بعض الناس يعيشون حياة هادئة، والبعض الآخر يعانون؛ وقد يوجد سبب واضح لمعاناتهم، وأحياناً لا يوجد أدنى سبب لتلك المعاناة، لكن غالباً ما يكون لهذا الأمر علاقة بتنشئتهم.

لقد عرفت أشخاصاً، وبالتأكيد عرفت مثلهم أنت أيضاً جاءوا من بيئات سادتها ظروف بشعة – اعتداء، إهمال، مآسٍ عائلية؛ سم ما تشاء. ولقد دمرت حياة الكثيرين بسبب هذه الأمور، لكن العديد منهم استطاعوا النجاة منها والتغلب عليها.

إنني أعرف رجلا فقد يديه الاثنتين -حيث تم بترهما بسبب مرض أصيب به خلال أواخر مرحلة المراهقة _ لكنه أظرف وأحب وأكثر الأشخاص الذين تأمل أن تقابلهم اتزاناً.

وأعرف أشخاصاً تربوا في بيئات بشعة لكنهم استطاعوا تحديها وصاروا كبارا عاقلين سعداء، كما أعرف عائلات متفسخة نشأ بها أطفال يعانون من الاضطرابات بأنواعها، بينما استطاع أطفال أخرون الخروج منها دون أي أثر سلبي. وعلى العكس، أعرف أشخاصاً تربوا في عائلات مثالية إلا أنهم مدمنون للخمر والمخدرات، أو يعانون من أمراض عقلية.

على أن أعترف كذلك بأنني أعرف أشخاصاً مضطربين أتوا من عائلات متفسخة أكثر من هؤلاء الذين يأتون من عائلات متزنة، لكنني ما زلت كذلك أعرف عدداً كبيراً من الأشخاص المتزنين القادمين من بيوت متميزة.

إن الأبوين ما هما إلا مجرد عامل واحد محتمل لمشكلات الأبناء البالغين. وهناك مجموعة أخرى من الأسباب التي تجعل ولدك يقع في مشكلات، سواء، داخلية أو خارجية، وليس لك أدنى سيطرة عليها.

إذ ا كنت تعلم أنك أديت مهمتك، كوالد عاقل، بصورة سليمة (مع الأخذ في الاعتبار أنك لست ملزماً بان تكون مثالياً) فليس الخطأ خطأك أن تسوء الأمور بعد ذلك.

فلا تلم نفسك أن صار ولدك مكتئبا، أو إذا لم يكن يستطيع الحفاظ على علاقة طويلة الأمد، أو إذا أدمن الكحوليات، أو إذا لم يستطع الحصول على وظيفة مستقرة حتى وهو في سن الخامسة والثلاثين _ فالخطأ ليس خطأك. ربما تعد مسئولاً إذا قضى ولدك الليل تحت المطر وهو طفل، إلا إنك لا تعد مسئولاً إذا كان في الثلاثين من عمره وينام في الشارع.

بل قد يجئ عليك وقت تجد نفسك مضطراً فيه إلى إغلاق الباب في وجه ولدك. يطلق على هذا اسم "الحب الصعب ”، وهناك أوقات يكون هذا هو الخيار الوحيد فيها. المهم في الأمر هو أن يعلم أنك تنتظر الفرصة لكي تفتح له بابك مجدداً، بمجرد أن تثق في أنك تستطيع ذلك. وإذا كان ولدك يمر بمرحلة كهذه، فقد تكون أنت الشخص الوحيد الباقي في هذا العالم الذي لا يزال راغباً في فتح الباب له، وربما يكون كل أصدقائه قد تخلوا عنه بالفعل، لكنك موجود لأجله، وهو يعلم أن هناك من يحبه ويقف إلى جواره على الدوام.

إن الإحساس بالذنب شعور أناني مغرق في الذاتية، والوسيلة المثلى لكي تساعد نفسك وولدك هي ألا تندم لتسببك في ما يقع فيه من أخطاء، بل أن تتقبل أن الخطأ ليس خطاك وتركز على كيفية دعمك له. تناس الماضي وركز على الحاضر. نعم، حتى إذا كنت تتقلب في فراشك في الثانية صباحا قلقاً على ولدك، لا تترك نفسك تنزلق في هذا الطريق. إنني أعلم أن هذا

إن الإحساس بالذنب شعور أناني مغرق في الذاتية.

أمر صعب لكنه لن يوصلك إلى شىء، وفى الواقع. أنت لا تشعر بالذنب لان الخطأ خطؤك. بل لأنك تخاف من أنه قد يكون الخطأ خطأك. حسناً إذا كنت والداً محترما فلن يكون الخطأ خطأك. وكما يقول مؤلف الكتب المتخصصة في تربية الأطفال” ستيف بيدولف”: "إن مهمتك هي العناية بهم حتى يستطيعوا طلب المساعدة بأنفسهم”.