الحياة في الصحراء والمعيشة على ماء قليل جدًا

من الطريف أن تعلم أن الكلمة الإنجليزية التى معناها "صحراء" مُشتقة من كلمة لاتينية قديمة معناها "مهجورة"، وأن بعض الجهات الصحراوية على درجة عالية من الجفاف بحيث صارت مهجورة تماماً من الناس.

وفي صحاري أخرى يوجد أناس بنسبة واحد أو اثنين لكل ميل مربع (بينما تبلغ كثافة السكان في ولاية جيرمي الجديدة بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ۲۰۰ نسمة لكل ميل مربع).

ولكن في معظم الصحاري يوجد عدد كبير من النباتات والحيوانات. وقد لا تلاحظها، لأن حيوانات الصحاري لا تظهر كثيرة جدًا، خصوصاً في النهار، ولأن النباتات الصحراوية تنمو متباعدة نسبياً. ولكنها موجودة فعلا وفي حالة نمو، ومع أنها من أنواع مختلفة - فمنها الكبير والصغير، وقصير العمر وطويله، والوسيم والقبيح - فهي جميعاً متشابهة في مظهر واحد، هو قدرتها على المعيشة على قدر قليل جدًا من الماء. وبعضها يستطيع ذلك بالاقتصاد في الماء، وبعضها يختزنه، وبعضها يصنع الماء، والنباتات تتبع الطريقتين الأوليين.

وتتبع الحيوانات الطرق الثلاث جميعاً، بالرغم من أن حيوانات قليلة فقط هي التي تستطيع اتباع الطريقة الثالثة. وهي أكثر الطُرق غرابة للصمود أمام الظروف الصحراوية.

نباتات وحيوانات صحراوية تستطيع الاقتصاد في الماء:

النباتات والحيوانات الصحراوية التي تقتصد في الماء تُشبه، إلى حد ما، الناس الذين تعلموا أن يعيشوا على إيراد قليل. فما ينفقون لا يزيد عن المال القليل الذي يرزقون. وهذه النباتات والحيوانات الصحراوية لا تخرج ماء أكثر مما تحصل عليه. وبالطبع بحصل بعضها على ماء أقل مما يحصل عليه بعضها الآخر، حسب المكان الذي تعيش فيه وحسب ما تقتات عليه. والتي تحصل على أقل قدر من الماء، لا تستطيع أن تبقى حية إلا بالتقتير في إخراج الماء منها. وبعض النباتات والحيوانات تخرب النزر اليسير من الماء حتى أنها تستحق أن تسمى النباتات والحيوانات البخيلة في إخراج الماء.

ضفدع الصحراء:

وأحد الحيوانات العجيبة البخيلة في الماء، هو الضفدع، ذلك المخلوق الذي لا يظن معظم الناس أنه يسكن الصحراء على الإطلاق؛ لأنهم يعرفون أنه يجب أن ينشأ في الماء، وأنه يجب أن يمضي الجزء الأول من حياته هناك. والواقع أن صغار الضفادع وأبا ذنبية في معظم جهات العالم، تمضي عدة شهور في الماء، قبل أن تتحول خياشيمها الشبيهة بخياشيم السمك إلى رئات وتظهر لها أرجل وتخرج إلى الأرض الجافة.

الضفدع ذو القدم الحافرة:

أما الضفدع ذو القدم الحافرة فيعيش بنجاح كبير في أجف أجزاء صحراء. سونورا بولاية أريزونا (بالولايات المتحدة الأمريكية). فبعد أن يهطل مطر الربيع هطولاً غزيراً، وعندما تتكون بضعة مستنقعات هنا وهناك في المناطق المنخفضة، تضع إناث الضفدع بيضا في تلك المستنقعات، فإذا جفت المستنقعات بحلول اليوم التالى لا يجد البيض الفرصة للفقس. أما إذا استمرت المستنقعات يومين أو أكثر، فإنها تملاً فجأة بصغار أبي ذنيبة. ثم إذا بقيت ولو كمية ضئيلة من الماء لمدة أسبوعين فقط، فإن أبا ذنبية هذا يكون مستعدا للعيش على اليابسة، لأن خياشيمه تكون قد تحولت فعلا إلى رئات، وتفقد أذنابها، وتنمو أرجلها.

