السمكة المفلطحة (متقلبة المزاج)

 في عالم البحار، نجد أن السمكة المفلطحة عبارة عن سمكة ذات شكل مختلف عن باقي الأسماك، فعيناها في الجانب الأعلى لرأسها المفلطحة، وتسبح طيلة عمرها وهي تتخبط في كل الاتجاهات وعيناها تنظر هنا وهناك بحثاً عن طعامها.

 

أما المرأة فتتخبط وتتعثر مثلها عندما تشعر بخوف شديد من أنها ستهجر وأن الطرف الآخر سوف يتخلى عنها. ويكون رد فعل هذه المرأة لهذا الهجر الذي تشعر به عبارة عن خوف شديد أو غضب عارم. ويمكن أن تصبح استغلالية جداً. فإذا

 

سافر زوجها في رحلة عمل، قد تعرض يوم رحيله، أو قد تتهمه بأنه يلتقي بامرأة أخرى، أو تتوسل إليه أن يبقى بالمنزل لأنها بحاجة إليه. وهي تشعر باليأس، ويكون أهم شيء عندها هو مناقشة مشاعرها في تلك اللحظة. وهي لا تفكر فيما قد تؤدي إليه أفعالها الاستغلالية هذه على المدى البعيد. وقد يفقد زوجها ترقية أو علاوة أو حتى وظيفته كلها بسبب هذه التصرفات.

 

وهي تريد منه أن يملأ الفراغ الذي تشعر به. وإذا فقد وظيفته، فقد تشعر بعدم الأمان مرة أخرى، وتلومه على ذلك. وإذا بقي معها في المنزل ذلك اليوم، فقد تظل تشعر بعدم الأمان والفراغ وتخاف من احتياجها إليه. مشاعرها متناقضة، حيث تتأرجح بين "منتهى السعادة" والغضب والحزن، وقد تظهر بعض السلوكيات غير المتوقعة، كالشراهة في تناول الطعام وفرط الإنفاق.

 

وإذا سارت العلاقة بسلام، فقد تفعل شيئاً ما لإثارة الفوضى أو النزاع أو الأزمات. وقد تثور على زوجها بدون سبب واضح، وعندما تنتهي تلك الثورة كما بدأت، قد تنهار وتتأسف وتتوسل إليه کي يسامحها. وهي في كل تصرفاتها تتسم بالحدة الشديدة، تماماً كفتاة مراهقة. إن ثورتها العاطفية تشبه كثيرة ثورة الفتاة المراهقة، ولكن مع كامل القدرة الإدراكية لامرأة ناضجة. وهذا يمكن أن يجعلها ماكرة واستغلالية، ويمكن أيضاً أن يجعلها مثيرة للاهتمام وممتعة جدة. ومن الممكن أن تطرح كبتها جانباً وتشارك في اللحظة الحالية. وفي هذه الأوقات لا تروق لها الأفكار التي تتعلق بالنتائج البعيدة لتصرفاتها. حياتها عبارة عن سلسلة من الحرائق التي تقفز فيها أو التي عليها أن تطفئها. فهناك دائماً أزمة في حياتها. فمشاعرها وأحاسيسها حادة دائماً، ويبدو أنها لم تتجاوز عالم المراهقة أو حتى قبل المراهقة. فكل شيء أبيض أو أسود، وزوجها إما أروع شخص في العالم وإما لا شيء، حسب مزاجها، أو ما قدمه لها مؤخراً. وعليه ألا يتوقع منها تقدير کل التضحيات التي قام بها من أجلها. فقدرتها محدودة على رؤية الصورة الأكبر للأشياء، وهي دائماً ما تقول له: "نعم، ولكن ماذا فعلت مؤخرة من أجلي؟".

 

قد يكن لها حبا حقيقية، ولكنها لا تشعر به، وتدفعه طوال الوقت لإثبات حبه لها، وقد تكون مغرورة متعجرفة، وهو يحاول دائماً إثبات حبه لها. وعندما يمل من ذلك ويقرر الانسحاب من حياتها، تصبح كفتاة صغيرة، وتتعلق به وتتوسل إليه أن يبقى وتعده بأنها ستتحسن من الآن فصاعداً.

