إن البراكين الخامدة لا تثور جميعاً بنفس الطريقة تماماً، ولا ترجع الخسارة في الأرواح التي تتسبب عنها إلى انفجار الإعصار دائماً. فعندما انفجر كراكاتوا عام ۱۸۸۳ أودى بحياة عشرات الآلاف من الناس لا بسبب الاحتراق أو الاختناق وإنما بسبب الغرق.

كانت كراكاتوا جزيرة كثيرة الأشجار تقع في قطاع ضيق من البحر بين جاوة وسومطرة. وقد بنيت وارتفع بناؤها حتى وصل إلى 2400 قدم نتيجة الاتصال مجموعة من البراكين تراكمت رواسبها البركانية تدريجيا.

ولم تكن الجزيرة كبيرة كما أنها لم تكن مأهولة بالسكان، غير أن بعض الناس كانوا يذهبون إليها مراراً للحصول على الفواكه البرية. وهم يعلمون جميعاً أن كراكاتوا كانت بركاناً.

بل وكانوا أحياناً يشاهدون البخار والتراب يندفعان من بعض الفوهات بها. ولكن عندما انقضى ما يقرب من ۲۰۰ سنة دون أن يحدث ثوران في الجزيرة، اعتبر الناس أن أمر البركان قد انتهى فمظهره يدل على ذلك.

غير أن مخبره لم يكن هدوءاً وسلاماً كله. فبينما كان الناس مشغولين بشئون حياتهم كان البركان يتأهب على مهل لأعنف انفجار عرف في العصر الحدين ولا يستطيع العلماء أن يجزموا على وجه الدقة بما كان يحدث بداخله، ولكن جميع الدلائل تجعلهم يعتقدون أن ثوران كراكاتوا كان انفجاراً بخارية.

لقد انفجر البركان كما ينفجر المرجل عندما يرتفع ضغط البخار داخله ارتفاعاً زائداً على الحد | ومن اليسير أن نتصور كيف يمكن أن يحدث ذلك، فالصخور السطحية في كراكاتوا كانت منذ زمن بعيد مشبعة بماء البحر الذي يتسرب إليها حينما كان يجد شقاً أو فتحة فيها. ولم يكن هذا الأمر وحده ليسبب ضرراً ولكنه عندما تزداد الحرارة تبدأ المتاعب في الظهور.

ذلك لأن الحرارة تحول الماء الذي بالصخور إلى بخار، وقد ترتفع درجة حرارة البخار لتحوله إلى بخار فوق مسخن فيتمدد ويزداد ضغطه على الصخور التي تحتويه، وأخيراً قد تعجز الصخور عن الصمود أمام هذا الضغط فتفسح له الطريق ويحدث الانفجار المروع.

ففي مايو عام ۱۸۸۳ كان تصاعد الحمر مصدراً للحرارة اللازمة لبدء هذه العملية. أخذ البخار يتكون ببطء وبدا للعالم الخارجي وكأن كراكانوا عادت إليه الحياة فجأة وأنه يثور كما يثور أي بركان آخر. كان ذلك هو ما حدث فعلا في بادئ الأمر، فقد انفجر البركان محدثاً أصواتاً عالية أمكن سماعها على بعد مائة ميل، وتصاعد الدخان إلى ارتفاع سبعة أميال تساقط التراب على مسافة تبعد عن البركان بثلاثمائة ميل.

واستمر كراكاتوا على هذه الحالة أربعة عشر أسبوعاً ظل خلالها يزمجر ويلفظ في بعض الأحيان الدخان بكميات متفاوتة. ولم يكن كل ذلك سوى المقدمة أو الفاتحة...

وفي يوم الأحد السادس والعشرين من شهر أغسطس توارت الجزيرة وراء سحابة من البخار الأسود، وكانت هنالك أصوات انفجارات خلف الستار استمر البرق يومض خلال البخار، وتساقطت الحجارة من السماء. ومع ذلك لقد تأجلت الانفجارات الكبرى لليوم التالى.

وكانت أربعة من هذه الانفجارات كلها عنيفة غاية العنف. وكان ثالثها أشدها عنفاً، لدرجة أنه لا يمكن مضاهاة شدته بأي شيء آخر، فقد قيل إنه أعلى دوي حدث على هذا الكوكب وقد سمعه خفير للسواحل في جزيرة رودريجوز على بعد ثلاثة آلاف مبل، وقام بتسجيل الزمن الذي سمع فيه الانفجار بدقة.

لقد سمع الصوت بعد مضى أربع ساعات من الانفجار، وكان ذلك هو الزمن الذي يستغرقه الصوت في قطعه مسافة تعادل المسافة بين سان فرانسيسكو ونيويورك.

وعند وقوع هذا الانفجار الثالث العنيف، اندفع التراب من كراكاتوا وارتفع عالياً في السماء وبلغ علوا لم يعرف له الإنسان مثيلا على سطح الأرض منذ وجوده. فلقد بلغ ارتفاع الدخان سبعة عشر ميلا وربما أكثر من ذلك.

واستمر الدخان عالقاً في الهواء، لأن هذا الارتفاع لم يسمح له بالهبوط مباشرة.

ذ أن الرياح في هذا المستوى تهب بسرعة أكبر بكثير من سرعة الإعصار مما يجعلها تحمل التراب وتذروه. ولقد حملت الرياح هذا التراب وطافت به حول الأرض كلها. وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً عادت سحابة التراب إلى المكان الذي بدأت منه.

ومع ذلك فإن التراب لم يسقط آنئذ. لقد حملت الرياح ودارت به حول الأرض دورات عديدة، ربما بلغ عددها اثنتي عشر دورة. وانقضى عامان كاملان قبل أن تهبط آخر ذرات التراب من كراكاتو إلى الأرض.

وقد حجبت طبقة التراب السميكة التي صعدت إلى طبقات الحر العليا قدراً كبيراً من ضوء الشمس إلى حد هبطت معه درجة حرارة الجو في ذلك العام ثلاث عشرة درجة عن معدلها. وكان منظر غروب الشمس في جميع أنحاء العالم أحمر الدم بسبب ذلك التراب.

لقد كانت تلك هي آثار الانفجار في المناطق البعيدة عنه. أما بالقرب من فقد أدى الانفجار في الحال إلى اضطرابات في البحر وفي الجو. وكانت هنال أحداث مفزعة تقع على الشواطئ المنخفضة التي تحيط ببرزخ سندا.

فما كا الناس يضيقون من صدمة الضوضاء والأصوات، حتى طغى على الشاطئ مو كالجبال، ولم يكن هنالك وقت للفرار ولا ملاذ يهرع الناس إليه. وفي دقائق معدودات كان البحر قد توغل بعيداً فوق الأرض، فانهارت المدن والقرى. وقبل أن يرتد الماء إلى البحر ثانية، كانت المياه قد ابتلعت 34000 من السكان ماتوا جميعاً غرقاً.

لم يكن ثوران كراكاتوا قد انتهى بعد من وراء ستار التراب الذي أثاره، ولكنه كان قد وهن، وفي مدى أيام قليلة عاد إليه سكونه التام. لقد كان انفجار المرجل آخر أعماله العنيفة، محا به الجزيرة من عالم الوجود، في المكان الذي كان يرتفع فيه البركان إلى ۲۹۰۰ قدم لم يبق هناك سوى فجوة تملؤها مياه تبلغ من العمق تسعمائة قدم...