في العام 1973، ذكر مجلس إدارة الأكاديمية الوطنية لشؤون المحيطات وعلومها، أنه ما يقارب الخمسة إلى عشرة ملايين أطنان من النفط الخام ومشتقاته سنوياً (مثل الوقود، والكيروزين، والغازولين، وادوات التنظيف) تذهب في البحر، أما مصادر هذا التلوث النفطي فهي تتوزع بين ناقلات النفط الضخمة وبقع النفط المتأتية من عمليات التنقيب، والتي يكثر الإعلان عنها والخلاف حولها هذه الأيام.

ومع أن بقع النفط الضخمة القريبة من الشواطيء المخصصة للسباحة تحظى باهتمام الصحف وعناوينها الكبرى، فإن البقع الأصغر في المستنقعات والموانيء تمثل خطراً أكبر.

والسبب هو أن بقع الزيت في مثل هذه الأماكن لا تنتشر بسهولة، وهي تهدد أنواعاً من الحيوانات والنباتات، مما يؤدي إلى تغيير في أنظمة الطبيعة، وفي حال كان النفط المتسرب إلى البحر خفيفاً ـ مثل الغازولين والكيروزين ـ فإن جزءاً منه يتبخر، عکس النفط الأثقل وزناً والتي تتوزع في مياه البحر على شكل بقع صغيرة وقاسية.

إلا أنه في كلا الحالتين، تذوب بعض العناصر المشتقة من النفط في الماء، وتشكل تهديد خفية للحياة البحرية في المنطقة المعنية. فيما تساعد البكتيريا والجراثيم الموجودة في المياه البحرية على أكل بعض الزيت، إلا أن الطبيعة تعجز بمفردها عن التخلص من كل الكمية المتسربة، وهنا يصبح الاعتماد ضرورياً على التقنيات المتقدمة من أجل إنجاز العمل.

وتعتبر إحدى أفضل الوسائل المعروفة وأكثرها شيوعاً لمحاصرة بقعة النفط قبل ازالتها هي استخدام الحبال الاعتراضية.

وتعمل هذه الحالة وكأنها سد ميكانيكي لمنع تسرب الطبقة السطحية من الماء، فيها تظل الطبقات السفلى الحرية في التحرك، ويتألف الحاجز الأعلى من مادة البوليورثين، والبولينيثيلين، ورغوة أو هواء مضغوط داخل البلاستيك.

أما تحت هذا الحاجز مباشرة فتقبع قطعة تشبه "التنورة" النسائية، وتتألف من مادة البلاستيك، والمطاط، وقماش القنب، أو رقائق الخشية، وهي تمثل الحاجز المانع لتسرب الزيت. أما لتثبيت هذا الحاجز فتستعمل اثقال الموازن الحديدية.

وتتولى عملية نقل هذه البقعة المحاصرة من النفط بأخرتان قاطرتان، تسافران بسرعة 1.5 أميالاً بالساعة.

ويعتبر بطيء السرعة أمراً ضرورياً هنا، خوفاً من أن يتسرب الزيت من تحت سد الحبال، وإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن هذه الوسيلة ليست فعالة دائماً، وبخاصة في البحار المائجة، حيث أن أية موجة تعلو عن قدمين أو ثلاث أقدام بإمكانها أن تؤدي إلى تسرب الزيت من فوق السد.

وتوجد هناك وسائل فعالة أخرى لـ "قشد" الزيت من فوق سطح الماء. فبالإمكان علی سبيل المثال استعمال رأس السحب الطوفي، وهو عبارة عن رأس كبير لخرطوم شفط، يسهل غرسه في بقع الزيت الضخمة، ويقوم هذا الخرطوم، بمساعدة مضخة هيدروليكية، بسحب مياه البحر والزيت العائم على السواء، ويتم بعدها فصل هاتين المادتين عن طريق الجاذبية أو وسائل أخرى.

وبالإمكان أيضاً أستعمال السياج القضباني العائم، الذي يشبه الفنجان المقلوب، والذي يبلغ قطره نحو 18 ـ 24 إنشاً. ويقوم حل هذا السياح بفصل الزيت عن سطح الماء.

وفي أغلب الأحيان يوجد هناك سياج آخر داخل الأول يزيد فصلي المادتين، إلا أن هذه الاسياج لا تنفع في البحر الهائج والرياح العاثية.

وتوجد طريقة ثالثة، وهي تتمثل في اسطوانة دوارة تلف داخل بقعة الزيت، وخارجها.

وعندما يخرج سطح الاسطوانة من الماء متسخة بالزيت يتم تنظيفه قبل تغطيه مجدد. وهنا أنواع أخرى من هذه الأدوات، أفعلها يكون على شكل اسطوانتين دوارتين بأنهاهين متناقضين وتدور إحدى الأسطوانتين بسرعة على مستوى أعلى قليلاً من مستوى الماء، فيما تنغمس الاسطوانة الأخرى على مستوى أعمق، وتدور بسرعة أبطأ.

وتكون الأولي مغطاة بمادة البوليثيلين، التي تصلح للنفوط الثقيلة، بينما الثانية تكون مغطاة بمادة معدنية مبلولة بالماء، وهي تنفع بالنسبة للنفوط الخفيفة، وتنفع كذلك في عملية التخلص من بقع النفط الأحزمة الأوليونيلية، وهي عبارة عن أحزمة مغطاة بمادة البوليورثان الرغوية التي تمتص الزيت وتبعد الماء، ويتم القاء مثل هذه الأحزمة داخل بقعة الزيت ثم تسحب بعد ذلك ـ يدوياً إذا أمكن ـ أو تجر بواسطة باخرة قاطرة، أو ترفع فوق حزام مائل يدور بين اسطوانتين دوارتين.

