أول من عرفوا السفر في الصحراء:

من المستحيل معرفة أول من شهد أقدم طرق السفر في الصحراء. فإن تلك الطرق كانت موجودة قبل بداية تسجيل تاريخها، وقبل أن يتتبع رنيه كاييه وروى نشيمن آندرز طرق القوافل عبر الصحراء الكبرى وصحراء غوب بقرون .

ولكن من السهل تخمين السبب في اختيار الطرق. فقلما كانت الطرق عبارة عن خطوط مستقيمة عبر الصحراوات. وفي كل حالة كانوا ينتقلون من واحة إلى أخرى أو من بئر إلى بير . وبكلمات أخرى، أنشأ كل طريق رجال كانوا يبحثون عن طرق مزودة بالماء تخترق الصحراء . وربما استغرق ذلك وقتاً طويلا.

الجمل الوحشي والسفر في الصحراء:

ومن السهل أيضاً أن نخمن أنه لم تكن هناك طرق لنقل البضاعة بتاتاً عبر الصحاري القاحلة جداً، إلى أن استأنس الإنسان الجمل الوحشي. فإن ذلك الحيوان هو خير ما أعد للسفر مسافات طويلة بدون ماء. ولا يعرف أحد معرفة يقينية أين استؤنس الجمل ودرب على حمل الأثقال والركاب، ومتى .

ومن المحتمل أن يكون ذلك قد حدث منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة خلت في جنوب غربي آسيا. ومن المحتمل أن تكون طرق تلك المنطقة هي أقدم الطرق في العالم . وفيا بعد انتشر استخدام الجمل حيواناً للنقل في شتى أنحاء آسيا ، ثم في شمالي أفريقيا .

وما لبثت أن اخترقت طرق القوافل الصحاري في كل اتجاه.

تاريخ السفر عبر الصحراء :

وليس كل قوافل الصحراء بمتشابهة، فبعضها يتكون من تجار ، وبعضها الآخر من مستكشفين ، ثم إن بعضها الآخر يتكون من حجاج في طريقهم إلى معبد ما أو مدينة مقدسة . وفي الصحراء الكبرى والصحراء الإيرانية والصحراء العربية تحمل الجمال وحيدة السنام بضائع المسافرين ، وفي صحراء غولي يستعملون الجمال ذوات السنامين، جمال الصحراء الكبرى تطعم تمراً إذا لم تكن هناك مراع في الطريق.

ولكن جمال صحراء غوبي تتناول حبوباً موضوعة في كيس معلق في مقدم الرأس. وتحصل جمال الصحراء العربية أحياناً على سردين مجفف . ويحتال سائقو جمال الصحاري عليها بالحداء ، ليدفعوها قدماً . ولكن كل قوافل الصحراء تقابل المشكلات ذاها : ندرة ماء، وعواصف رملية، وطرقاً معالمها باهتة وأحياناً مختفية تماماً تحت الرمل الذي تحمله الرياح، ومرض الحيوانات وموتها ، وهجمات مفاجئة مخربة وان كانت اليوم أقل منها فيما مضى - يقوم بها قطاع الطرق والمغيرون.

ولا كانوا يواجهون المشكلات نفسها، فمن الممكن معرفة بعض الأمور عن قوافل اليوم والأمس جميعاً بمراقبة قافلة واحدة .

ولنأخذ مثلا قافلة حديثة تغادر مدينة ونتشون في الصين، وتخترق غوي إلى أولن تبتر عاصمة منغوليا . وتتكون هذه القافلة بالذات من تجار عديدين تصحبهم القوى اللازمة ، وقد استأجروا خبيراً في قيادة الجمال ليكون دليلا لهم عبر الصحراء.

وهذا الخبير مسئول عن الرحلة : وتؤخذ كلمته - ككلمة ربان السفينة - مأخذ القانون. وهو الذي يختار الطريق، والمسئول عن سلامة الرجال والحيوانات والبضاعة ، وهو يمتلك قطيعاً من الكلاب المتوحشة التي تصطحب القافلة لحراسها.

والرجال الآخرون الذين يستأجرون للرحلة هم كبير الطهاة – ويطلقون عليه «كوتو» ، أو رئيس الحل، وطاه ثان، وأخرون للجمال يطلق عليهم ساحبو الجمال.

وكل من صاحب الجمال مسئول عن صف من الحيوانات ويطلقون عليها «لين». وقلما يوجد أكثر من ثمانية عشر حيواناً في الصف لأنه حتى أمهر ساحبي الجمال لا يستطيع العناية بجمال أكثر من هذا العدد.

