بعثة بيردن إلى جزيرة كومودو:

من الأمور الساحرة عن المعرفة البشرية أنها لا تكمل أبداً، ففي فترات معينة من حياتنا يميل بعضنا إلى الظن بأن المعرفة اكتملت، بالنسبة لنا على الإطلاق، ولا يوجد ما نتعلمه أكثر مما نعرف. ولعل ذلك الشعور شبيه إل حد ما، بشعورنا، بعد أكلة ثقيلة، بأننا لا يمكننا أن نأكل أي شيء آخر، فإذا ما انقضت بضع ساعات أخرى، عاد إلينا الجوع مرة ثانية.

وإذا عن لك أن تعتقد أن جميع صور الحياة الكائنة على وجه الأرض قد تم استكشافها وتسميتها، فمن المستبعد أن تفكر في تنظيم بعثة لصيد التنين؛ وربما تجد أنه من الأسهل عليك أن تلجأ إلى كتب التاريخ الطبيعي، أو الموسوعات لتكتشف أنه لا وجود لتلك الوحوش الخيالية، هكذا يكون اكتشافك لو بحثت في كتب التاريخ الطبيعي القديمة التي نشرت منذ أوائل القرن السابع عشر.

وإنها لحقيقة أن كونراد فون جيستر عالم القرن السادس عشر المشهور في التاريخ الطبيعي، الذي توفي عام 1560 أفرد بابا كاملا عن التنين في كتابه تاريخ الحيوانات.

ولو أنك أخبرت الدكتور جيستر أنك لا تعتقد أن التنين ليس له مكان في الكتب العلمية الحدية، النظر إليك بلا شك، نظرة دهشة واستغراب، أم بر الدكتور كاردانوس الذي عاش في بافيا بإيطاليا، فعلا تنانين مجففة في باريس؟ لقد رآها بالتأكيد. وأغلب الظن أنها كانت تنانين صغيرة، إذ يشير الدكتور كاردانوس إلى أنها كانت صغيرة جدا.

ولقد طبع رجل فرنسي، كان معاصراً للدكتور كاردانوس والدكتور جيستر فعلا صورة لهذا المخلوق الذي يسترعي الاهتمام. ولم يكن الحيوان الذي ظهر في الصورة غامضا او خرافيا كما قد يبدو.

 إنما كان في الحقيقة صورة مشابهة إلى حد كبير لوحش يرد ذكره في كتب التاريخ الطبيعي الحديثة تحت اسم التنين أو على الأقل تحت الاسم اللاتيني المقابل له Draco volans التنين الطائر.

 لم ينزعج علماء التاريخ الطبيعي في القرن السادس عشر الذين كتبوا عن التنين، من حقيقة أن المخلوق الذي كتبوا عنه، كان المفروض فيه أنه مخلوق ضخم من أكلة لحوم البشر، يشارك المردة في «بخ، النار، ولن يغير الأمر في شيء أن المخلوق الذي رأوه في عينات باريس المجففة كان طوله أقل من ۲سنتيمتراً بما في ذلك ذيله. فعلى كل حال لابد من أن التنين يفرخ من بيضة، ولا يمكننا إدخال تنين كبير في بيضة. وعلى ذلك فقد استقر رأيهم على أن العينات الباريسية كانت تنانين صغيرة. وبدت هي حقيقة أنه لم يتأت لأي إنسان الحصول على عينة مكتملة النمو حية أو ميتة أمراً طبيعيا للغاية.