وتمتص الألبانية الأوليونيلية الزيت، ثم تعصره ويعاد استعمالها مجدداً. وكبقية الوسائل، فإن هذه الأحزمة لا تنفع في المياه الهائجة، التي تزيل الزيت من الأزمة قبل سحبها.

وهناك وسيلة فعالة جداً لتنظيف بقع النفط الصغيرة التي يمكن استيعابها، وهي تعتمد استخدام المواد الماصة، التي تطفو فوق الماء، وتمتص الزيت بالفعل الشعري، أو مجمع الزيت في بقعة واحدة كبيرة. وتشمل هذه المواد الخامسة غير العضوية الديدان، والزجاج البركاني، والزجاج البركاني المتفحم، والرماد البركاني، التي تمتص ما يعادل أربعة إلى ثمانية مرات حجمها من النفط، ثم تزال بواسطة الشبكات أو حزمة القشد.

أما إذا كانت الرياح معتدلة، فتستعمل المواد المادة العضوية، مثل الحث (وهو نسيج نباتي)، أو القش، أو الذرة المطحونة أو اليان سٹیللوز الخشب، أو هياكل بذور القطن المطحونة، التي نقر فوق الياه، ويأتصالها مع الزيت تصبح هذه المواد ثقيلة، ويتم جمعها باليد أو بأدوات الشفط.

وتنفع للغرض نفسه أيضا المواد العضوية الصناعية الماصة. وتضم هذه المواد المرتفعة الثمن نسبياً: رغوة البوليورثان ورغوة بولة الفورمالديهايد، والبوليثيلين، وألبوليبروبيلين، وهي كلها مواد يمكن استعمالها تکراراً، وبما أن هذه المواد تؤثر على البيئة في المدى الطويل، نتيجة استردادها من المياه.

وكذلك الأمر، تنفع المواد الكيماوية، التي تحظى بموافقة وكالة حماية البيئة (EPA) وتخضع لمراقبتها الشديدة، في تنظيف بقع النفط، فإذا مارست هذه المواد في تحيط بقعة النفط أمكن لها ـ كما تحتويه من عناصر کحولية معقدة ـ أن تصد الزيت وتدفعه باتجاه منطقة واحدة أصغر حجماً، وهناك مواد كيماوية أخرى، مثل المنظفات، تنفع في توزيع الزيت عن طريق تجزيئه إلى بقيعات صغيرة تتشتته فوق سطح الماء.

ويجب على مثل هذه المواد أن تختلط بالماء حتى تصبح فعالة، وإذا ما كانت حركة الأمواج كثيفة، يتم رش هذه الكيماويات بواسطة الطائرات الصغيرة، أو عن طريق جهاز للرش ملحق بمؤخرة السفينة، وبالنسبة للمواد الكيماوية التي يكون لها فعل اغراق النفط إلى عمق البحر ليتحلل بحسب الفعل البيولوجي، فهي متنوعة قانونياً، وفق أنظمة وكالة حماية البيئة وحرم الشواطىء الأميركية، وموجب قانون السيطرة على تلوث المياه الفيدرالية للعام 1972.

وقد لا تكون هذه المواد بحد ذاتها ضارة ـ مثل الرمل ـ إلا أن النفط الغارق في أعماق البحار يؤذي الحياة البحرية، كما أنه من المحتمل أن يعاود هذا النفط الظهور مجدداً على سطح البحر، مما يعيدنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى. وفي بعض الأحيان، يمكن اللجوء إلى وسيلة إحراق النفط، وتستعمل لذلك الغرض مواد كيماوية ماصة تنفع لعزل الماء من النفط وتسمح بحرقه، إلا أن هذه الوسيلة ليست دائمة الفعالية.

ويمكن القول إن كل هذه الوسائل المذكورة نافعة، إلا أن أياً منها فعال مئة بالمئة، وليست له نتائجه الضارة. وتستمر الأبحاث حول الوسائل الناجحة للتخلص من بقع النفط حتى اليوم وربما أهم الاكتشافات التي تم التوصل إليها حديثاً مصدر الطبيعة نفسها. وهذا الاكتشاف يتعلق باستخدام البكتيريا البتروفيلية، وهي البكتيريا التي تقتات بالهيدروكاربونات.

وبما أنه يلزم عدد من أنواع البكتيريا المتنوعة للتخلص من بقعة الزيت فعلياً، فإن الدكتور أناندا م. شکابارتي، التابع لمركز أبحاث جنرال اليكتريك، أستعمل علم الهندسة الجينية (الوراثية) للحصول على نوع واحد من البكتيريا له خصائص اربعة انواع مختلفة منها.

وبإمكان هذه البكتيريا الجديدة أن تستهلك كميات من الزيت بسرعة تفوق أي كائنات عضوية طبيعية أخرى. وكذلك فقد توصلت الأبحاث في جامعة تكساس إلى اكتشاف مهم آخر: وهو ممكن العلماء من خلق عدة أنواع مختلفة من البكتيريا، وتجفيفها وتخزينها إلى ما لا نهاية على شكل بودرة، تذر فوق بقعة النفط في أي وقت ممكن. وقد أجريت تجربة تم فيها ذر هذه البودرة فوق بقعة زيت توازي عشرة غالونات من النفط، وفي خلال ست ساعات، لم تتبق نقطة واحدة من الزيت.