو أمامهم.

 

ومعظم الأطفال تحت سن الثانية عشرة لا يتحلون بالوعي الوقفي، ونتيجة لعدم وعيهم بالأشياء المحيطة بهم، يقومون بتصرفات غير ملائمة، مثل الغناء بصوت مرتفع في جنازة مثلا، أو التحدث مع الآخرين في المدرسة أثناء الشرح، أو اللعب بصخب أثناء تحدث أحد الوالدين في التليفون.

 

وينمو ۳۸% من هؤلاء الأطفال وهم لا يزالون لا يستخدمون مقدم الفص الجبهي، أو يستخدمونه بشكل بسيط شيء مثير للاهتمام، أليس كذلك؟ ومعظم الناس لديهم فعلا مقدم الفص الجبهي، ولكنهم يحتاجون لمن يوجههم نحوه لأنهم لم يبدؤوا العملية الذهنية التي توصلهم لاستخدامه.

 

على سبيل المثال، عندما كنت أعمل في الماضي في إحدى الشركات، كانت رئيستي في العمل من النمط الذي أطلقنا عليه اسم "سمكة القاع". أذكر في اليوم السابق لأحد الأعياد في سنة من السنين، حيث كنا نعمل في موقع به ستون شخصا بما فيهم أربعة مديرين. عند الظهر تقريبا، أخبر المديرون الثلاثة الآخرون موظفيهم أن يذهبوا لمنازلهم. كانت مديرتنا تعمل في مكتبها، وتوقعنا أن تخرج في أي لحظة وتخبرنا أن نذهب لمنازلنا. مرت الساعة الواحدة، ثم الواحدة والنصف، وخلا المكان إلا منا، وأخيرا خرجت إلينا، لتقول شيئا، وألمح لها أحد الموظفين قائلا: "ما خططك بالنسبة لعطلة هذا العيد؟".

 

أعطتنا وصفاً تفصيلياً ثم عادت لمكتبها. همهم الجميع قائلين عبارات وأشياء سيئة عنها، واتهموها بأنها تحاول استنزافهم حتى آخر دقيقة ممكنة، وقال آخرون إنها تتعمد أن تجعلنا نرى أنها هي المديرة وأنها هي صاحبة الكلمة بيننا، وغير ذلك من مئات الاستنتاجات. وأخيراً توجه شخص لمكتبها وقال ببساطة: "لقد ذهب الجميع لمنازلهم استعدادا للعيد، فهل يمكن أن ننصرف مبكرة إلى حد ما؟"

 

نظرت إليه وقالت على الفور: "نعم! بالتأكيد! ".

 

ثم خرجت إلينا وأخبرتنا أن بإمكاننا الانصراف وألقيت علينا تحية ودودة بقولها: "أتمنى لكم عيداً سعيداً".

 

إنها إذن لم تكن سيئة الطبع، ولم يكن لها دوافع خفية كيف يتعامل الأشخاص الذين لا يستخدمون مقدم الفص الجبهي؟ إنهم يتبعون القواعد. إن بديل مقدم الفص الجبهي هو اتباع القواعد التي تربوا عليها أو القواعد الموجودة في شركتهم أو في المجتمع أو الثقافة التي يعيشون فيها. إنهم يحبون معرفة القواعد ويشعرون بعدم الارتياح عندما لا يعرفونها.

 

سأقص عليك الآن قصتين توضحان الجزء الثديي.

 