وعندما يجتمع المسافرون والشحنات والمعدات في ونتشون، يحمل ساحبو الجمال الحيوانات حاملة الأثقال. وهذا عمل شاق . والمعتاد أن يعمل اثنان من ساحبى الجمال معاً ، فيحملون الحيوانات في صفيهما، حيواناً حيواناً ، وتزن حمولة كل جمل حوالى ۱۰۰ كيلو جراماً ( ۳۰۰ رطلا) . فينصف الرجلان الحمولة ، واضعين نصفاً على كل جانب من جانبي الحيوان البارك . ثم يزحزح كل من شاحبي الجمال نصف الحمولة إلى المقلاع المعلق في الجانب المجاور له من ظهر الحمل . ويجب أن يتزحزح نصفا الحمولة على الحمل في آن واحد ؛ لأن نصف الحمولة يوازن النصف الآخر. وعندما يقوم الجمل، يظل الحمل الثقيل متزناً اتزاناً تاما على ظهره.

وإذ تغادر القافلة ونتشون تكون الجمال جميعاً في حالة جيدة ، وتكون أسنامها جامدة بسبب الدهن المخزون فيها طول فترة الرعي الجيد منذ آخر رحلة قامت بها الجمال.

وفي مقدم كل صف من الحيوانات يسير صاحبها، وقد جذب حبلا متصلا بوند في أنف أول حيوان. وتسير كل الحيوانات - سواء تلك التي تحمل التجار أو تلك التي تحمل البضائع والماء والمهمات الأخرى - متثاقلة قدماً في سطر واحد، في مشية فاتنة بمعدل أربعة كيلو مترات (۲٫۰ ميل) في الساعة. وفي حركتها تدق الأجراس التي على براذعها .

ويسير في مطلع كل قافلة كبير الطهاة ومعه كلاب الحراسة أيضاً.

وهو يستخدم تلك الكلاب ككشافة تنبه إلى اقتراب قافلة أخرى أو خطر مقبل في الطريق. وفي البلاد الحارة، أو حينا يعرف أن هناك قطاع طرق على مقربة، تستريح القافلة في أثناء النهار وتسافر إبان الليل فقط وقد كتمت أجراس الجمال.

وعندما يحين موعد تناول الطعام والراحة، فإن خبير قيادة الجمال يختار مكانا لتقف فيه القافلة. وهذا المكان يكون مجاورة للماء كلما تيسر ذلك. ويقيم كبير الطهاة خيمة الطعام ويوقد النار التي تعد عليها الوجبة.ويتثبت الطاهي الثاني من أن الماء صالح للشرب ويشرف على ملء براميل الماء الكبيرة.

وفي الوقت ذاته ينزل ساحبو الحمال، كل اثنين منهم معا، الأحمال من على حيواناتهم كي تستريح . وقد يجدون مرعي قريباً للحيوانات، أو يغذونها بالأغذية التي نقلوها معهم للظروف الطارئة.

وإن لم تكن هناك بر قريبة من ذلك المكان يقدمون للحيوانات ماء أحسنوا حساب كميته . ثم يفحصون أخفاف الجمال بحثا عن بثور أو إصابات أخرى، وقد يحركون قطعة من جلد الحيوانات على قدم متقرحة ليعطوها فرصة لتلتم . كما أنهم يفحصون ظهور الإبل فإن رأوا فرحاً على الظهر ، غطوها بضمادات وثيرة.

وعندما تتأهب القافلة للتحرك مرة أخرى، يعاد تحميل الجمال، وتطبق خيمة الطهو وتعبأ، وتعد الكلاب، ويعاد تشكيل صفوف السير، وتواصل القافلة السير في طريقها . وإذ تتجه القافلة شمالا، أياما متتالية منهكة، يمضى قائدو الجمال وقهم يغزلون وبر جمالهم الخشن الذي يسقط باستمرار ، ويصنعون من الخيوط جوارب.

وفي نهاية الرحلة الطويلة قد يكون لدى المرء بضعة أزواج من الجوارب المصنوعة من وبر الجمال معدة للبيع في أسواق أولن بشر . ويزيد الثمن الذي يحصل عليه في مقابل الجوارب من مكاسبه في الرحلة . وفي أولن بتر يبيع تجار القافلة بضائعهم أيضاً، ويشترون منتجات أخرى ليعودوا بها إلى ونتشون .

السكك الحديدية الحديثة عبر الصحراء:

والآن يصل خط سكك حديدية جديد ونتشون بأولن بر. وفي صحارى أخرى تحل خطوط السكك الحديدية والطرق محل طرق القوافل القديمة.

وإنشاء طرق في الصحراء ووضع علامات بها عملية مرهقة دائما. وذلك لأن من العسير الحصول على أكل وماء للعمال على طول الطريق ، إنما يجب أن يجلبا إلى الصحراء بأثمان مرتفعة . وثمة سبب آخر هو وعورة كثير من البلاد الصحراوية ، حيث تكثر الأخاديد والتلال الوعرة .

ولكن يُسهل إنشاء الطرق بكل أنواعها وجود مساحة من الطين الصلد المضغوط، أو طبقة من الأحجار التي صقلتها الرياح. أما الكثبان الرملية المتحركة فتجعل العملية تكاد تكون مستحيلة.