وثروة البحر ليست مجرد نباتات وحيوانات فقط: فهى تشمل رواسب غنية من المعادن، ولقد بدأ استخراج المعادن من البحر منذ بدأ الإنسان يكحت الملح من الصخور حيث تركته مياه المد.

ولا يزال الملح يجمع بنفس الطريقة تقريباً في كثير من أنحاء الدنيا، - فتوجه مياه البحر لتنساب على أحواض غير عميقة حيث يجففها الهواء الحار، ثم يكوم الملح في أكوام في الشمس ليبيض لونه، ومثل هذا الملح يكون خشناً نوعاً ما ورمادي اللون. وملح الطعام المستعمل في أمريكا يستخرج من أماكن على البر.

فهو قد تجمع في بعض الأماكن تحت الصخور في طبقات سمكها نصف كيلومتر تقريباً. وفي أماكن أخرى توجد خزانات من الماء الأجاج على أعماق بعيدة عن سطح الأرض.

ومناجم الملح وخزانات الأجاج هي بقايا بحار كانت تغطى الأرض في الأزمنة الغابرة، واختفت البحار وتركت طبقات الملح خلفها، أو تكون قد دفنت في أعماق الأرض. وعلى هذا فهما كان المكان الذي نستخرج منه الملح حاليًا فنحن في الواقع نقوم بعملية استخراج معادن من البحر.

وتوجد معادن أخرى في البحر عدا الملح. وكل كيلومتر مكعب من البحر يحوي أكثر من 40 طنا من المعادن. ومن أعظم هذه قيمة اليود والبروم. وأكثر من تسعة أعشار كل البروم في الدنيا موجود في البحر. ويستعمل البروم في صنع أوراق وألواح التصوير، وفي كثير من الأدوية.

وبعض المعادن التي تحصل عليها من البحر ترش على الطرق لتثبيت التراب، كما تستعمل أيضاً في صناعة الأسمنت والمطاط، وكثير من مواد البلاستيك. وفي أمريكا حاليا شركة كبيرة تنتج أكثر من خمسمائة سلعة مختلفة من معادن من البحر.

والألمنيوم مفيد في صناعة آنية المطبخ والطائرات، وذلك لأن أخف كثيراً من الحديد والصلب، ولأنه لا يصدأ، ولكن هناك معدناً آخر شائعاً أخف حتى من الألمنيوم وهو المغنسيوم.

وهنري فورد كان يرى أن هذا الفلز سيستعمل أكثر فأكثر في صناعة السيارات، وكان يعتقد أنه قد يصبح معدن المستقبل، مثلما يسمى الحديد معدن الوقت الحاضر.

وإذا كان الأمر كذلك فإننا سنقوم بعمليات تعدين أكثر في البحر، الآن البحر هو المصدر العظيم للمغنسيوم. وتسحب مياه البحر حاليا إلى خزانات توضع بها أصداف المحارات في أكوام، فيتحد المغنسيوم الذي في الماء بالخير في أصداف المحار ثم يفصل عنه بعد ذلك.

والبترول الذي يمدنا بزيت الوقود، والكيروسين، والجازولين، يعتبر أيضا هبة من البحر. وفي سالف الأزمان تجمعت ملايين فوق ملايين من كائنات حية دقيقة، بلانكتون البحار القديمة، في طبقات عظيمة، ومع ظهور القارات دفنت هذه الطبقات تحت الرمل والطفل الذي تحول إلى صخر، وبقي الزيت الذي في هذه الحيوانات والنباتات على أعماق تحت سطح الأرض.

ونحن نحفر الآن آباراً إلى هذه المستودعات، فيندفع البترول كالنافورة، أو نسحبه بالطلمبات كما نسحب الماء. وبعض هذه الآبار عمقة آلاف الأمتار، وبعضها حفر حتى في المياه الضحلة على بعد كيلومترات من الشاطي.

ومن هذا نرى أننا نقوم حاليا بفتح مناجم في البحر أو في أماكن كان بها البحر في وقت ما. وسنعتمد أكثر وأكثر على البحر، لأنه مستودع عظيم نجمعت به ثروة معدنية طائلة لمئات ملايين السنين.