يهوى الكثير منا، عند ذهابهم لشاطئ البحر، أن يجمعوا بعض ما يجدونه من أصداف هناك. ويحتفظ بعض الناس بأصداف غريبة قد يكون أصلها من البحر الأحمر أو الصين أو الشرق الأقصى مثلا. وفي بعض المتاحف آلاف من مثل هذه الأصداف.

والأصداف تكونها أفراد أسر كبيرة من حيوانات يسميها العلماء «الحيوانات الرخوة». والرخويات هي - بعد الحشرات - أكثر الكائنات الحية عدداً، وهي أجسام رخوة، وأغلبها يكون أصدافاً. والصدفة نوع من هيكل خارج أو درع تحمي الحيوان من أعدائه.

وأغلب الرخويات ليس لها إلا صدفة واحدة. وبعضها ترك البحر وأصبح يفضل الحياة على الأرض. والقواقع التي نجدها في الحدائق هي رخويات، وهي مغرمة بالنباتات.

وتوجد قواقع أرضية في أفريقيا تزن كل منها عدة كيلوجرامات، لكن بالبحر أنواعاً أكبر كثيراً، ويوجد نوع خارج سواحل فلوريدا أو سواحل البحر الأحمر ينمو إلى ثلثي المتر أو أكثر في الطول.

ويوجد في المحيط الهادي نوع أكبر، ووزنه يبلغ اثني عشر كيلوجراماً.. والصدفة هي في الواقع منزل الكائن الذي بداخلها. وهو يظهر مهارة فائقة في بنائها.

وهناك نوع يسمى «ذراع البحار، له منزل به غرف كثيرة، ولكنه يعيش في واحدة منها فقط، وكلما كبر حجماً يبني غرفة أكبر ينتقل إليها، ويغلق الغرفة القديمة خلفه بحاجز. والغرف كلها مرتبة حول محور مركزي في لولب جميل الشكل، وهو يبطن الغرف بنوع من ملاط يتألق مثل اللؤلؤ.

وفي نوع آخر يسمى ذراع البحار الورق، فإن الأم فقط هي التي لها صدفة تحمل فيها بيضها وصغارها. وتبدو هذه الصدفة وهي تتأرجح مع الأمواج كأبدع مهد في الدنيا.

ولصدفة بعض القوقعيات باب يشبه باب المصيدة، وهي عندما تنزعج تزحف لداخل الصدفة وتقفل الباب خلفها. وبعض هذه الأبواب بديع لدرجة أن السكان في الشرق الأقصى يستعملونها كحلي.

وتوجد رخويات أخرى لها أصداف كثيرة الأشواك حتى لا تأكلها الأسماك الجائعة. وواحدة من هذه تسمى «مشط فينوس، وإنك لتستطيع إذا شئت استعمالها لتمشيط شعرك.

ولكثير من الرخويات صدفتان تتصلان إحداهما بالأخرى مثل مفصلة الباب، وبعض هذه الرخويات صغير صغر رش البنادق. وأكبرها حجما يسمى البصر أو المحار العملاقي، ويوجد في منطقة الحاجز المرجاني الأعظم بأستراليا وفي البحر الأحمر.

والمحار الكامل النمو من هذا النوع قد يزن ۲۰۰ كيلوجراماً أو أكثر. وهو ثقيل لدرجة أن الحيوان لا يستطيع الحركة بأكمله، ولذا فهو يرقد على ظهره وتبتي صدفتاه مفتوحتين جزئياً، ولحمه له لون غامق جدا، وقد يكون أخضر أو أسود تقريباً، والأهالى الذين يغطسون بحثاً عن اللؤلؤ يحدث أحيانا، وهم يتحسسون القاع في الضوء المعتم، أن يضع أحدهم يده بين صدفي هذا المحار فتقفلا ويبقى الغطاس المسكين سجيناً وكأنه في مصيدة للذئاب، وقد ينتهي مثل هذا الحادث بالغرق.. ولهذا سمي هذا الحيوان الرخو "المحار آكل الإنسان"، والواقع أنه ليس كذلك لأنه يحاول فقط أن يحمي نفسه.

وتستعمل أصداف كثيرة لأغراض مختلفة. ويستعمل بعضها أطباقاً فاخرة أو منافض، للسجائر، أو كؤوساً للشرب. وفي جزر الباسفيك يستعملها الأهالي كمصابيح أو حتى كغلايات للشاي.

وفي الفلبين تصنع ألواح الشبابيك أحياناً من الأصداف، وكذلك الأبواق. وفي منطقة الشطوط الكبيرة (جريت بانكس) ينفخ الصيادون في بوق صدفي خاص لتحذير السفن المارة في الضباب. وفي الهند يستعمل نوع معين من الأصداف كبوق في الطقوس الدينية بالمعابد. وهذا النوع من الأصداف شيء مقدس في الدين الهندوسي. وتوضع أصداف المحار العملاقي في بعض الكنائس وتملأ بالماء المقدس.

وغالباً ما تستعمل الأصداف كحلي. وتنحت الأيقونيات من بعض الأصداف التي تنمو في منطقة البحر المتوسط. واللآلى هي أنفس منتجات الأصداف، وهي تتكون من نفس المادة، وبنفس الطريقة تقريباً، التي تتكون منها الصدفة نفسها، وقد أطلق عليها اسم قطر الندى البحرى، لأن منها تنعكس كل ألوان قوس قزح.

واللؤلؤ على عكس الماس أو العقيق الذي يجب أن يقطع ويصقل، وهو التحفة الوحيدة الكاملة من أصلها في كل الطبيعة.

وكثيراً ما استعملت الأصداف كنقود. وكان للهنود في أمريكا عملة خاصة مصنوعة من الأصداف.

وفي أفريقيا أجزاء أخرى من الدنيا لا تزال تستعمل الأصداف كنقود، وفي جزر فيجي كان رؤساء القبائل يستعملون نوعاً معيناً من الأصداف كنياشين يقلدونها من هم جديرون بالتقدير.

وبعض الأصداف نادر جدا. وفي المتحف البريطاني توجد صدفة هي العينة الوحيدة التي عثر عليها للآن. وهناك صدفة أخرى تشبه القمع تسمى فخر البحار، ولم يعثر منها للآن إلا على نحو اثنتي عشرة عينة فقط.

ويجمع أغلب الناس الأصداف الغرابة شكلها أو للونها، ومع هذا فهم لا يعرفون عن الحيوانات الرخوة التي صنعتها سوى القليل. أمسك قوقعة كبيرة بالقرب من أذنك فلد تاسمع دويا مثل صوت البحر، ولكنك قد تسمع قصصا أعجب لو استمعت لحديث عن حياة وعادات المخلوق الذي صنع تلك القوقعة.