رنييه كاييه أول أوروبي يصل إلى تمبوكتو :

كانت الصحراء بالنسبة إلى رنيه كاييه مجالا للتحدي. فقد رغب في أن يكشف اتساعها أكثر مما كان يرغب في أي شيء آخر. ولقد ولد كاييه في فرنسا سنة ۱۷۹۹.

وعند ما كان في صغيراً رأى خريطة أفريقيا، وقد كتبت على المساحات الشاسعة للصحراء الكبرى عبارة «صحراء»، أو «مهجورة». وبدت الصحراء كما لو كانت تقول له : «اخترقني إن جسرت».

فعقد كاييه العزم على أن يقبل التحدي، وصمم على أن يرحل يوماً إلى تمبوكتو، التي كانت مدينة تتداولها الأساطير ورُوي عنها من القصص الكثير.

والواقع أن أهل أوربا لم يعرفوا شيئاً عن تلك البقعة التخيلية، واعتقدوا أنها تقع على الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى، في صميم قلب أفريقية. وأراد رنيه كانه أن يذهب إلى هناك يوماً ما، ثم يعود إلى منزله ويخبر الناس أنه قد رأى تمبوكتو - أجل ، رنييه كانييه الصغير. عندئذ كان كل امرئ سيعرف أنه عمل ما لم يسبق لأوربي عمله من قبل.

نشأة رينيه كانييه:

وكان كاييه ابنًا يتيمًا "لخباز فرنسي" وفي سن مبكرة دفعه عمه للعمل في صناعة الأحذية. وكانت فرص الصغير للوصول إلى أفريقيا ضئيلة جدا. وكانت الكتب التي قرأها عن الصحراء الكبرى أيضاً غير مشجعة.

ومنها عرف عن البدو الذين كانوا يعيشون هناك والذين كانت جماهم تخترق الصحراء محملة بالعبيد والعاج والذهب والملح والخشب النادر وجلود الحيوانات. وما قالته الكتب أن سكان هذه المنطقة كانوا يكرهون المسيحين كراهية شديدة لدرجة أنهم كانوا يقتلوهم بمجرد رؤيهم . ولكن كاييه لم يتخل عن حلمه.

وعندما بلغ السادسة عشرة، شق طريقه إلى شاطئ أفريقيا الغربية، ولكن الموظفين الفرنسيين هناك لم يسمحوا له بالتوغل في الأرض. فباءت محاولته الأوليان للوصول إلى الصحراء الكبرى بالفشل المحزن.

محاولات رينييه كاييه العديدة لاستكشاف الصحراء:

وأخيراً عندما صار مستعدا لمحاولته التالية في الصحراء الكبرى، عقد عزمه على السفر. ولكي يدرس اللغة المحلية والعادات والدين طلب ترخيصاً بمصاحبة قبيلة رحالة تجوب الصحراء ليس بعيداً عن الشاطئ. ولم يجسر أن يخبر الأهالي هناك أنه كان مسيحيا من مواليد فرنسا. إنما قال إنه كان مصريًا اختطف في طفولته ونقل إلى فرنسا.

والظاهر أنهم صدقوه. وأعطوه القليل جدا من الطعام، وداوموا على ضربه، وعاملوه معاملة العبيد. ولكنهم سمحوا له بالسفر معهم. وتعلم كل أساليبهم، واستطاع أن يستظهر عباداتهم بسرعة وبصواب كأي فرد من القبيلة.

وفي نهاية تسعة أشهر تستنفد الجهد، عاد كاييه إلى السنغال وسأل الموظفين الفرنسيين هناك أن يساعدوه في القيام ببعثة في الصحراء. فقد صار الآن واثقاً من أنهم كانوا سيوافقون على أنه استعد لها. غير أنهم ضحكوا عليه ثانية ورفضوا طلبه.

وبلغ كاييه السادسة والعشرين. ونفدت مدخراته مرة أخرى، ولم بيد أنه صار أقرب إلى هدفه عما كان عليه وهو ابن السادسة عشرة.

إصرار رنيه كاييه تخطى العشرين عاماً:

ولكن الصحراء الكبرى كانت لا تزال تتحداه كما كانت تتحداه قبل عشرين عاماً. وأمضى السنة التالية في مصنع للنيلة، فكسب مزيداً من المال. وبينما هو يعمل هناك سمع أن الجمعية الجغرافية الباريسية قد قدمت جائزة مقدارها ۲۰۰۰ فرنك - وكانت تساوي آنئذ حوالي ۱۷۰ جنيها أو 500 دولار - لأول رجل يستطيع أن يصل إلى تمبوكتو ثم يجلب إلى فرنسا معلومات دقيقة عن المدينة والطرق المؤدية إليها.

وكتب كاييه في مذكراته اليومية: (سواء أحييت أم مُت، فالجائزة لي) .. ولقد صمم على الوصول إلى "تمبوكتو" عن طريق يبدأ من الساحل الغربي لأفريقيا نحو الشمال الشرقي، على امتداد نهر نيجره العظيم.

