تختلف الزلازل في شدتها اختلافاً كبيراً لدرجة أن أعدادها التي تحدث الى مكان أو في آخر ليس لها أهمية خاصة، ولكن ماذا عسانا واجدين إذا قدرنا المدة الزلازل المختلفة.

إننا سوف نجد أن ۸۰ ٪ من النشاط الزلزالي تقع في الحزام المحيط بالمحيط المادي مباشرة وأن ۱۰٪ منها تقع في الحزام الذي يبدأ في المكسيك ثم يقطع جزر عند الغربية متجهاً إلى البحر المتوسط ووسط أوربا، ثم ينحرف ثانية بلال آسيا الصغرى والهند وجزر الهند الشرقية لكي يلتقي مع الحزام الأول في جنوب خيط الهادي: ويتبقي 5٪ من الزلازل موزعة على بقية العالم.

ويعد الناس في الولايات المتحدة محظوظين. فالولايات المتحدة تعتبر منطقة منها   فيما عدا ساحلها الغربي. ومع ذلك فإن نصيب سكانها من ال 5 ٪ من النشاط الزلزالي الذي يشتركون فيه مع سائر العالم قد أمدهم بعدد وفير من الهزات الأرضية. ففي عامي ۱۸۱۱ و۱۸۱۲ حدثت سلسلة كاملة من الزلازل بالقرب من ملتقي نهري أوهايو والمسيسيبي.

وربما كانت هذه المجموعة من الزلازل هي شر ما أصاب الولايات المتحدة من الزلازل. ومن حسن الحظ أن المنطقة لم تكن في ذلك الحين قد اكتظت بالسكان. في نيو مدريد بميسوري وهي أقرب المدر من مكان الزلازل كان الناس لا يزالون يعيشون في أكشاك مصنوعة من كتل الأشجار.

ولهذا السبب لم تحدث خسارة في الأرواح كما كانت الخسارة في الممتلكات ضئيلة. ولكن المنطقة ذاتها قد تغيرت تغيراً كبيراً، إذ ارتفعت أجزا منها وانخفضت أجزاء أخرى، فغمرت المياه غابة وأغرقتها، وتكونت بحيرة ريلفوت في تنيسي، بينما غاصت جزر في المسيسيبي وتقوضت ضفافه.

وفي 7 من فبراير عام ۱۸۱۲ كان بعض العلماء في ولاية كنتكي حين حدثت ست من أسوأ الهزات. لقد كان أوديبون العالم الطبيعي الذي تحمل جمعيات الطيور في الولايات المتحدة اسمه يمتطى ظهر جواده في نفس الوقت الذي حدثت فيه الهزات. وقد سجل حينئذ «أن الأرض قد ارتفعت وانخفضت في حركات متتالية وكأنها تموجات المياه على سطح إحدى البحيرات. تموجت الأرض وكأنها حقل من القمح داعبه النسيم.

لقد كانت الهزات عنيفة حقا، فقد وصل تأثير ثلاث منها بعيداً حتى شاطئ الأطلسي. ويقال إن الساعات توقفت وإن ناقوس إحدى الكنائس دق من تلقاء نفسه في مدينة بوسطن التي تقع على بعد ۱۱۰۰ ميل من الزلزال، بينما تشقق طلاء المباني في ولايتي فرجينيا وكارولينا إلى الجنوب. أما في واشنجتن على بعد ۸۰۰ ميل فقد اهتزت الأبواب وقرقعت النوافذ.

وفي سنسناتي على بعد 400 ميل تساقطت المداخن. وقد احتفظ أحد الأشخاص في كتكى بسجل دقيق للهزات التي حدثت في المدة بين 16 ديسمبر سنة ۱۸۱۱ إلى 15 من مارس من السنة التالية، فوجد أن عدد هذه الهزات بلغ ۱۸۷4 هزة منها عشرعنيفة وثمان أقل منها عنفاً.

وفي 31 من أغسطس سنة ۱۸۸۹ استهدفت شارلستون بكارولينا الجنوبية | وما يجاورها لأسوأ هزة شهدها شاطئ الأطلسي - على الأقل – في العصور التاريخية. ومن توفيق الله أن عدد من ماتوا بسبب هذه الهزة لم يزد على عشرة.

