نحن نعيش في دنيا مزدحمة. ويجوع الناس في كثير من الأقطار لعدم وجود طعام كاف أو أرض صالحة لإنتاجه. وعدد الأفراد الذين يجب توفير الطعام لهم يزيد سنة بعد أخرى، ولذا اتجه الناس في كثير من البلدان إلى فلاحة البحر.

والفواكه والخضراوات التي نأكلها هي أصلا نباتات برية تم تحسينها: والبطاطس لم تكن في يوم ما سوى درنات من صنف رديء. والقمح والرز كانا مجرد بذور حشائش برية. ولقد تعلم الناس خلال أجيال طويلة كيف يحسنون التفاح والفراولة. ويتعلم الأولاد والبنات في أمريكا مثلا عن طريق أندية خاصة أن ير بوا دواجن أحسن، ولكنهم لن يستطيعوا أن يتعلمو كيف يربون سمك رنجة وحيتان أفضل مما هي عليه في الطبيعة.

ولهذه الأسباب كلها يجب علينا أن نزيد من حاصلاتنا من البحر، فهناك الأعشاب البحرية التي تغطي الصخور في منطقة المد والجزر، وغابات الحشائش البحرية في المياه العميقة. وفي فرنسا وأسكتلندا والنرويج تجمع منذ مئات السنين أمثال هذه الحشائش البحرية، فهى تنزع من الصخور باليدأو بوساطة مناجل على قوائم طويلة.

وتستعمل الآن آلات حصاد ضخمة، تدفع خلال طبقات الأعشاب العملاقية، يمكنها أن تحصد خمسة وعشرين طئا في الساعة. وتستعمل هذه الأعشاب كساد جيد، ويزدهر كشك ألماظ إذا وضعت أعشاب البحر عند جذوره، وتقاوي البطاطس التي تحفظ وسط أعشاب بحرية تعطى محصولا طيباً خالياً من الفطريات: وتحرق الأعشاب البحرية أيضاً لفائدة رمادها. واليود الذي نضعه على الجروح كان يستخرج سابقاً من أعشاب البحر، كما يوجد البوتاسيوم في رماد أعشاب البحر المحروقة.

ويستخرج العلماء من عشب بحري أحمر مادة تربي عليها الميكروبات. ويدرس الأطباء تلك الميكروبات ليعرفوا كيف يعالجونها. ونحن نحصل على عقاقير عديدة نافعة من أعشاب البحر، ومع هذا فإن الأمواج تدفع على الشواطئ سنويا أطناناً من أعشاب البحر لا يستفاد بها.

وقد نظن أن أعشاب البحر ليس لها قيمة غذائية، ومع هذا فإن في الولايات - الشرقية بأمريكا غالباً ما يباع نوع أحمر يسمى «دلص». ويجب كثير من الناس مضغ الدلص هذا وفي اسكتلندا يغلونه مع اللبن. وهناك نوع آخر من أعشاب البحر. الحزاز الإيرلندي، ينمو على طول السواحل الصخرية في نيو إنجلند بأمريكا وفي أماكن أخرى، وله ألوان عديدة، أصفر فاتح وأحمر، وأصفر، وأخضر، وأسود تقريباً، وتصنع منه حلوى لذيذة الطعم.

وتستغل بعض البلدان ما يعطيها البحر استغلالا أحسن. فيحصل اليابانيون على نصف طعامهم تقريباً من البحر، والجزء الأعظم من ذلك أسماك، وأنواع من الوتر والمحار، وجمبريات وسرطانات وما شاكل ذلك، ولكنهم يأكلون أيضاً أكثر من ثلاثين نوعاً من أعشاب البحر. وأنت قد تضحك من هذا، ولكن المثلجات التي نحبها كثيراً قد تحوي مادة استخرجت من أعشاب البحر لتشد من قوامها.

ويعيش اليابانيون مزدحمين في جزر الصخرية، وهي أصغر من أن توفر لهم الطعام الكافي، ولكن الجزرهم سواحل طويلة كثيرة الخلجان والمناطق الضحلة حيث تزدهر أعشاب البحر. وتؤكل أعشاب البحر أيضاً على طول سواحل الصين والفلبين، وتعرض في الأسواق هناك في أكوام ذهبية اللون.

