محتويات

كيف أصبح البحر مالحًا؟

إذا كنت اغتسلت في البحر مرة وملأ الماء فمك فمن المؤكد أن ذلك لم يرق لك، وإذا كان الماء قد دخل عينيك فلابد أنك شعرت بحرقة فيهما لأن الماء مالح لدرجة غير مستساغة.

درجة ملوحة البحر 

في البحار ملح يكفي لتغطية كل الولايات المتحدة لعمق 2400 متر، وعندئذ تدفن كل الجبال، شرق جبال روكي في الملح، وبتعبير آخر يوجد في البحر من الملح ما يكفي لصنع قارة من الملح تكبر قارة أفريقيا. وليست كل البحار على نفس الدرجة من الملوحة. وتختلف درجة الملوحة قليلا من السطح إلى القاع، ومن قطب إلى آخر.

متوسط درجة الملوحة في ماء البحر:

ولكن متوسط درجة الملوحة هو نحو ثلاثة أجزاء ونصف من الملح لكل مائة جزء من الماء. والمحيط الأطلسي، شمال وجنوب خط الاستواء مباشرة، أكثر ملوحة قليلا من باقي المحطات.

البحار من حيث درجة الملوحة:

ونجد اختلافات أعظم كثيراً في الملوحة بين البحار الأصغر. والبحر الأحمر، الذي يمتد بين الصحاري الحارة في الجزيرة العربية وأفريقيا، هو أكثر البحار كلها ملوحة. وبحر البلطيق في أوربا هو أقلها ملوحة. وملوحة البحر الأحمر هي تقريباً ستة أضعاف ملوحة بحر البلطيق.

ويبدو أن الجزء الأكبر من ملح البحر ما هو إلا مجرد مادة لا يستفاد منها، فالحياة في البحر لا تحتاج إلا القليل منه، ولذا يتجمع الملح على توالى الأجيال من الأنهار التي تأتي به من اليابسة. ولكن جزءاً صغيراً يجد طريقه مرة ثانية إلى اليابسة؛ فرذاذ الماء الذي تدفعه الأمواج على الشواطئ تحمل الرياح منه بلورات ملح صغيرة لمسافات بعيدة.

وكثير من النباتات والأشجار التي لا يلائمها الملح لا تنمو جيداً قرب البحر. ويبدو أن بعضها الآخر يزدهر على الملح، ومن بين هذه الأخيرة الهليون، كشك ألماظ، والورود البرية. ويظن أهالى الشرق الأقصى أن شجرة القرنفل لا تكون بحالة جيدة أبداً إلا إذا سمعت صوت تدافع الأمواج على الشاطئ.

وفي بعض الأماكن تحمل الرياح قدراً كبيراً من الملح إلى الداخل إلى مسافات بعيدة عن الشاطئ. وفي الهند توجد بحيرة تسمى سمبهار، وهي وإن كانت تبعد 150 كيلومتراً عن المحيط إلا أن الرياح تنشر على سطحها ۳۰۰۰ طن من الملح كل عام.

وتوجد في أستراليا قيعان بحيرات جافة يتجدد فيها الملح بسرعة تعادل سرعة استخراج السكان له، وذلك بفعل مثل تلك الرياح التي تهب من البحر.

وفي يوتاه بأمريكا يوجد "بحر داخلي" صغير يسمى البحيرة المالحة العظيمة، وهي تغطي حوالي 3000 كيلومتر وبها ماء ملوحته ستة أضعاف ملوحة ماء المحيط تقريباً. وكل عام يؤخذ من البحيرة 40 000 طن من الملح تقريباً.

وحوالي ثلاثة أرباع المادة المعدنية الموجودة في البحر هي ملح الطعام نفسه الذي نضعه على الأكل، ولكن أكثر من نصف العناصر التي تتكون منها المادة اكتشف أيضاً هناك، فالحديد يوجد في البحر، والنحاس وحتى الذهب.

وفي الواقع يوجد من الذهب في البحر ما يكفي لأن يجعل كل شخص في العالم مليونيراً. ولقد استطاع البعض أن يحصل على قليل من هذا الذهب من البحر، ولكن يجب معالجة كميات ضخمة من الماء لدرجة أن الكمية المتحصل عليها لا تغطى النفقات.

سبب ملوحة البحر:

أما كيف وصل كل هذا الملح إلى البحر فهي مشكلة لا يزال العلماء يحاولون أن يجدوا لها جواباً. والسحب التي ترتفع باستمرار من البحر هي ماء عذب، فهي تترك الملح خلفها. والمحيطات إذا كانت في الأصل كما يعتقد الكثير من العلماء، طافية في وقت ما في شكل سحب فوق الكرة الأرضية الحارة، فإن تلك السحب كانت تحوي ماء عذباً.

ولما هطلت هذه السحب في شكل مطر وأخذت تملأ البحار، فلابد أنها أذابت كمية كبيرة من المادة المعدنية من الصخور. وفي أثناء الأجيال الطويلة التي انقضت منذ ذاك الوقت واصلت الأنهار حمل مواد معدنية بصفة متزايدة من المرتفعات الأرضية.

وأنت تذكر أن فريقا آخر من العلماء يعتقد أن البحار امتلأت ببطء من ماء تكون في الصخور في أعماق الكرة الأرضية. ولا تزال مثل هذه المياه تصعد منذ ذلك العهد، وهي تحوي مادة معدنية. وحتى الآبار العميقة يحوي ماؤها الكثير من هذه المادة المعدنية لدرجة أن مياهها تسمى «عسيرة»، وفي بعض الأحيان لا تكون صالحة للشرب.

ونحن لا نعرف كمية الملح التى أذيبت أول الأمر من الصخور، أو الكمية التي أضيفت عن طريق الأنهار، أو عن طريق البخار الصاعد من الينابيع الحارة أو البراكين. والملح الذي في البحر من أغرب الأشياء في دنيانا العجيبة هذه، وهو مثل كثير من أشياء عجيبة أخرى، أمر يحوطه الكثير من الغموض.