وإذا نظرنا إلى ما كانت عليه هذه الهزة من الشدة لوجدنا أن الخسارة كانت | طفيفة جدا. في المدينة ذاتها بلغ عدد المباني التي دمرها الزلزال ما يقرب من مائة وأصيبت تقريباً جميع المنازل المبنية من الطوب.

لقد أحدثت هذه الهزة اضطراباً في منطقة مساحتها ۲٫۸۰۰٫۰۰۰ ميل مربع، وكان تأثيرها ظهراً على طول المسافة بين كندا وخليج المكسيك. بل إن في بعض الأماكن البعيدة مثل ميلووكي بويسكونسين تحطمت النوافذ بتأثير الزلزال. وكانت نيو مدريد وشارلستون أسوأ المدن تأثراً في شرق الولايات المتحدة

 إذ انتشرت فيها الزلازل انتشاراً كبيراً حتى عمت سائر البلاد رغم أن نصيبها لا يعدو مع غيرها من بعض الدول ۰ ٪ من الزلازل. فسد بولدر مثلا وهو واقع عبر نهر كلورادو سببت له الزلازل مشكلة جسيمة. ففي عام ۱۹۳۷ فقط بلغ عدد الهزات الأرضية في المنطقة المحيطة بالسد ۱۶۳ هزة. كما حدثت زلازل في كل من شيكاغو ونيويورك ولو أنها لم تكن زلازل شديدة.

أما بوسطن فقد حدث فيها عام ۱۷۰۰ زلزال عنيف. وتحدث باستمرار زلازل قوية في نيو إنجلاند، كما أصيبت مونتانا وأوتاوا ونيفادا بزلازل مدمرة، كما حدثت زلازل على طول الساحل الغربي، وفي كثير من بقية الولايات الأخرى.

فماذا عن مستقبل الزلازل في الولايات المتحدة؟ هل من الممكن أن تصاب في أحد الأيام إحدى المدن الكبرى التي لا تقع على الشاطئ الغربي بزلزال عنيف كالذي حدث في سان فرانسيسكو؟

إننا لا نعلم ولا يستطيع أحد أن يتكهن بذلك. ولكن هنالك دائماً احتمالا الحدوث ذلك. فلعلك تذكر أنه حدث في سنة ۱۹۲۹ زلزال من أعنف الزلازل الحديثة تحت المحيط الأطلسي على مسافة لا تبعد عن نيويورك بأكثر من ۸۰ ميل..

فهل نستطيع أن نفعل شيئاً إزاء هذه الزلازل؟ إننا بطبيعة الحال لا نستطيع أن تهرب بعيداً عنها. بل إنه ليس من الضروري أن نفعل ذلك.

وكل ما نستطيع أن نفعله هو أن نتعظ من الدروس التي ألقتها علينا الزلازل. لقد علمتنا كل من مسينا وطوكيو وسان فرانسيسكو شيئاً واحداً ينبغي أن نفعله هو أن نجعل مبانينا حصينة ضد الزلازل.

وللتأكد من ذلك ينبغي أن نتصور أن عملاقاً ضخماً يستطيع أن يقبض على أحد المنازل أو العمارات السكنية ثم يقلبه رأساً على عقب.

فهل يؤدي ذلك إلى تساقط جميع الأسقف وجميع الأرضيات حتى لا يبقى إلا الطابق الأسفل (البدروم) في قبضته، أم هل يبقى البناء متينة متماسكاً كأنه ناطحة سحاب من الصلب الملحوم فلا يتساقط منه إلا بعض البنات السائبة بالمدخنة؟ إذا كان الأمر كذلك فإن البناء يكون في مأمن من الزلازل.

 وهنالك أيضاً مشكلة الحرائق. لقد تعلمنا المرة تلو المرة أن الحريق الذي يعقب الزلزال يكون أشد فتكاً بالأرواح والممتلكات من الزلزال نفسه. في زلزال سان فرانسيسكو لم يتسبب الزلزال ذاته إلا في 5٪ من الخسارة في الممتلكات. بينما تسببت النار في تدميرها.