ومن هناك قد يتخذ طريقاً يتجه للشال عبر الصحراء الكبرى الخالية من الطرق صوب ساحل البحر المتوسط . وأنفق من فوره القدر الحديد الذي ادخره لتأجير أدلاء، ولشراء تيغ ومسابح وسلع أخرى مما يصلح للاتجار مع المسلمين.

وخشية أن يحاول الموظفون البيض أن يصدوه ، شق طريقه إلى محلة شاطئية صغيرة لم يكن يسكنها أي موظف . ومن هناك شرع في رحلته الجريئة في التاسع عشر من شهر إبريل (نيسان) سنة ۱۸۲۷ . وبعد عام ويوم وصل كاييه إلى تمبوكتو.

وخيبت مدينة تمبوكتو آماله تخييباً مفجعاً ؛ فهي ليست المكان الجميل ذا القصور المرصعة بالجواهر الذي قد حلم به . لكنها بلدة قذرة ذات بيوت طينية وحوار ضيقة، تضيق بعشرين ألف ساكن رثة ثيابهم ، وبالقوافل التي كانت تروح وتغدو إلى مكان سوقها الفسيح.

إخفاقات رنيه كاييه الأولى:

وحتى ذلك الوقت كانت آمال كاييه قد خابت مرة أخرى. فلقد علم أن إنجليزيا، هو ألكساندر جوردن لينج، كان قد وصل إلى تمبوكتو قبله بسنتين . ومعنى هذا أن كابيه لم يكن أول أوربي بلي نظرة على عاصمة الصحراء الكبرى التي طالما سعى إليها .

ولكن كانيه أخبر أن لينج قد قتل عقب مغادرته المدينة في طريق عودته . فصمم الفرنسي الشاب على أنه يستطيع ، على أقل تقدير، أن يعطى أوربا أول تقرير يقدمه شاهد عيان عن تمبوكتو . وكان يستطيع ذلك إن لم يقتل عند محاولته اجتيازه ألوف الكيلو مترات (الأميال) من الصحراء التي تفصل بينه وبين شاطئ البحر .

باع كابيه آخر بضائعه، واستأجر دليلا واشترى جملاً. وبمجرد أن أكمل المذكرات التي كان يضعها بعناية عن تمبوكتو، اقتحم أكبر صحراوات العالم بصحبة الدليل والقافلة المكونة من ستمائة جمل.

ولقد قاسي مشاق رهيبة منذ البداية المبكرة. فلقد سرق دليله الغادر ماءه وغداءه وأجبره على السير على قدميه فوق رمال الصحراء اللاذعة.

وشارك الدليل، بطرب قاس، الصحراويين الأخر في القافلة في رجم كاييه بالحجارة في أثناء لعبهم وشاكوا جفونه بأشواك من الصحراء .

ولكن كاييه كان يتجلد يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع. لقد أعمته الرمال ولقد ضاق ذرعاً بالخسة حتى إنه صار يتحرك بعناء .

ولقد شارف الموت مرة في إحدى العواصف الرملية . ومع ذلك فقد نوى أن يستمر في مصاحبة القافلة ، لعلمه أنه كان سيموت حتما لو أنه انعزل عنها وتاه في الصحراء .

نجاح رينيه كاييه أخيراً :

وفي نهاية شهرين من العذاب والبخل والعطش والجوع المميتين، وصل كاييه إلى التلال الواقعة في الحافة الشمالية للصحراء. لقد اجتاز الصحراء الكبرى وعزم الآن على إكمال رحلته .

وواصل كاييه رحلته منفرداً، يسافر ليلا فقط ليتحاشى أن يقتل.

وأخيراً وصل إلى طنجة، على ساحل البحر المتوسط، فزحف إلى البلدة بعد أربعة أشهر وثلاثة أيام من مغادرته تمبوكتو هزيلا لدرجة أنه استطاع بصعوبة أن يجر نفسه إلى باب منزل القنصل الفرنسي.

ولكن الحقيبة الجلدية التي كان يقبض عليها بيده الهزيلة، كانت تحتوى مذكرات دقيقة عن كل يوم من أيام رحلته المدهشة. وفي تلك المذكرات قد وصف كل مسافة من كثبان الرمل، وكل تل، وكل واحة مر بها في رحلته عبر الصحراء الكبرى .

وفي أواخر تلك السنة نفسها ، سنة ۱۸۲۸ ، كرمت الجمعية الجغرافية في باريس كاييه بأن استقبلته استقبالا عظيماً، فقد فاز بجائزة الجمعية ونال احترام العلماء وإعجابهم في أنحاء العالم كافة.

 فلقد كان أول أوروبي يصل إلى تمبوكتو ويعود منها ويروي قصة مغامرته. ولقد نجح في حذف كلمة (مجهول) عن أحد أماكن كبري صحراوات العالم. وصار الولد الصغير الذي تحدته الصحراء الكبرى أحد رواد الصحراء البارزين المشهورين.