وأعشاب البحر هي الخضراوات الوحيدة التي يأكلها الإسكيمو. وفي وقت ما كانت تعيش عند طرف أمريكا الجنوبية قبيلة من الهنود تسمى آكلى الغلفق لأن الجزء الأكبر من طعامهم كان مصدره الأكوام العظيمة من الأعشاب التي يقذف بها البحر الهائج.

وكل هذه نباتات تنمو طبيعيا في البحر، ولكن أعشاب البحر تزرع أيضاً، في إيرلندا توضع قطع صخرية منبسطة في المياه الضحلة لتستقر عليها أبواغ الأعشاب البحرية، هذه الأبواغ تقابل بذور نباتات البر.

وعندما ينمو العشب يقطع وتقلب الصخور لينمو عليها محصول جديد. وفي اليابان توضع فروع الأشجار على آلاف الأفدنة من المياه الضحلة في البحر لينمو عليها عشب بحري أحمر. ويحصد المحصول في الشتاء من يناير إلى مارس، وتجهز الأفرع للمحصول الحديد.

والسيطرة على الحياة الحيوانية في البحر أصعب كثيراً، لكن الإسفنجيات وهي حيوانات بسيطة تزرع كالخضر، فتوضع ألواح من الأسمنت المسلح ملتصقة بها قطع من الإسفنج، وعندما يكتمل نموها تنزع، وتعد الألواح المحصول جديد. ويصنع الآن تقليد الإسفنج من المطاط، ولكنه ليس له جودة | الإسفنج الطبيعي في أداء بعض الأغراض.

ويرى الوتر تجاريا بطريقة تشبه كثيراً زراعة الحاصلات الحقلية فتوضع أصداف فارغة مبعثرة في المياه الضحلة لتستقر عليها صغار الوتر التي تسبح هنا وهناك، وينمو لكل من هذه الصغار صدفة. وتبدو هذه الصغار وهي ملتصقة بالأصداف وكأنها نمش، وسرعان ما تصبح اتقاوى وتر» فتؤخذ وتبعثر في الخلجان والمداخل الضحلة.

وتراقب مزارع الوتر أيضاً لأنها مثل الطماطم والقطن لها آفات كثيرة. وفي بعض الأحيان تنقل من مكانها إلى مكان آخر لتحسين مذاقها. وفي بعض الأماكن في شمال أمريكا قد يبلغ عمر الوتر كامل النمو أربع سنين أو خمساً.

ويحاول الناس أيضاً تربية الأربيانات والاستاكوز، كما يربون الدجاج في حظائر مسوّرة، غير أن ذلك يتم بالنسبة للأر بيانات في المياه البحرية الضحلة. وتفقس الأربيانات الصغيرة من البويضات بالملايين ثم ترك طليقة في البحر. والأر بيانات شرسة ولو أنك ربما لا تظن ذلك. وهي في عراك باستمرار وهي نمنمية، أي تهاجر ويأكل بعضها بعضا.

وفي اليابان تقدمت زراعة اللآلىء لدرجة كبيرة. ويكون محار اللؤلؤ وأنواع أخرى من المحار تلك المجوهرات البديعة في بعض الأحيان. وعندما تدخل ذرة من الرمل أو أي جسم آخر بين صدفة المحار ولحمه فإن المحار يغطى سطح هذا الجسم الغريب بمادة هي مادة اللؤلؤ نفسه. والمحار يفعل ذلك وقاية لنفسه. وفي اليابان يدفعون قطعة صغيرة مختلفة الأشكال بين صدفي المحار الحي فتتكون اللآليء كما لو كان ذلك بالطلب.

ووسائل فلاحة البحر حاليا قليلة، وكل ما تم للآن ما هو إلا بداية فقط. ومن المنتظر أن يحدث تقدم عظيم في هذه الناحية، ومن المحتمل أن تساهم أنت في تحقيقه.