يبدو اختراع الألة الناسخة الفورية (ماكينة التصوير) وكأنه معجزة، فها هي آلة قادرة على صنع نسخ واضحة وتدوم في خلال خمس ثوان، وغالباً ما تكون هذه النسخ أفضل من الصورة الأصلية.

ولم يكن اختراع الآلة الناسخة ليوجد ـ كغيره من الاختراعات الحديثة ـ لو أنه أعتمد على قوانين الفيزياء الكلاسيكية التي وضعها اسحق نيوتن. إذ تحتفي هذه الآلة لصنع معجزتها إلى التعامل مع جزئيات أصغر من الذرة نفسها، وإلى فهم عامل الضوء، وهو الأمر الذي لم يكن متوافراً حتى شرحه كل من ماكس بلانك وألبرت أينشتاين، الفيزيائيان المعروفان، عند مطلع هذا القرن.

وقد أثبت هذان العالمان أن الضوء يتصرف على شكل مجرى من الجزئيات، تعرف ب (الفوتون)، (وحدة الكم الضوئي).

ومنذ ذلك الوقت، تمكنت التقنية الحديثة من أكتشاف عنصر الناقل الجزئي: وهو عبارة عن مادة غير ناقلة للكهرباء عادة، إلا أن بإمكانها ذلك تحت ظروف معينة.

والكهرباء ـ کما هو معلوم ـ هي عبارة عن دفق من الإلكترونات (الكهيريات): أما في حالة ذرات الناقل الجزئي فإن الإلكترونات هذه تكون ملتصقة جداً بنواتها لدرجة أنها لا تري داخل المادة حين تتعرض لشحنة كهربائية. إلا أنه عندما تتعرض هذه الإلكترونات الى صدمة مصدرها الفوتونات المتحركة على موجة معينة، فإنها تصبح، بموجب هذا الظرف، مادة ناقلة للكهرباء.

وهذا يحدث عندما (يدفع) كل فوتون إلكتروناً بعيداً عن نواته، مما يمنح هذه الجزئيات حريتها في التحرك. وتمتاز بهذه الخاصية كل من العناصر التي تحتوي على السليكون (سلیسيوم) أو السلينيوم، أو الزرنيخ، أو السلفيد (كبريتيد) أو الجرمانيوم.

وفي حالة آلة النسخ الفورية فإن الأسطوانة بداخلها المكسوة بمادة ناقلة جزئياً تتلقي الضوء، وتشكل نمطاً من الذرات الناقلة وغير الناقلة، وتحول هذا النمط إلى الورقة التي تنطبع عليها الصورة.

والذي يحصل أنه عندما تضع الوثيقة المطلوب نسخها على الزجاج في أعلى الآلة، وتضغط على الزر النون (أطبع)، فإن الأسطوانة المصنوعة من الألمنيوم بداخل الآلة، والمغطاة بطبقات من مادة السلينيوم الناقلة جزئياً ومادة الزرنيخ السليني، تشرع بالدوران.

بعدها يعمد قطب كهربائي بـ (رش) الأسطوانة بطبقة مؤقتة مؤلفة من جزئيات موجية يكون مصدرها جزئیات الهواء المحيط بالألة. وتسمى هذه الجزئيات الموجبة بـ (الشاردة) (ions) وبذلك تتكون صورة الآلة من نمط للجزئيات الشاردة الموجبة ومن الجزئيات المحايدة الموجودة على سطح الأسطوانة.

بعد ذلك يخترق ضوء زجاج الطبقة العليا من الألة، ويصيب الوثيقة الموضوعة على وجهها فوق الزجاج، ثم ينعكس على الصفحة ويرتد مجدداً إلى الأسطوانة. وترد الأجزاء البيضاء من الوثيقة أكثرية الضوء الذي يصيبها وتعكسه باتجاه الأسطوانة، أما الأجزاء السوداء أو الداكنة فهي تتشرب الضوء بدلاً من عكسه باتجاه الطبقات الموازية لها من الأسطوانة، وفي هذه المرحلة، وهذه المرحلة فقط، تقوم المادة الناقلة جزئياً، والتي تغطي الأسطوانة، بمعجزتها وبالتالي فإنه كلما انعكس نوتون متحرك على الصفحة وارتده ليصطدم بذرة ناقلة جزئياً على الأسطوانة، قامت هذه الذرة بدورها بدفع أحد الكترونات الذرة بعيداً عن نواته.

