هذا هو الخطأ الذي يقع فيه العديد من الآباء المتميزين، والأمر مفر حقاً؛ فأنت تحب أولادك أكثر من أي شخص آخر (ربما باستثناء شريك حياتك، الذي بالفعل يعد صديقك المقرب) لذا فأنت ترغب في أن يكون أولادك هم أصدقاءك المقربين.

المشكلة هنا هي أن ولدك نفسه لا يرغب في أن تكون صديقه المقرب. وحتى إذا لم يكن يدرك هذه الحقيقة، إلا أنه بالفعل لا يرغب في هذا. إن لدى صديقة تخبرني بكل فخر كيف أنها تعد الصديقة المقربة لبناتها كما أن بناتها هن، أقرب صديقاتها. وهي لا تقول ذلك وحسب. بل إنها تعامل بناتها بنفس الطريقة التي تعامل بها أقرب صديقاتها ‘وهن يعاملنها بالمثل، وهي تظن أن هذا أمر رائع، لكنى أشعر بالأسف حقًا لبناتها.

إن بناتها لديهن صديقاتهن بالفعل _ الكثير منهن، وهن لسن بحاجة للمزيد. كما أن كل واحدة منهن لها إخوتها كذلك. إن ما يحتجن إليه حقاً هو الأم، لكن أمهن مشغولة بمحاولة أن تكون صديقتهن المقربة.

ما هو الاختلاف إذن؟

حسناً إنك تفضي بمكنون صدرك لصديقك المقرب، كل مخاوفك، ما يقلقك، أفكارك الخاصة— وهو يفعل مثل ذلك معك. إلا أن الوالد هو شخص يتطلع الابن إليه — ليس لأنه في مرتبة أعلى بل لأنه أكثر نضجاً؛ بحيث يعتمد عليه، شخص يحميه ويعتنى به، حتى إن لم يسأله ذلك. وعلى مستوى الحياة اليومية. فالأب هو شخص تستمتع بقضاء، الوقت معه وأداء الأشياء معاً لكنك لن تخبره بكل شىء في حياتك، تماماً كما لا ترغب في سماع كل شىء عن حياته.

ماذا إذا كنت قلقاً للغاية بشأن ما سوف يقدم عليه ابنك؟ هل ستحادثه في هذا؟ بل ستخبر صديقك المقرب. افترض أنك والد أرمل، أو مطلق ثم قابلت امرأة تريد الزواج بها. هل ستخبر ابنك أو ابنتك بتفاصيل علاقتك بتلك المرأة كما ستخبر صديقك المقرب؟

ماذا إذا كان ولدك يرتكب شيئاً خاطئاً مثل إدمان المخدرات أو الخروج مع رفقاء السوء هل ستسديه نفس النصيحة التي ستسديها لصديقك المقرب؟ هل ستفضي لولدك حين يكبر كيف أنك تشعر بالوحدة، أو القلق بشأن المال؟

لابد أن ينفصل أولادك عنك حين يكبرون؛ فهذه هي مهمتهم.

إذا أردت أن تكون الصديق المقرب لولدك في هذه الظروف فسيكون عليك أن تفعل شيئاً من اثنين، إما أن تكذب عليه، أو تقوم بابتزازه عاطفياً. إذا أخبرت ولدك بأنك تشعر بالوحدة، فسيتصرف كأي ابن صديق لأبيه ويمضي معك وقتاً أطول ويشعر بالذنب إذا وجد صعوبة في هذا. 

وهذا نوع من الحمل الثقيل الذي لا ينبغي إلقاؤه على ولدك، حتى لو أبدى تقبلاً له، وإذا حدث أن كذبت عليه أو قمت بابتزازه عاطفيا، فكيف يمكن أن يأتي إليك حين يحتاج إلى دعم عاطفي، أو بضع كلمات حكيمة، أو شخص يعتمد عليه؟ لقد فقدت مصداقيتك كأب في الوقت الذي احتاج إليك فيه.

أنا لا أقول لك إنك لا تستطيع أن تحظى بعلاقة وثيقة بطفلك البالغ. بل_ إنني أتمنى أن تكون علاقتكما وثيقة لأقصى حد وأن تتشاركا في الاهتمامات وتسود ببنكما روح المرح وتقضيان الكثير من الوقت معاً. وأتمنى أن يحب كل منكما الآخر أكثر مما يحب صديقه. إلا أن العلاقة لن تكون مماثلة.

لابد أن ينفصل أولادك عنك حين يكبرون، فهذه هي مهمتهم. وليس من العدل أن تحاول إبقاءهم مرتبطين بك، حتى لو كان هذا تحت مسمى الصداقة. أتعلم؟ إن العلاقة الصحية بين الوالد وابنه هي شىء رائع بحق، وهي تساوى عشر صداقات من صداقات هذه الأيام. لم تتخلى عن هذا مقابل ذاك إذن؟