وابتداء من ذلك الوقت، تحصل الضفادع على الرطوبة من مصدر واحد هو الحشرات التي تأكلها؛ إذ تختفي الضفادع معظم الوقت، بعيداً عن شمس الصحراء وحرارتها ، في جحور تحفرها بأرجلها الخلفية ، وأحياناً تختبي في جحورها شهوراً متصلة. ولقد قال الخبراء: إن من المحتمل أن تمضي الضفادع ذات الأقدام الحافرة أربعة أخماس حياتها راقدة بلا حراك تحت الأرض. وعدم حركتها، وعدم تعريضها نفسها للشمس والحر، يمكنانها من الاقتصاد في الماء كثيرة. وقد يحدث مرة في السنة، في الليلة التي تجيء بعد مطر شديد في الربيع، أن تجد الضفادع ذات الأقدام الحافرة مستنقعا ، وتستحم فيه مرحة ؛ ففي تلك الليلة تملأ الضفادع جو الصحراء الهادئ بأصواتها الصاخبة. وفي تلك الليلة تضع إناث الضفادع بيضها، ويفقس كل سنة عدد من هذا البيض مكوناً جيلا جديداً من هذه الضفادع الغريبة التي تستطيع الحياة في الصحراء.

صحراويات أخرى تعيش على القليل من الماء:

وتوجد حيوانات أخرى كثيرة تختبئ بعيداً عن المؤثرات المجففة لجو الصحراء، كما يفعل الضفدع ذو القدم الحافرة. فتظهر ليلا فقط، وتقضي كل ساعات النهار في ظل شجيرة أو صخرة، أو في جحور في الأرض. وبرقادها في مكان منخفض بعيد عن حرارة الشمس، تستطيع أن تقتصد فما تحصل عليه من رطوبة قليلة.

نبات شجرة البلوط وشجيرة الليلق:

ولما كانت النباتات الصحراوية لا نستطيع أن تختبئ في أثناء النهار، فإنها تقتصد في الماء بطرق أخرى. والطريقة التي تقتصد بها غالباً، هي ألا تنفق الماء بإسراف، عن طريق الأوراق، كما تفعل النباتات في البقاع الأخرى من الدنيا حيث تسقط الأمطار غزيرة. فشجيرة الليلق أو شجرة البلوط في ولاية ماساشوستس أو ولاية فرجينيا (بالولايات المتحدة الأمريكية)، مثلا، تستطيع أن تنشر ألوفاً من الأوراق الخضراء المفضلة في ضوء الشمس لعدة أشهر في السنة، بالرغم من أنها تفقد رطوبة من كل ورقة كل يوم.

فإذا لم يحصل الليل والبلوط على ماء عذب باستمرار عن طريق الجذور، جفت تلك الأوراق بسرعة كبيرة جدًا، مثلما تجف الملابس المبتلة عندما تنتشر في حرارة الشمس.

النباتات الصحراوية الأخرى:

النباتات الصحراوية التي لا تحصل على مدد من الماء، لا ينتظر أن تعيش طويلا إذا فقدت ماء كل يوم بأن تسمح لقدر كبير منه بالتبخر من سطوح مئات الأوراق. وهذا هو السبب في أن أوراق بعض النباتات الصحراوية ملتفة، بحيث تتعرض أطرافها فقط – وليس سطوحها المسطحة الخضلة - تعرضاً مباشراً لوهج الشمس اللافح المجفف. وتغطي أوراق نباتات صحراوية أخرى بزغب رمادي اللون يظللها من الضوء، أو يغطيها نوع من الشمع أو طبقة من الدهان تمنع رطوبتها من الجفاف. وفي كثير من الجهات الصحراوية الشديدة الجفاف، تتخلص النباتات من أوراقهاء تماماً في معظم أوقات السنة.

نبات الفوكوييريا:

ونبات الفوكوييريا المسمى أحياناً بالإنجليزية ما ترجمته "سوط السائق" ، يشبه مجموعة من الأسواط النحيلة العارية مغروسة في الأرض. ولا أوراق له مطلقًا، إلا في أعقاب نزول المطر حيث تنبت فجأة مئات الأوراق الخضراء الصغيرة. وبعد بضعة أسابيع، تسقط تلك الأوراق فجأة أيضاً، وتصير السيقان عارية وتبدو كالميتة ثانية، إلى أن تمطر مرة أخرى.