في خلفيتها العائلية، قد تكون تعرضت لإهمال وإساءة معاملة بشكل من متوسط إلى حاد. وقد لا يكون لإخوتها أو أخواتها نفس رد فعلها حيال ذلك، فأسلوبها في الحياة قد يكون مزيجاً مما يلي:

  1.  مزاجها الخاص
  2.  ظروف بيئية مدمرة (إهمال، وإساءة معاملة)
  3. غياب الرعاية أثناء مرحلة مهمة من مراحل نموها

 

على سبيل المثال، ربما لسوء حظها كانت أمها مصابة بالاكتئاب في وقت كانت فيه بحاجة ماسة إليها في تلك المرحلة من مراحل النمو، أو ربما يكون قد أساء والدها إليها جسدياً أو عاطفياً أثناء مرحلة حرجة من مراحل نموها. وربما لو. كان مزاجها مختلفاً عما هو عليه، لما أضرتها البيئة المحيطة بهذا الشكل الكبير. ولكنها مع ذلك تتمتع بالكثير من الصفات المثيرة، أليس كذلك؟ وربما يتمكن زوجها من التعايش مع ذلك، لدرجة أنه قد يقوم بأشياء تلزمه بعلاقتهما (إنجاب الأطفال، أو علاقة عمل، أو وعود، أو اتفاقات... إلخ). وربما ينساق معها أحياناً في شعورها بالنشاط أو الغضب أو الحزن. وقد تميل هي لاختيار شخص مسئول، شخص يختلف عنها في نواحٍ عديدة. والآن، بعد العديد من اللحظات المتهورة والمثيرة في نفس الوقت، يجد نفسه عاجزاً عن الابتعاد عنها.

 

قد نجد ملايين من هذا النمط بين النساء، وبالتالي ملايين وملايين من الرجال والنساء ممن تأثروا بسلوكهن.

 

فما الذي يمكن عمله لإصلاح ذلك؟ إن هذا سؤال خاطئ، والسؤال الأفضل منه هو: ما الذي يمكن عمله من أجل التعامل مع ذلك؟ هناك بعض الأشياء، ولكن قد يكون زوجها مستاءً وممتعضاً لدرجة لا يمكنه معها الاستمرار في العلاقة. ومع ذلك يشعر أنه مقيد، لأن هذه المرأة بحاجة إليه، وتشعر أنها لا يمكنها الحياة بدونه.

 

إن هذه المرأة تعاني ما أسميه "صدمة الأسرة"، فعلاقاتها الأولى هي ما تسبب لها الأسي، وهي تتعرض لإثارة مشاعرها وأحاسيسها بفعل بعض نواحي العلاقة. على سبيل المثال، قد تكون حياتها جيدة بدون زواج، ولكن عندما تتزوج، قد تصبح امرأة كالتي تحدثنا عنها. فهل يمكن إصلاحها؟ لقد رأيت ذلك بنفسي، ولكنها عملية طويلة وصعبة. إن الاكتشافات الحديثة في علم النفس لم تتوصل بعد لمستوى يمكن فيه علاجها بكفاءة وبشكل مؤثر. فهي بحاجة لكثير من العمل للتعامل مع الأزمات النفسية التي تعاني منها. لا يمكن لزوجها أن يصلحها. وقد يكون بها الكثير من السمات الجيدة التي تعوضه عن سماتها السيئة. وقد تكون تستحق البقاء معها من وجهة نظره، ولكن عليه أن يتوقع دائماً قدراً معينة من التخبط والتقلب في حالتها المزاجية.

 

فما الذي يجدي معها؟ الحب، حب عنيف، كالذي ترغبه الفتاة المراهقة من والدها، رغم أن ذلك قد يضع زوجها في دور الأب في لحظة معينة. ولكنها ليست فتاة مراهقة، بل لها كامل القدرة الإدراكية لامرأة بالغة. وهذا ما يجعل التعامل معها أمراً صعباً. فعليه التجاوب مع الجانب الناضج منها، وكذلك مع الجانب الذي يجعل منها فتاة مراهقة. فمثلاً، إذا أرادت أخذ سيارته لأمر ما ولكنه لا يرغب في السماح لها بذلك لأنه يخشى أن تؤذي نفسها بسبب تهورها في القيادة، يجب أن يقول لا. ولكنه لا يرغب في أن يعلمها بمخاوفه، فيقول لا فقط، دون إبداء أي أسباب. وقد توبخه أو تهدده بأنها سترد بالمثل. وهو لا يرغب في أن يخبرها بأسباب قراره، وإنما سيصر عليه فحسب، ومن ثم ستنهي الموضوع كما تفعل أي فتاة مراهقة. عليه أن يظهر الحب دائماً, فهي قد تعلمت أن غياب الحب هو المسئول عن رفض بعض الناس لها. عليه إذن أن يتعامل بحب مع كل ما قد يطرأ بينهما. فلو طلب منها أن تذهب للجحيم، وأظهر لها بعض العواطف طوال الطريق، ستذهب للجحيم من أجله. إنه يحتاج لأن يكون النجم الأكثر تألقاً في فلكها، وبناء عليه يجب أن يتميز بما يلي:

  1.  يستحق احترامها
  2.  يحبها حبة حقيقية
  3.  أقوى منها
  4.  ينظر إليها من منظور إيجابي

إذا استطاع أن يفعل ذلك، فسيساعده على إنجاح العلاقة معها. ليس عليه أن يصبح طبيبها النفسي.

 

وإذا لم يستطع أن يكون النجم الأكثر تألقاً في كوكبها، وأراد أن ينفصل ويترك العلاقة، عليه أن يفعل ذلك بحب. وقد تهدده بأشياء فظيعة كما تفعل الفتاة المراهقة. ولكن هل يمكن أن تكون خطيرة؟ نعم. عليه إبلاغ السلطات إذا أصبحت تشكل خطراً عليه أو على نفسها. فقد تكون حياتها أكثر أمناً في السجن أو في مصحة نفسية، ومرة ثانية، عليه أن يفعل ذلك بأكثر طريقة عاطفية ممكنة فهي إنسانة يائسة.

 

هل أي مما حدث يعتبر خطأه هو؟ بالتأكيد ستظن هي ذلك، وقد تختلق سيناريوهات مقنعة لتظهر أنه خطؤه. وعلى أية حال، فقبل أن يقبل اللوم، عليه الإجابة عن هذه الأسئلة:

 

• هل هو الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة؟

• هل يجب عليه التعامل مع تصرفاتها بشكل شخصي، أم أن يدرك أنها كانت ستتصرف بنفس الطريقة مع أي شخص آخر كانت ستتزوجه؟

• هل يمكنه التعامل معها؟

• هل تضيف لحياته، أم تنقص منها على المدى البعيد؟

إذا أجاب عن هذه الأسئلة بصدق وأمانة، فسيجد الرد القاطع. لقد تزوج "جو دیمادجو" من "مارلين مونرو" لفترة قصيرة، وبعد انفصالهما، تمكن من أن يظل صديقها الودود. كانت مارلين متقلبة المزاج، ومثالاً للأنوثة والجمال. كان يمكن أن تكون أجمل حلم، وأسوأ كابوس. كانت تشعر بالوحدة، رغم كل معجبيها، وكانت تشعر بالفراغ رغم كل شهرتها وكل ما حققته من نجاح. لقد كانت فتاة صغيرة داخل جسد امرأة ناضجة.

 

وقد عملت طبيبة نفسية لفترة طويلة، وسيخبرك معظم الأطباء النفسيين بما سأخبرك به، لا يمكنك تغيير أي إنسان، لن يمكن لمن يتزوج بمثل هذه المرأة أن يصبح منقذها، فلن يستطيع تغييرها، يمكنه فقط أن يغير نفسه وعلاقته معها.

 

والأكثر من ذلك هو أن التغييرات الحسنة الوحيدة هي التغييرات التي ترد الشخص إلى طبيعته الأولى التي ولد بها. فنحن نأتي إلى هذا العالم أسوياء ومثاليين، ثم تحدث أشياء تغيرنا، مثل التعرض للصدمات أو التحقير من شأننا باستمرار. إذن، فالتغيير هو فعلاً المشكلة. لا تخلط بين التغيير والتطور أو التحول اللذين يزيدان من قيمة الإنسان. وتغير الصدمات بشكل ما حقيقة الإنسان، أما الإساءة والتحقير فيجعلانه يخفي حقيقته بسبب الخزي. وكذلك فالإهمال يغير الناس. هل ترى ما أقصده؟ المشكلة أن هذه المرأة قد تغيرت عما كانت عليه، فلا ينبغي لأحد أن يحاول أن يضع تغييراً حسناً فوق تغيير سين. من الأفضل التخلص من التغيير السيئ أو إصلاحه، وذلك من صميم عمل الطبيب النفسي.