كما قلت سابقاً، يخزن المعالج الثديي الذكريات الخاصة بأي صدمات قد نتعرض لها في حياتنا، وهو يخزن ذلك في قسم يطلق عليه "خطر. ذكريات لا واعية سريعة الاستثارة". فالشخص الذي صدمته سيارة، سيكون شديد الحرص والحذر عند عبور الطريق، فالمعالج الثديي مبرمج على الشعور بالخطر، ولذلك يقرن الطريق بالخطر، بل ربما لا يذكر الشخص أنه صدم بسيارة إذا كان ذلك قد حدث في طفولته المبكرة، ولكن المعالج الثديي يذكر ذلك. فالمرأة التي صدمتها عندما كانت صغيرة سيارة شيفروليه حمراء طراز سنة 1955، إذا اشترى زوجها سيارة حمراء من نفس الطراز، فربما سيكون رد فعلها سيئا. وهو يعتقد أنها سيارة كلاسيكية جميلة، ويريدها أن تركبها ولكنها ترفض، ولا يدري زوجها لماذا، ولا تدري هي أيضا. ربما يظن أنها غاضبة منه بسبب شيء آخر أو أنها امرأة غير سلسة بطبعها، وهي تريده أن يتخلص من السيارة، رغم أنها وافقت من قبل على أن يشتري سيارة كلاسيكية. يتدفق الأدرينالين في جسدها عندما تنظر للسيارة، مغيرة كيمياء المخ مما يزيد من ميلها لمعارضته والتشاحن معه. يخبرها أنها وافقت بالفعل على شرائها في البداية، وأنه لن يتخلص منها. وبعد ذلك تظل لا تشعر بالأمان في وجود هذه السيارة. تقول إنها قديمة جدا، ثم ماذا لو نشب بها حریق وحرقت المنزل بأكمله؟ يظن أنها تسخر. جزء منها يظن أنها تسخر، ولكنها لا تزال ترفض وجود هذه السيارة. يتجادلان في كل عطلة من عطلات نهاية الأسبوع. وأخيرا، يأتي والدها لزيارتهما، ويرى السيارة، ويلاحظ رد فعلها نحوها. وأخيرا يفهمان الموقف عندما يخبرهما بالقصة ويعرفان أنها عندما كانت صغيرة صدمتها سيارة تشبهها.

 

يعتذر الزوج على اتهامه لها بأنها متقلبة، وغير مرنة، ولا تلتزم بالاتفاق. وتعتذر هي لمبالغتها في رد فعلها. وبعد ذلك يبيعان السيارة ويعيشان في سلام وسعادة.

 

ولكن الأمور لا تسير هكذا عادة، وقد لا يعرف الزوجان أبدأ السبب الحقيقي للنزاع، وهنا يكون العلاج هو الثقة المتبادلة بينهما.

 

إذا لم تكن ردود أفعالها في المواقف الأخرى على نفس هذا النمط، فعليه ألا يأخذ الأمر بشكل شخصي. فإذا كان بمقدوره أن يؤمن بها بدرجة تجعله يؤمن أنها تضع مصلحته فوق كل شيء، فسيتغلبان على هذه الأشياء غير المفهومة.

 

هل تريد توضيحاً أكثر؟ حسنا، سأقص عليك قصة أخرى.

 

 

كانت إحدى السيدات قد التحقت بالجامعة، ولم يكن بينها وبين الحصول على شهادة التخرج إلا اجتياز مادة دراسية واحدة. كان هناك رجل واحد يقوم بتدريس هذه المادة المتبقية، وكان معظم الطلاب يحبونه. وكانت هي أيضا جديرة بأن تحب، في أول محاضرة، دخلت إلى حجرة الدراسة، ورأت المحاضر. وعلى الفور، لم تشعر أنه يروق لها، وجلست في الخلف. وطوال المحاضرة، كانت تعارضه وتتحداه في آرائه. عارضت أشياء قالها، وتحدثت إليه بعدم احترام، وتحدته في كل مرة يكلفهم فيها بواجب منزلي. واضطر أن يطلب منها مغادرة القاعة مرتين لأنها تعرقل المحاضرة وتشتت بقية الطلاب، وقد رسبت في هذه المادة، لأنها امتنعت عن أداء ما يطلبه من واجبات.

 

وفي ذلك الصيف، ذهبت لمعالج نفسي لأنها كانت بحاجة شديدة لأن تجتاز هذه المادة ولا تدري ماذا تفعل، والغريب أنه قد ظهر أن زوج والدتها كان يضربها ويعاملها بقسوة وهي صغيرة، وكان ذلك المحاضر يشبهه ويضع نظارة طبية تشبه تلك التي كان يضعها زوج والدتها، وعندما علمت ذلك، قالت: "لقد فهمت الآن!". طلب منها المعالج أن تأتي عدة جلسات أخرى، ولكنها قالت إنه ليس لديها الوقت الكافي وإنها متأكدة أنها ستكون بخير من الآن. ولكن، هل تظن أنها قد اجتازت هذه المسألة بالفعل؟

 

حسناً، لقد ذهبت للفصل الدراسي مرة أخرى في الخريف، وعندما دخلت قاعة المحاضرات ورأته، بدأ المعالج الثديي يثيرها، وبدأ الأدرينالين في التدفق وشعرت بنفس الذي كانت تشعر به من قبل.