وقد لا يكون ذلك قبل عدة أشهر. وأوراق الفوكوييريا - كأوراق كل النباتات الأخرى - تحتوي على و الكلوروفيل، وهو تلك المادة الغامضة التي تستخدم ضوء الشمس وقوداً فتصنع المواد البنائية التي يجب أن يحصل عليها النبات لينمو. ولذا، فإن أكثر الأشياء لفتة للنظر في نبات الفوكويبريا هو أنه بيق بالرغم من أنه قلما تكون له أوراق تحتوى على و الكلوروفيل. والسبب في قدرته على البقاء هو أن سيقانه ذات قشر (قلق) أخضر يحتوي أيضاً على والكلوروفيل.. وفي خلال معظم السنة يقوم ذلك القلف الأخضر بالعمل المعتاد الذي تقوم به الأوراق عادة للنباتات الأخرى. وفي الواقع، أن قلف نبات الفوكيرييا يقوم بعمله بدرجة من الإجادة، حتى إن كل ساق من سيقان النبات تستطيع أن تطلق مجموعة من الأزهار الحمراء الزاهية في شهر إبريل (نيسان) أو مايو (آبار). ويطلق بعض الناس عليها بالإنجليزية ما ترجمته السيف الملتهب أو خشب الشموع؛ لأن تلك الأزهار الحمراء تبدو شبيهة باللهب المتوهج الناصع على ارتفاع ثلاثة أمتار أو خمسة أمتار فوق أرض الصحراء.

نبات العصا الخضراء الصحراوي:

والعصا الخضراء نبات صحراوي آخر يستطيع قلفه الأخضر أن يقوم بالعمل الذي تقوم به الأوراق في المعتاد. وفي معظم السنة، تشبه هذه الشجيرة أو الشجرة الصغيرة حزمة من العصي الخضراء المتفرعة. وهي تحمل الأوراق في أثناء الربيع فق، عندما تسقط بعض الأمطار عادة في صحراء سونورا في جنوب غربي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يزدهر نبات العصا الخضراء. ويزهو نبات العصا الخضراء في تلك الفترة ذاتها، ويصير لمدة من الزمن كتلة ناصعة من الأزهار الصغيرة الصفراء أو الذهبية. ولقد اعتاد الهنود الحمر أن يطحنوا قرون هذا النبات التي تشبه قرون الفول للحصول منها على نوع من الدقيق.

الصبار الصحراوي:

ومن المحتمل أن يكون أعضاء أسرة الصبار الشامخة أفضل النباتات الصحراوية جميعا في الادخار. فهي باقية بدون أن تكون لها أية أوراق بتاتاً في أي وقت من الأوقات. فيبدو نبات التين الشوكي، مثلاً، كما لو كان قد خلق من أوراق خضراء كثيرة مسطحة سميكة مزدانة بالأشواك، التصقت الواحدة في طرف الأخرى. وهي تحتوي على كل الكلوروفيل، الذي يحتاج إليه النبات لصناعة غذائه. والغلاف الشمعي على الأسطح المنبسطة يمنع ما بداخلها من رطوبة من التبخر السريع. وبذا فإن التين الشوكي يستطيع أن يزدهر حتى في المناطق الشديدة الجفاف.

التين الشوكي:

وكثيرون ممن ارتادوا الصحاري الأمريكية يوماً، يعرفون التين الشوكي وهو يرى عادة نامياً في أنحاء أخرى من البلاد أيضاً. وله أصناف عدة، بعضها صغير نوعا، وبعضها ينمو في كتل كبيرة. وهو يزهو في الربيع، وأزهاره ملية تشبه الفنجان، وتوجد عند أطراف الصفائح (المتحورة على شكل أوراق). وتلك الأزهار لونها أصفر في التين الشوكي الأكثر انتشاراً في ولايتي تكسس وأريزونا، ولونها أحمر قائم في التين الشوكي الأكثر انتشاراً في ولاية كليفورنيا. وفيما بعد من السنة نفسها تحل محل الأزهار ثمار كبيرة عصيريه ذات لون أحمر أرجواني وتشبه الكمثرى (الإجاص). ويعتقد كثير من الناس أن تلك المار لذيذة. ويصنع المكسيكيون نوعا من الحلوى بتصفية عصير المار وطهوه. وهذه الحلوى تبدو في شكلها وطعمها شبيهة بالبطاطا الحلوة.