(وللعلم هنا فإن الإلكترونات تحمل شحنات سالبة، وأن الشحنات الكهربائية التي تحمل إشارات مضادة تنجذب إلى بعضها، بينما تلك التي تحمل الإشارات نفسها ترتد). وحالما يبتعد الإلكترون عن نواته يتجذب پدوره باتجاه، طبقة الشاردات الموجبة خارج الطبقة الناقلة جزئياً للاسطوانة وهكذا يقوم كل إلكترون بالانضمام إلى شاردة ويحيدها. (ويقوم التيار الكهربائي الذي يمر بمادة الألمنيوم بداخل الأسطوانة باستبدال الإلكترونات (المدفوعة) خارج ذرات المادة الناقلة).

وفي المناطق البيضاء من الصفحة تقوم الفوتونات باستحداث منطقة محايدة كهربائياً على الأسطوانة وفيها تترك المناطق السوداء المناطق الموازية لها مشحونة إيجابياً، طالما أن أياً من الإلكترونات لم يندفع خارج المادة الناقلة جزئياً لتحييد الشاردات الموجبة.

وتكون الصبغة السوداء، التي تظهر على النسخة التي تصدرها الآلة، (وهي على فكرة لیست حبراً) مؤلفة من كرات سوداء صغيرة جداً، لا يتعدى قطرها واحد على مليون إنشاً.

ويطلق مخترعو الآلة الناسخة الفورية على هذه الكرات إسم "بي. بي. أس". وتعمل هذه الكرات السوداء عادة شحنات سالبة قوية، إلا أنها عندما تكون مخزونة بانتظار الاستعمال، فإنها تكون ملتصقة بكرات أكبر "ناقلة" موجبة الشحنة، أما الغرض من هذه الكرات الكبيرة فهو ـ بكل بساطة ـ من نقل المادة المصبوغة السوداء من مخزنها باتجاه الصورة. فبعد أن تكون هذه الصورة قد انطبعت على وجه الأسطوانة، تقوم هذه الأخيرة بالدوران حتى تمر فوق مخزون الصباغ. وبما أن الشحنات الموجبة للمناطق السوداء من الأسطوانة تكون أقوى من شحنات الكرات السوداء الكبيرة الناقلة الموجبة أيضاً، فإنها تقوم بجذب الكرات الصغيرة السالبة بقوة إليها، مما يدفع بهذه الكرات إلى سطح الأسطوانة.

في آلة النسخ تقوم الفوتونات (جزئيات الضوء) بإصابة الأسطوانة (والتي يشار إلى سطحها بعلامة الزائد) و"دفع"، الإلكترونات بعيداً عن طبقة ذرات السلينيوم الناقلة جزئياً (الطبقة المركزية). وتنجلب هذه الإلكترونات السالبة باتجاه طبقة الشاردات الموجبة (في الأعلى).

وينضم كل الكترون واحد إلى شارد واحد، مما يحدث جزيئاً محايداً (الدوائر السوداء). وتقوم طبقة الألمنيوم (في الأسفل) بتغذية ذرات السلينيوم بالكترونات جديدة جديدة بهدف محييدها بالأخص في المناطق التي دفعت الإلكترونات خارجها.

أما الشاردات الموجبة التي تبقي على الأسطوانة بعد تعريضها للضوء (الدوائر البيضاء) تجذب الصبغة السوداء المشحونة سلبياً وتنقلها إلى الورقة في طور الطباعة، هذا بينما تقوم المناطق المحايدة (الدوائر السوداء) بإهمال الصبغة السوداء وبترك المناطق البيضاء على بياضها في النسخة الصورة.

وهكذا تصبح النسخة المتشكلة من كرات الصباغ السوداء جاهزة للطبع. ولفة إضافية تجلب الأسطوانة ورقة الطباعة إليها، والتي تحمل عادة شحنة موجبة أقوى من تلك على الأسطوانة، ولهذا فهي تجذب الكرات السوداء الصغيرة حالما تمر فوقها. أما المرحلة الأخيرة فهي تقتصر على تسخين النسخة وضغطها على الأسطوانة حتى يلتصق الصباغ عليها، قبل خروجها من الألة. وتتميز النسخة حال خروجها بسخونتها وبشحنتها الكهربائية الثابتة، إلا أنه بعد خروجها بدقائق لا يعود بالإمكان تمييزها عن النسخة الأصلية.

وفي أثناء ذلك تمر أسطوانة الألة فوق فرشاة تنظيف تنزع عنها ما نبقي من الصباغ فوقها قبل أن ينسكب فوقها الضوء القوي مجدداً لمحي الصورة القديمة بانتظار النسخة القادمة.