نشأة البحار والمحيطات:

في غابر الزمن عندما كانت الدنيا في مرحلة الطفولة، لم يكن هناك بحر، ولم يكن هناك ماء أو أرض كما نعرفهما الآن، بل كانت الأرض آخذة في التشكل من مادة تشبه المادة التي تتكون منها النجوم. وتتركب هذه المادة من أشياء كثيرة تسمى عناصر، يوجد منها حاليا مائة عنصر على وجه التقريب. والعناصر الخفيفة تسمى غازات. والهواء الذي نستنشقه يتركب من بعض هذه الغازات.

وقد غاصت العناصر الثقيلة في جوف الأرض. وقلب الأرض عبارة عن كتلة عظيمة من الحديد. وقد تجمعت المواد الخفيفة حول هذه الكتلة مثل الطبقات في البصلة، هذا هو السبب في أن المعادن مثل الرصاص والذهب نادرة لدرجة ملحوظة على سطح الأرض، في حين أن المعادن الخفيفة مثل الألومنيوم، والسليكون الذي يصنع منه الزجاج، شائعة بقدر كبير.

ويعتقد بعض العلماء أن دنيانا نمت ببطء، وبالتدريج، من مادة معلقة في الفضاء مثل ذرات التراب المعلقة في شعاع من الشمس، ومثل هذه القطع من المادة موجودة فعلا، وهي التي نسميها الشهب، والتي نراها أحيانا في الليل متوهجة في طبقات الهواء العليا. وبعضها وهو ثقيل لدرجة أنه يصل إلى الأرض - نسميه نيازك. وهي تتركب من معادن، وغالباً من حديد أو صخور تشبه إلى حد كبير ما يوجد على الأرض.

ويرى أغلب العلماء أن دنيانا تكونت بطريقة مختلفة، فهم يظنون أنها انفصلت عن الكتلة المركزية العظيمة التي أصبحت الشمس، ثم أخذت تدور في الفضاء، وفي أثناء دورانها أصبحت شيئاً فشيئاً أكثر استدارة وصلابة.

وكانت حرارتها مرتفعة جدا لدرجة أنها كانت متوهجة مثل قطعة ملتهبة من الفحم ثم بدأت تبرد، وفي أثناء انخفاض درجة حرارتها أخذت تنكمش مثلما تبرد وتنكمش تفاحة مشوية حتى يتجعد جدارها الأملس وتظهر عليه تجعدات ومنخفضات. وبنفس الطريقة تكونت على جلد الأرض، الذي نسميه القشرة الأرضية، تضاريس ومنخفضات. والتضاريس الكبيرة أصبحت القارات، والمنخفضات أصبحت قاع البحار.

وهناك سبب آخر لهذه التضاريس والمنخفضات، فالصخور الثقيلة غاصت في القشرة الأرضية الرخوة وصعدت الصخور الخفيفة إلى السطح. ولهذا نجد أن القارات هي أساساً من الجرانيت. وهو صخر أخف من البازلت الثقيل الذي يكون جزءاً كبيراً من قاع المحيطات.

وبهذه الطريقة تكونت قيعان البحار، وإن لم تكن هناك بحار في ذاك الوقت.. وكانت الأرض شديدة الحرارة لدرجة عظيمة لا تسمح بتجمع الماء. ونحن إذا سكبنا ماء على لوح من الحديد شديد الحرارة فإن القطرات تبعثر عليه ثم تصعد في شكل بخار، وهذا هو ما حدث مع الأرض الساخنة.

فمن أين أتي كل هذا الماء الذي يملأ البحار؟ يعتقد بعض العلماء أنه تكون في باطن الأرض عند انخفاض حرارتها ولا يزال يتكون هناك.

 والماء يتركب من غازين: الأكسيجين الذي نستنشقه في كل نفس من أنفاسنا، والأيدروجين وهو أخف الغازات المعروفة. ونحن لا يمكننا أن نرى الأيدروجين ولكنا نستطيع ملاحظته يحترق بلهب أزرق في موقد الفحم أو موقد البترول. وفي باطن الأرض بين الصخور يتحد هذان الغازان ويكونان ماء. ويصعد هذا الماء في ينابيع ساخنة، ومن «جبال النار، التي نسميها براكين. وهكذا يقول بعض العلماء إن مثل هذا الماء ملأ التجاويف العميقة ببطء في القشرة الأرضية التي أصبحت البحار الحالية

ويعتقد فريق آخر من العلماء أن البحار كانت معلقة في وقت ما في شكل سحب كثيفة كانت تملأ الجو. وهذه عندما بردت هطلت منها الأمطار.

