يغطى البحر في وقتنا هذا الجزء الأعظم من سطح الكرة الأرضية، فالقارات والجزر كلها لا تكون إلا أقل من الثلث. ومن الغريب أننا نستطيع أن نرى وجه القمر الكامل بوضوح أكثر من وجه الدنيا التي نعيش عليها، فالبقع الواضحة والظلال المعتمة التي تظهر على القمر تدل على جباله ووديانه.. ولكن أحداً لم ير قط الجبال والوديان التي توجد مغمورة تحت البحر، ودنيانا هي دنيا ماء أكثر كثيراً مما هي دنيا أرض.

وتوجد مياه كثيرة في بحيرات الدنيا وأنهارها، كما يوجد الماء في السحب فوقنا، وفي الهواء الذي نتنفسه، وفي جوف الأرض تحت أقدامنا. ولكن كل ماء الدنيا تقريباً خمسة وتسعين في المائة منه، موجود في البحر.

ومن السهل تقسيم الأرض إلى مزارع ومناطق للمدن، ولكن تقسيم البحر ليس بمثل هذه السهولة. ولكن لتسهيل تحديد الأماكن على الخريطة فإن البحر يقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية تسمى محيطات.

والمحيط الأطلسي هو المحيط المعروف أكثر من غيره. وقد ساه قدماء اليونان بهذا الاسم تكريماً للإله أطلس العملاق، الذي كان في اعتقادهم يقف على شاطئ أفريقيا حيث توجد حاليا جبال تغطى الثلوج قممها. والمفروض أنه كان طويلا وقويا لدرجة أنه كان يحمل السماء فوق كتفه وينظر إلى البحر الذي يمتد أمامه. وكتاب المصورات والخرائط، الجغرافية أو (الأطلس)، كما يسمى أحياناً، أخذ اسمه من هذا العملاق. ويظهر أن المحيط الهندي اكتسب اسمه بطريقة غريبة، من نهر السند وبلاد الهند التي يجري فيها.

والمحيط الهادي أول من سماه بهذا الاسم هو ماجلان الذي كان قائد أول بعثة طافت بالسفن حول الدنيا. وقد بدا له أن هذا المحيط هادئ جدا بالنسبة إلى المحيط الأطلسي الذي كان قد عبره من قبل مباشرة، ولذا سماه المحيط الهادي.

وفي بعض الأحيان يضاف محيطان آخران إلى قائمة المحيطات، وهما: المحيط القطي الشمالي والمحيط القطب الجنوبي. ولكن المحيط القطبي الشمالي هو في الواقع جزء من المحيط الأطلسي. أما المحيط القطب الجنوبي - وهو يقع على الجانب الآخر من الكرة الأرضية - فليس له حدود حقيقية، ومن المستحسن تقسيمه بين المحيطات العظيمة الثلاثة.

والمحيط الهادي هو أكبر هذه المحيطات بكثير. وهو يكبر المحيطين الأطلسي والهندي معاً على وجه التقريب ويمتد مسافة ۱۹ ۰۰۰ كيلومتر، أو نصف محيط الكرة الأرضية تقريباً. ومساحته تكفي لتغطية القارات والجزر كلها ويبقي بعد ذلك ملايين الكيلومترات المربعة.

والمحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي في الحجم. وهو أضيق كثيراً ولكنه أطول من الشمال إلى الجنوب، وذلك لأنه يشمل القطب الشمالي عند أحد طرف الكرة الأرضية. ويمتد دون انقطاع إلى القارة القطبية الجنوبية حيث يوجد القطب الجنوبي.

والمحيط الهندي هو أصغر المحيطات الثلاثة. وهو عريض جدا ولكنه ليس بطول المحيطين الآخرين؛ لأنه تحيط به القارات الثلاثة: أفريقيا، وآسيا، وأستراليا.

وتبلغ مساحة المحيطات هذه عدة ملايين من الكيلومترات المربعة، ولكن إذا أعطينا لكل منها رقماً صغيراً، المحيط الهادي ۱۲، والمحيط الأطلسي ۷، والمحيط الهندي ه، فإن ذلك يعطينا فكرة عن مبلغ حجم كل منها بالنسبة إلى الآخر.

وبعض أجزاء هذه المحيطات تكون مفصولة عنها بامتدادات من الأرض أو بجزر، وهذه نسميها بحاراً. والمعروف لنا من هذه البحار أكثر من غيره هو البحر المتوسط الذي يفصل ما بين أوربا، وآسيا، وأفريقيا. وقد نشأت أمم عديدة على شواطئه مثل جمهورية مصر العربية، وفلسطين، واليونان، وروما وفي أمريكا يوجد البحر الكاريبي الذي توجد به جزر الهند الغربية، وبحر بهرنج الذي يفصل آلاسكا عن الأراضي الروسية.

والمحيطات لونها أزرق أساساً. وفي بعض الأحيان تبدو رمادية في الجو الملبد بالغيوم، أو خضراء في المياه الضحلة التي يظهر القاع الرملي من خلالها.

ولكن بعض البحار أخذت أسماءها من التلون الجزئي الذي تكتسبه من الأنهار التي تصب فيها، أو من الثلوج، أو من النباتات والحيوانات الدقيقة التي تعيش في مياهها. ومن هذه البحار البحر الأصفر في الصين، والبحر الأبيض في روسيا الشمالية، والبحر الأسود، والبحر الأحمر.

وبعض أفرع البحر تسمى أيضا خلجاناً، مثل: خليج السويس، وخليج المكسيك، وخليج كاليفورنيا والخليج العربي. وتوجد خلجان صغيرة مثل خليج هدسون بأمريكا، وخليج البنغال الشرق الهند. كما توجد مضايق ومداخل صغيرة عديدة، وكل هذه تشبه نوعاً من المدن والمراكز والمحافظات التي هي في الواقع أجزاء من دولة واحدة كبيرة؛ لأن كل كتل الماء هذه، بما فيها المحيطات الثلاثة الكبيرة، ماهي إلا أجزاء من بحر واحد كبير.