تزود أغلب الطائرات المقاتلة الحديثة بصواريخ متقصية للحرارة، يبلغ طولها نحو تسعة اقدام، وتكون مهمتها تقصي طائرات العدو وتدميرها كما لو أن لها إرادة خاصة بها.

وتوجه هذه الصواريخ مباشرة نحو مصدر الحرارة، مثل تحرك الطائرة. وتذكر من بين هذه الصواريخ الأميركية الصنع، صاروخ "ساید وندر" (المسمى كذلك تيمناً بالأفعي التي تحمل الاسم نفسه، وتعيش في الصحراء غرب الولايات المتحدة، وتطارد أثر غريمها بحسب حرارة جسمه)، الذي يلاحق طائرة العدو حتى لو قام طيارها ببعض المناورات الجوية، مثل الالتفاف المفاجئ أو الدوران، أو الهبوط. وقد طُورت هذه الصواريخ في الخمسينات من هذا القرن، وأستعملت لأول مرة من قبل طائرة مقاتلة صينية وطنية لإسقاط طائرة صينية شيوعية في العام 1958.

والمعلوم أن أي شيء في نظامنا الشمسي يحتوي على بعض الحرارة؛ بمعنى ان جزيئاته وذراته تصطدم ببعضها وتتذبذب. فإذا قلنا مثلا أن هذا الجسم أسخن من ذلك، فإننا نعني بذلك أن جزيئاته تصطدم ببعضها بتواتر اکبر. والآن، عندما تتذبذب هذه الجزيئات، فإنها تشم عن موجات كهرو مغناطيسية تنبعث من الجسم إلى كل الاتجاهات.

فالشمس مثلاً لاهية جداً (وتصل حرارتها إلى 11 ألف درجة فهرنهایت) لأن جزيئاتها تتذبذيه بتواتر کبير جداً، ويبعث أكبر كمية ممكنة من الاشعاع في مدي الضوء المنظور التي تصل درجته إلى نحو كدريليون (1510) مرة بالثانية. فيما الأشياء التي تقل حرارة عن الشمس، مثل محرك الطائرة الحربية تبعث أكبر كمية ممكنة من الإشعاع بذبذبة اخفض ضمن نطاق الأشعة ما تحت الحمراء، أي بمعدل ذبذبة مقداره 100 بليون مرة بالثانية. ولهذا فإن أجهزة التحكم بصاروخ "ساید وندر" تجعله يتبع مسلك الجسم الذي يبعث أكبر كمية ممكنة من الاشعاع ضمن نطاق الأشعة ما تحت الحمراء.

وتعتمد ميكانيكية الملاحقة التي يتبعها الصاروخ على الظاهرة المعروف باسم "الموصلية الضوئية". إذ أن بعض الأجسام المسماة بـ "الموصلة جزئياً" تمتنع عن تحرير التيار الكهربائي فيها تحت أغلبية الظروف، إلا أنها تفعل ذلك عندما تصطدم بتواتر معين من الطاقة الكهرومغناطيسية. والمعلوم أن مادة معينة تكون موصلة للكهرباء عندما يمكن لالكترونات ذراتها أن تشرد بعيداً عن جاذبية نواتها، وأن تسافر كمجموعات من جسم إلى آخر، ولهذا فإن الأجسام الموصلة العادية مثل النحاس والبلاتين تنقل التيار الكهربائي في كافة الظروف، ومن دون حاجة إلى مزيد من الطاقة: فيها الموصلات الجزئية، مثل الجرمانيوم، والسيليكون، والزرنيخ، وغيرها، تحتاج إلى صدم الكتروناتها بعيداً عن النواة بطلقة ضوء ذات تواتر معين قبل أن تصبح ناقلة للكهرباء، وهذه الخاصية في الواقع تجعل هذه الأجسام ذات نفع کبير لصناعة الكبس الكهربائي.

ويتضمن بوز الصاروخ الحراري "نافذة" خاصة تتلقى موجات الضوء أثناء تحليقه وتبثها باتجاه أنظمة التحكم بالمسار. وتسمع الموصلات جزئياً للكهرباء بمرور التيار فقط عند صدمها باشعة الضوء ما دون الحمراء، وطالما أن بوز الصاروخ المخروطي الشكلي يتألف من خلايا موصلة جزئياً للكهرباء، فإن أية محاولة للطائرة بالهبوط هرباً من الصاروخ، سوف تؤدي إلى تعریض خلايا الجهة السفلى من الصاروخ إلى كمية أكبر من الاشعاع، مما يؤدي بدوره إلى تحويل هذه الخلايا إلى أجسام موصلة كلياً للكهرباء، وبالتالي في إيصال التيار ادارات الكومبيوتر، الذي يشير إلى دفة التحكم باتجاه الصاروخ بالهبوط وراء الطائرة.

ومن هنا فإن أية مناورة يقوم بها الطيار تسجلها الخلايا الموجودة في بوز الصاروخ وتغير مساره وفقها. وفي الوقت نفسه فإن الرادار الموصول برأس الصاروع المتفجر يرسل موجات رادارية (مايكر ويفس) باتجاه الهدف، بحيث تصطدم به وترتد عليه باتجاه اللاقط في الصاروخ.

ويعمل الكومبيوتر عندها على قياس الزمن الذي استغرقته موجة الاشعاع منذ لحظة البث إلى لحظة التلقي. وكل اقترب الصاروخ من المدن كلها تقلصت المدة حتى تصبح آنية، الأمر الذي يؤدي بالكومبيوتر إلى إعطاء الإشارة بالتفجير، فتطلق الشحنة البالغة 24 باونداً، وتدمر الطائرة العدوة.

ولكن السؤال الذي يطرأ هنا هو كالتالي: بما أن الشمس ترسل كمية كبيرة من الأشعة ما تحت الحمراء، فلماذا لا يتجه الصاروخ باتجاه الشمس مباشرة والأسباب علة: أولاً، إن الصاروخ يلتقط الموجات الاشعاعية من الأمام فقط، وبالتالي فهو لا يتنبه لأشعة الشمس إلا في حال كان اتجاهه مباشرة نحوها، وهو الأمر الذي يتجنبه الطيارون عموماً.

وبالإضافة إلى ذلك فإن نظام الكومبيوتر الملحق بالصاروخ يتفادى مثل هذا الخطأ عندما يكون الهدف منطلقاً في إتجاه الشمس. كما أن الشمس ترسل كميات كبيرة من موجات الضوء المرئية وكذلك الموجات من دون الأشعة الحمراء، أكبر من الموجات التي تبعثها طائرة العد. ولذا فإن التعليمات التي يختزنها الكومبيوتر تشير عليه بتجاهل أي أشعة ما تحت الحمراء تزيد عن المعدل المطلوب.

ومن ناحية ثانية، فإن أغلب الطائرات الحربية الحديثة تحمل قنابل حرارية تطلقها عندما يهددها خطر الصاروخ المنتمي للحرارة من أجل خداع خلاياه السامية للضوء. كما أن أغلبية الطائرات اليوم تبث إشارات إذاعية هدفها لخبطة التعليمات التي يصدرها الكومبيوتر والعبث بجهاز التحكم الخاص بمسار الصاروخ. كذلك، فإنه من الطبيعي أن نجد الصواريخ الحديثة اليوم مزودة بأجهزة مضادة للتشويش، تميز بين القنابل الحرارية، ومحرك الطائرة، والشمس.