كيف تعمل آلة البيانو؟

عندما يصل الأخصائي بدوزان البيانو إلى منزلك، فكل ما يحتاج إليه لإنجاز مهمته هو شوكة الدوزان، وكرنك (ذراع الإدارة)، وإسفين منقبض، وأخيراً أذن مدربة. ويحصل هذا الأخصائي على صوت الشوكة بمجرد فرعها وجعلها تهتز، مهدرة النوتة A فوق النوتة الوسطىC، وهي أول نوتة تتم دوزنتها في الثماني نوتات المركزية في البيانو.

وتقدر الطبقة الصوتية المعيارية للنوتة A في كل من الأميركيتين، وأوروبا، والاتحاد السوفياتي، بـ A-440. ويمثل هذا الرقم تواتر الطبقة الصوتية، أو عدد المرات التي يهتز فيها الوتر بالثانية عند ضربه.

وبما أن طبقة صوت كل مفتاح من مفاتیح البيانو (ما عدا الصمود الخفيض» يصدر في الواقع عن ثلاثة أوتار بدل الوتر الواحد، فإن الأخصائي يستعمل الأسفين اللبادي لخنق صوت الوترين الباقيين من النوتة A فيها يتوزن الوتر الأول بالتناغم مع صوت الشوكة. وفيما إذا كانت طبقتا المصوتين متقاربتين ولكن غير متطابقتين، فإن الاخصائي سوف يسمع سلسلة نبضات وضربات ناتجة عن اختلاف التواترین. وكلما تباعدت طبقتا الصوتين كلما كانت هذه النبضات أسرع. فقط عندما تتناغم النوتتان تبطیء النبضات أو تتوقف.

والمعلوم أن طبقة صوت كل وتر من أوتار البيانو يحددها طوله، ولهذا فإن الأخصائي يصحح طول الوتر مستعملاً لذلك الكرنك الإدارة اللاقط الذي يشد الوتر. وعندما يصبح دوزان الوتر A الأيسر مضبوطاً حسب العيار 440، يستغني الاخصائي عن الشوكة التي لا يعود لها لزوم، وينتقل إلى الوترين المتبقيين.

أما النوتات المتبقية من السلم المركزي فتتم دوزنتها وفق المسافة الزمنية (علماً أن المسافة بين نوتتين، A و B مثلاً، هي ثانية، و CA هي ربع ثانية، وهكذا)، ويبدأ المسلسل الاعتيادي بالنوتة الخامسة الأخفض من A (أيD)، ثم ينتقل إلى النوتة الرابعة الأعلى من (أيD)، ثم إلى بقية النوتات الخامسة والرابعة ثم السلم الثماني، ثم الثالثة، وهكذا حتى تكتمل النوتات الاثنتي عشرة. وبذلك يكمل الإخصائي دوزنة كامل الأوتار في البيانو، والبالغ عددها 235. (وهذا الرقم قد يختلف، نظراً لأن بعض البيانوهات تحتوي على أوتار خفيضة أكثر من غيرها).

وبإمكانك أن تفترض بعد الانتهاء من دوزان البيانو أن هذه العملية قد تمت على أكمل وجه، إلا أن هذا الافتراض خاطىء، ولو كان صحيحاً لالتقطت أذنك بعض النوتات النشاز تماما. والواقع أن النوتات في البيانو المدرزن لا تتناغم تماما مع بعضها، ومع ذلك فإن الأذن الحديثة (أي منذ أيام باخ) تعودت (الأخطاء)، وقد يبدو ذلك منافياً للمنطق، إلا أنه لو حاولنا دوزنة البيانو وفق النظام الأصلي الذي أبتكره فیثاغورث حصلنا على بعض النوتات المتناغمة تماماً وأخرى نشاز كلياً، ولهذا فقد جاء الحل الميتكر منذ 250 سنة تقريبا ليقسم السلم الثماني إلى 12 أنصاف نغم متساوية، والتوزيع هذا النشاز في النغم بتساو على هذه الأنغام النصفية.

وبالنهاية فإن السلم الثماني فقط هو الصحيح سمعياً. وهذا النظام نجده في مقطوعة باخ المشهورة "الأرغن الهاديء"، وفي مقطوعات "البرلیود" و"الفوغ" الثمانية والأربعين، المخصصة لكل مفتاح أساسي ومفتاح فرعي والتي يمكن لعبها هي نفسها إنطلاقاً من مفتاح موسيقي.

وعندما يتم دوزان البيانو وفق المعايير الحديثة، فإن كل نوتة خامسة تتسطح (أو تتخفض طبقتها بمقدار 50/1 من نصف الصوت ويعرف الاخصائي علي التناقض في الأموات بمجرد ان يسمع النبضة الراحلة بالثانية وهو بلوزن الأوتار الخامسة، وهذا التناقض يتوسع في النوتات الأخرى.

ولهذا فإن الأخصائي يعرف من يستمع إلى النبضات الأسرع في النوتات الأصغر، وعلى هذا الأساس فإنه يزيد من حدة النوتة الثالثة (أو يرفع طبقتها الصوتية بمقدار 2/1من نصف الصوت، أي ما يعادل ثماني نبضات بالثانية عند عزف النونة الثالثة من 6 إلى 8 مثلا. وهذا يعني أن أيا من النونات لا تكون دقيقة الدوران، إلا أنها كلها تخطيء بالمقدار نفسه.

ومع أنك تسمع طبقة صوتية واحدة فقط عندما تضغط على أحد أصابع البيانو، إلا أن كل نونه في الواقع تتألف من أصوات مركبة، أو نغمات منسجمة. ويعود هذا إلى كون كامل الوتر يتذبذب بتواتر واحد في كل أقسامه، وبالأخص عند النصف، والثلث، والربع (وهكذا دواليك). وبذلك تكون لكل نونة نغمتها المنسجمة، وبإمكانك أن تختبر ذلك على البيانو في منزلك.

فيكفي أن تخفي صوت النوتة C الوسطى، وأن تلعب النوتة C الأخفض، فتحصل کما لو بفعل ساحر على النوتةC العليا كذلك. ونحصل على نغمة الوتر الأوسط، اي نصف طول الوتر C الأخفض بواسطة الاهتزاز التأثيري. كما يمكن الحصول على نوتات أخرى في سلسلة النغمات عن طريق خفض النونةC فوق c الوسطى (أي الوتر الخامس)، وC العليا (الوتر الرابع)، ثم E (الثالث (.

وتعتبر مسألة التناغم الانسجامي مسألة مهمة في عملية دوزان البيانو نظراً لأنها تشكل أساس العلاقات بين النوتات، وتملك بعض النوتات في السلم الموسيقي خصائص نغمية مشتركة مع بعضها، كما أن الطبقات الصوتية في سلم معين تنحدر في الواقع من الطبقات الصوتية في مجموعة نغمية منسجمة وكما سبق وذكرنا فإن النوتات التي يتضمنها السلم الموسيقي المركزي تتعدل قليلاً لتتناسب مع الأذن البشرية، وعلى هذا الأساس فإنها ليست سوى طبقات صوتية تقريبية من النغمات المنسجمة.

ولا يتم الانتهاء من دوزئة السلم المركزي، الذي تلتقطه الآن البشرية أفضل من غيره، فإن كل المفاتيح المتبقية تتدوزن بحسب مفاتيح هذا السلم.