 

والشيء الحسن هو أنها اجتازت هذه المادة على أية حال. قد وتمكنت من ذلك عن طريق "عصب عيني" المعالج الثديي لديها. فبعد تلك المرة، كانت تتوجه نحو حجرة الدراسة وتنظر لأسفل وتجلس بعيدا في المؤخرة، وتحرص على ألا تنظر إليه أبدا، ولحسن الحظ لم يكن صوته مشابها لصوت زوج والدتها، ولذلك استطاعت أن تدون المحاضرات واجتازت المادة. إن المعالج الثديي لديها لم يكن يتصف بالحكمة (وهذه هي طبيعته دائماً).

 

أرأيت طبيعة مثل هذه المواقف؟ إن برامج إنقاص الوزن تنصحك ألا تتوجه الركن الحلوى في السوبر ماركت، فإذا فعلت ذلك، فسيثار المعالج الثديي وقد تشتري بعض الحلوى، وأنا أقترح عليك أيضا ألا تفكر في الحلوى، فالمعالج الثديي لا يميز بين الخيال والواقع، فإذا أخذت تفكر في الحلوى فترة طويلة، فقد يبدأ المعالج الثديي في إفراز اللعاب، فتذهب للسيارة، وتتوجه للسوبر ماركت. ألا تعرف أن المعالج الثديي يمكنه القيادة؟ حسنا، لقد علمته ذلك. فطوال الوقت الذي كنت تتعلم فيه القيادة، كنت تكرر سلوك القيادة مرات ومرات. والآن يستطيع المعالج الثديي أن يقود السيارة، وإن لم يكن ذلك صحيحا، فمن في اعتقادك يمكن أن يقود السيارة وأنت تتحدث في الهاتف المحمول؟ إنه هو. ولا بأس في ذلك، لأنه يشعر بالخطر، فإذا ظهر أحد في الطريق أمامك، فسوف ينبهك فتسقط الهاتف من يدك وتسيطر على الموقف.

 

أمر مدهش، أليس كذلك؟

 

والآن حاول الوصول لمقدم الفص الجبهي للحظات لأنني أريد أن ألخص كل ذلك بإعطائك الصورة الأكبر.

 

إذا كان يصدر عن الإنسان ردود أفعال لا يدري سببها، وإذا كنا قد حملنا من خلال الثقافة وعادات المجتمع وغير ذلك في الجزء المنطقي بالقواعد التي يعمل على أساسها، إذن أي جانب في الإنسان هو الذي يرى طبيعة الأشياء الصورة الكبرى)؟ لا يمكن أن يكون المعالج الثديي (فهو ليس ذكية لهذه الدرجة)، ولا يمكن أن يكون المنطق، إذا كنت ترى المنطق في الأمر، إذن لابد أن يكون المسئول عن ذلك هو قدرات مقدم الفص الجبهي. هل يمكن أن ترى نفسك (تتخيل نفسك، أو تدرك وتعي نفسك) وأنت تقرأ هذا الكتاب؟ حسنا، إذا كنت تستطيع ذلك، فأنت تستخدم مقدم الفص الجبهي الآن.

 

أحيانا لا تعرف سبب رد فعلك بطريقة معينة تجاه بعض الأشياء، ولا تعرف كذلك بالضرورة سبب رد فعل الآخرين. إذن قبل أن تأخذ الموقف بشكل شخصي... لا تأخذه بشكل شخصي، وهذا واحد من أهم وأفضل أسرار التعامل مع النساء سيئات الطبع.

 

من الجائز أنك تذكر المعالج الثديي عندها بشخص ما. وقد تذكرها نظارتك الطبية بشخص ما. وقد تذكرها سيارتك بصدمة حدثت لها من الجائز أنك تشبه أباها الذي اعتاد أن يسيء معاملتها. وقد لا تعرف أبدأ سبب رد فعلها بهذه الطريقة في مرحلة لاحقة من هذا الكتاب، سأتحدث عن أسلوب عام للتعامل معها.