فقد انكسرت المواسير الأساسية للمياه في المدينة فانعدم ضغط المياه ثم أفلت زمام النار من الأيدي فاستشرى لهيبها طيلة ثلاثة أيام.

واضطر الناس في النهاية إلى نسف المنازل في طريق النار بالديناميت حتى لا تكون وقوداً لها، وأخيراً نزل الغيث فأطفأ النيران.

ويحتمل أن تتعرض سان فرانسيسكو لزلزال آخر. ولكنها لن تتعرض مرة أخرى لمثل هذه الحرائق، فقد اتخذت الاحتياطات لعمل مجموعة من أنابيب المياه المتباعدة عن بعضها البعض. كما أنشئ مركز خاص لإطفاء الحرائق يمكنه أن يحصل على الماء من خزان آخر، بل يمكنه أن يملأ خراطيم الحريق من ماء البحر.

كما أنشئت بالإضافة إلى ذلك مجموعة من الخزانات تحت الأرض في أماكن مختلفة من المدينة. ولأهالي سان فرانسيسكو أن يطمئنوا لأن كل ما في الإمكان قد عمل لحماية مدينتهم من الحرائق

وتستطيع المدن الأخرى أن تحذو حذو سان فرانسيسكو، فن الخير أن نغلق باب الحظيرة قبل أن يسرق الحصان، ومن الحكمة أن نتخذ الاستعدادات المواجهة الزلازل بدلا من أن نقول إنها لا يمكن أن تقع لدينا.

ونحن لا يمكننا أن ننتظر حتى يتنبأ لنا العلماء بالزلازل. وسوف ينقضي وقت طويل قبل أن يتمكن أحد من التنبؤ بوقوع أحدها. لقد حقق التنبؤ بحدوث البراكين كثيراً من السبق إذا ما قورن بالتنبؤ بوقوع الزلازل. وهذا أمر طبيعي، فالبراكين قائمة يمكن مشاهدتها.

حقيقة إنا لا نستطيع أن نعرف أين سينبثق بركان جديد، ولم يكن أحد يستطيع أن يتكهن أن ديونيز بو بوليدو، الفلاح المكسيكي، سوف يكون في يوم من الأيام المالك التعيس لبركان صغير، ولكننا نستطيع أن نعرف بصورة عامة متى يصير البركان مصدراً للخطر.

ويتعاون اليوم علماء البراكين مع علماء الزلازل لحماية العالم من الثوران غير المتوقع للبراكين وتحذير الناس الذين يعيشون بالقرب منها عند اقتراب الخطر. وليس هؤلاء العلماء حتى الآن في عصمة من الخطأ والتخبط كما يدل على ذلك ما فقد من الأرواح عندما انفجر مونت كلامنتون عام ۱۹۰۱.

ومع ذلك فإن العلوم ماضية في تقدمها. لقد أنذر العلماء عام 1914 الأهالي الذين يعيشون فوق جزيرة ساكوراجيما باليابان بأن بركانهم يتأهب للثوران.

وعلى الفور حمل جميع السكان البالغ عددهم 23.000 نسمة على مغادرة الجزير. وعنده وقع الانفجار الكبير لم يصب أحد من سكان الجزيرة بسوء.

إننا نسير قدماً. لقد بدأنا ندرك أن هذه الأرض غير المستقرة التي نعيش عليها تجدد قشرتها، وندرك في الوقت ذاته ماذا ينبغي أن نقوم به لنجعل هذه العملية تمر بسلام فلا تؤذي الإنسان. وحيث إن المعرفة تتوقف إلى حد كبير على ما نبذله من جهد فإننا نتطلع إلى المستقبل في ثقة.

فسوف يأتي ولا شك الوقت الذي لا يخشى فيه الناس البراكين، والذي لا تسبب فيه الزلازل سوي كسر بعض أواني الزهر وأطباق الطعام. حقيقة إننا لا نستطيع أن نمنع الحبال من أن تنشأ، بل لا نريد ذلك، ولكننا نستطيع أن نتعاون مع الطبيعة، ونستطيع أن نصون أنفسنا من الأضرار أثناء تغيير المعالم الجغرافية للعالم الذي نعيش فيه وتجديدها.