فلقد كانت النتيجة التي انتهوا إليها أن التنين البالغ كان له من الذكاء ما يكفي لأن يجعله ينأى بنفسه عن طريق الإنسان!  ولما تأتي للعلماء أن يعرفوا المزيد عن تصنيف حياة الحيوان، نحوا التنين الضخم جانبا على اعتبار أنه خرافي، وأغفلوا ذكره في كتبهم. ولكنهم أبقوا على التنين الطائر فيها لأنهم كانوا يعلمون ما هو وأين يعيش. فلقد كان ولا يزال | عظاءة وسحلية، صغيرة تعيش في شبه جزيرة الملايو وفي بعض جزر أرخبيل

الملابو- جاوة وسومطرة وبوربو. وتوجد في الواقع، مخلوقات أكبر كثيراً وأقرب شبها بالتنين تعيش في ذلك الجزء من أستراليا القريب من الجانب الشرقي الأرخبيل الملايو. ونرى في صفحة (94) صورة إحدى تلك المخلوقات، التي يصل طولها إلى 90 سنتيمترا. وإذا كان أي شيء آخر أقرب منها شبها بالتنين فلابد أن يكون تنينا.

لم يكن هناك من بأس في أن يعرض العلماء عن الفكرة الأسطورية للتنين، إلا أن الملايين من الناس في كثير من بقاع العالم كانوا يؤمنون بأنهم أعلم منهم. وعلى كل حال فهل رأى العلماء كل شيء وذهبوا إلى كل مكان؟

لقد وجد تصوير واضح جدا لوحش لا يمكن وصفه إلا بالتنين على بوابة حصن بابليون مقترناً بصورة وحش آخر كان المعروف عنه أنه حقيقي لا خرافي.

 واستخدم الصينيون صورة مقنعة جدا للتنين كشعار للقوة الإمبراطورية. وظل هذا الشعار على الراية الصينية حتى وقت حديث نسبيا. لذا قال أولئك الذين لم يكن عليهم أن يتصفوا بحذر العلماء، إنه لابد من وجود سبب ما لاعتقا الإنسان بوجود مثل هذا المخلوق.

لم تبدأ صورة علم الحفريات تتضع إلا في أوائل القرن التاسع عشر. «وعلم الحفريات هو دراسة الكائنات الحية التي كانت موجودة في العصور الجيولوجية والتي حفظت بقاياها على صورة متحجرة». وقبل القرن التاسع عشر كان اكتشاف العظام الكبيرة التي لا يمكن أن تنسب إلى حيوان معروف، يؤخذ في الغالب على أنه برهان على وجود التنين.

وقد ذهب الصينيون إلى حد استخراج العظام المتحجرة التي يوجد في الصين مستودع كبير لها، وسحقها ثم بيعها مسحوق عظام وأسنان التنين، وكان الاعتقاد الذي ساد لزمن طويل أن هذا الدواء في الشفاء من جميع الأمراض تقريبا.

وحقيقة إمكان معرفة تلك العظام ونسبتها إلى حيوانات الأزمنة السحيقة التي يعرفها العلماء كما يعرفون الحيوانات الحية، لا تثبت، وهذا حقيقي، أن شيئًا مثل التنين الكامل كان له وجود على الإطلاق، إلا أن هناك بعض الصعوبات، فالظاهر أن أقرب تلك الحيوانات القديمة شبهاً بالتنين انقرضت قبل ظهور الإنسان على الأرض بملايين السنين ولا يحتمل إذن أن يحمل الإنسان أي ذكرى لها. ومهما يكن من شيء، فنحن نعلم أنه حدث عدة مرات خلال الأعوام العشرين الماضية أن التقطت شباك الصيد في الشاطئ الشرقي لأفريقيا سمكة طولها متر ونصف متر ويزيد وزنها على 45 كيلوجراماً، والمعتقد فيها أنها انقرضت قبل ظهور الإنسان بملايين السنين.

فلماذا إذن لا يوجد التنين؟

 وطبيعي أنه من السهل القول بأن التنين لم يعش في البحر بل عاش على الأرض، ولقد استكشفت الأرض بصورة أنتم من استكشافنا للبحر على الرغم من اختراع كرة بارتون للغوص، كما أنه لا توجد على الأرض أماكن كثيرة يمكن التنين له من الضخامة ما يسمح باعتباره أي شيء إلا خيبة أمل، أن بختي فيها.