ولا بد أن الدنيا أمطرت ليس لأيام أو أسابيع ولكن لآلاف السنين. والعقل لا يستطيع أن يتخيل مثل هذه الزوابع التي زارت حول الدنيا في طفولتها. وحتى البحار بعد امتلائها لابد أنها هاجت وأرغت لزمن طويل، وأخذت أمواجها تأكل في شواطئ القارات التي كانت تظهر نتيجة تجعد القشرة الأرضية أكثر فأكثر. ولابد أن أجيالا عديدة انقضت قبل أن يستقر البحر أو البر في شكل يشبه ما هما عليه الآن.

ونحن لا يمكن أن نحدد على وجه التأكيد متى ظهرت البحار، لأنه حتى أعلم الناس لا يتفقون دائماً على ما حدث منذ مثل هذا الزمن البعيد.

وأنت تسأل: ما طول هذا الزمن؟ والذين يعرفون أحسن من غيرهم يقولون النا إن عمر دنيانا هذه أكثر من بليونين من السنين. وهذا رقم يجعلنا نحبس أنفاسنا. والبليون كبير لدرجة أن عقولنا لا يمكن أن تتخيله. ويكفي أن نقول إن أكثر من بليونين من البشر يعيشون حاليا على وجه الأرض. ونحن نتكلم بالملايين، ولكنا لا نستطيع أن نعد بليوناً لو أمضينا العمر كله نفعل ذلك.

ويدرس الخبراء الصخور التي وضعت في طبقات عظيمة فوق جزء كبير من الأرض اليابسة، وبعض هذه الطبقات حجر رملي، وهذا أصله من صخور قديمة طحنتها البحار أو الرياح ثم تحولت إلى صخر مرة أخرى. وبعضها طفال أو اردواز، وهذا طين رخو تكون في قاع البحيرات أو في مداخل صغيرة من البحر، ثم انضغط إلى صخر، وبعضها حجر جيري تكون من أصداف كائنات دقيقة عاشت في وقت ما في البحر. وبعض هذه الطبقات تظهر انطباعات أوراق كانت على الأشجار منذ ملايين السنين، أو عظام كائنات كانت تعيش وماتت واختفت إلى الأبد. ويقرأ العلماء صفحات الصخر هذه واحدة فواحدة كما تقرأ أنت صفحات كتاب مطبوع.

وهم يلاحظون سرعة تأكل الجبال حالياً تحت تأثير الصقيع والرياح والمطر، ويشاهدون ويقدرون الدرجة البطيئة التي يتم بها ملء الوديان والأماكن الأخرى المنخفضة، بل هم يحاولون تقدير الوقت الذي استغرقه البحر ليصبح مالحاً كما هو اليوم. وهم يضيفون هذه المعلومات ومعلومات أخرى بعضها إلى بعض سطراً وراء سطر، فتظهر الهم صورة، وإن كانت معتمة، إلا أنها تزداد وضوحاً مع الزمن، وما هي إلا صورة دنيا بدأت منذ أكثر من بليونين من السنين.

وبعد انقضاء أجيال طويلة من تجعد الأرض إلى تضاريس ومنخفضات، وبرودة سطحها لدرجة مناسبة، انساب الماء في هذه المنخفضات. والبحر، ولو أنه أصغر سنًا من الأرض، لكنه قديم جدًا.

وهو أقدم من الجبال والقارات التي نعرفها الآن، وبعض هذه ربما تكون فوق التضاريس الكبيرة الأولية القشرة الأرضية، ولكن إذا كان الأمر كذلك فهي قد تغيرت مع الزمن بحيث انها تبدو الآن شديدة الاختلاف: فصخورها تهدمت واستحالت إلى رمل أو تراب، وهذه انضغطت إلى أنواع مختلفة من الصخر، وتكررت هذه العملية عدة مرات. أو أن الصخر المصهور، المسمى الحمم، خرج بفوران من باطن الأرض وأصبح صخراً جامداً مرة أخرى.

ولكن الماء يظل ماء دائماً، فهو يصعد من البحر كبخار يتحول إلى سحب، ثم يعود إلى البحر مرة أخرى على شكل قطرات المطر أو مع الأنهار وهكذا، في حين ترتفع الجزر وهبط وتتغير مساحة القارات زيادة أو نقصاناً، فإن البحر يبقى على حاله، وهو الرقعة الوحيدة من الدنيا العتيقة التي اعتراها أقل تغيير.