وعلى الرغم من ذلك، فلقد كانت هناك فكرة ملحة تنادي باحتمال اختبا الحيوانات القديمة التي افترض انقراضها، في بقعة أو أكثر من الأجزاء غي المعروفة تماما من العالم. فكان لا يزال هناك أماكن لم تستكشف في أفريقيا وأستراليا والهضاب الضخمة الواقعة على الحدود بين فنزويلا - غيانا في أمريكا الجنوبية. ولقد استخدم السير آرثر كونان دويل تلك المنطقة الأخيرة كمسرح القصته والعالم المفقود، تلك القصة الأخاذة التي ساعدت على إحياء الفكرة المنادية بأن حيوانات التنين أو ما هو أسوأ لا تزال تجوب الأرض.

كانت قصة والعالم المفقود، روائية لا حقيقة، وكانت رواية خيالية جدا، ومهما يكن من شي، ففكرة بقاء مخلوقات ما قبل التاريخ لم تكن قد مانت كلية، حتى في عقول العلماء.

وفي عام ۱۹۱۲ تلقت هذه الفكرة ما كان يمكن أن يكون دفعة قوية لها. في ذلك العام رسا فريق من صائدي اللؤلؤ في ميناء صغير في جزيرة لا تكاد تكون معروفة كلية من جزر أرخبيل الملايو. وكانت تلك الجزيرة عبارة عن صخرة بركانية يزيد طولها قليلا على ۳۲ كيلومتراً ويبلغ عرضها نصف طولها، | وتقع ضمن ما يعرف بجزر لسرصندا التي تقع على بعد 160 كيلومتراً جنوب سليس، وحوالي 100 كيلومتراً شمالي غربي أستراليا.

وكان المعروف عن تلك الجزيرة قليلا جدا في ذلك الوقت حتى إن مصورات وخارطات، الملاحة واتجاهاتها كانت مخطئة فيما يتعلق بشاطئها، وكانت إلى وقت قريب جدا من ذلك التاريخ مهجورة خالية من السكان كلية.

على أنه كانت هناك شائعات توحي ببقاء وحوش ما قبل التاريخ عليها. أما ما إذا كان صائدو اللؤلؤ الذين زاروها عام ۱۹۱۲ قد رأوا تلك المخلوقات الهائلة، أو مجرد أنهم تحدثوا مع المواطنين الملايو ويين الذين سبق لهم رؤيتها، فهذا أمر غير واضح. وعلى أي حال فقد نقل هؤلاء الصيادون قصص وجود التنانين إلى جاوة.

وكانت هذه القصص مقنعة جدا لدرجة أن المسترب. ا. أوينز الذي كان يعمل بمتحف بويتنز ورج الحيواني في جاوة، أرسل بعثة للبحث عن عينات من هذا الوحش الغامض. وواضح أن الصيادين نجحوا في مهمتهم؛ إذ أن أوينز نشر أول وصف لحيوانات جزيرة كومودو الغامضة غير المألوفة، قبل نشوب الحرب العالمية الأولى مباشرة. على أن ما كتبه أو يتزلم بلق انتباهاً كبيراً من الرأي العام وسرعان ما تسببت الحرب في نسيان ذلك الاكتشاف الطريف.

ولم يخطر لأي شخص حتى عام ۱۹۲۹ محاولة الإضافة إلى المعلومات السطحية التي نشرها أوينز، وفي ذلك العام نظم عالم شاب كان يعمل في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بعثة إلى جزيرة كومودو، الغرض منها العودة بعينات من وحش ما قبل التاريخ لعرضه في المتحف، ويا حبذا لو اصطادت عينات حية لحديقة الحيوانات ببر ونكس.

 تألفت البعثة من و. دوجلاس بيردن وحرمه وصائد ذي خبرة اسمه دي فوس قضى حياته في غابات الهند الصينية، وخبير في الزواحف من كلية سميث هو الدكتور. ر. دن. وبالإضافة إلى هؤلاء تضمنت البعثة مصورة سينمائيا صينيا ورجلا صينيا آخر يؤدى جميع الأعمال التي توكل إليه اسمه تشو.

وفي جاوة صرحت حكومة المستعمرة الهولندية للبعثة بزيارة كومودو. كما أعارت المستر بيردن قاربا بخارا حمولته ۳۰۰ طن، كامل المعدات ببحارته ليقطع به الرحلة التي تقرب من 1600 كيلومتر، من بانافيا إلى المضيق الذي يفصل جزيرة سمباوا عن فلورز.

وبعد صراع مع التيار المائي الذي بلغت سرعته ۲۰ كيلومترا في الساعة في المضيق؛ وصلت البعثة إلى مرسي على الشاطئ لكومودو في صباح أحد أيام شهر بونية، فوجدوها جزيرة ترتفع بانحدار كبير نحو مجموعة مركزية من القمم البركانية. وفيما بين القمم كانت توجد رقاع داكنة الخضرة من الغابات الكثيفة المغطاة بالأشواك.

 وكان الطقس معتدلا صافيا وفرح المستكشفون بما بدا لهم جنة العالم الطبيعية، إذ كانت البقعة جميلة ومثيرة للاهتمام معا. إلا أن كومودو جزيرة نصف جرداء على الرغم من موقعها، معشبة في بعض بفاعها مع بعض الأشجار القليلة في مستوى سطح البحر.

وكانت أجزاؤها المنخفضة عبارة عن صخور بركانية حادة وقطع الصخرة متفككة، فاستلزم العثور على مكان مناسب لإقامة المعسكر لصعود إلى الأراضي المرتفعة في الداخل وفي صباح يوم وصول البعثة اعتكفت مسز بيردن على المركب، وحاول المصور الصبي التخلص من دوار البحر الذي أصابه.

أما الدكتور دن والمستر دي فوس اللذان كانا منحمسين للعمل فقد أقلعا نحو الشمال في حين أن الدكتور دوجلاس بيردن تسلق المنحدرات الصخرية ميمم شطر الغرب نحن أشعة الشمس المحرقة.

ذكرت حرارة الشمس، بعد الصباح المنعش البارد، بيردن، بأنه كان حقيقة في المنطقة الاستوائية. وأخيراً انتهي به المطاف وكانت أصابعه قد تسلخت وحذائه تمزق، إلى مساحة شاسعة من الأرض الخضراء، تناثرت فيها أشجار النخيل وأحراش الحيز ران. وبينما هو هائم في مملكته المسحورة إذا به يكتشف اكتشافا مثيراً، وهو آثار واضحة الأقدام ضخمة تشبه إلى حد كبير بعض حفريات آثار الديناصور التي سبق له أن رآها في وطنه.

وعندما عاد دي فوس ودن بأخبار وجود آثار مشابهة في الجزء الشمالي من الجزيرة بدا لهما أنهما عثرا على «العالم المفقود» أخيراً. وكان عالما عجيبا مزدحما بمجموعة متعددة الأنواع تثير الدهشة، من الحياة البرية مختلطة ببعضها البعض اختلاطا غريبا، فلقد آوت أحراش الغابة طيوراً متعددة الألوان بعضها معروف وبعضها الآخر لم يتعرف عليه المستكشفون، كانت تغرد وتغني وتصفر.

وكانت الغزلان تقفز خلال أحراش الخيزران والخنازير البرية تركض على الكلأ الأخضر، والببغاوات ذات الأعراف الصفراء تتصايح من أعلى الأشجار الباسقة، والحمام المختلف الألوان بطير من مكان إلى مكان، ولا يفوتنا ذكر وجود أنواع من الثعابين السامة أكثر في تعددها مما يمكن أن يوجد في أي مكان آخر من العالم.

وبينما كان بيردن يستكشف المنطقة التي تحيط بالبركة التي اعتزم إقامة معسكر البعثة الأساسي قربها، إذا به يكتشف أثراً واضح المعالم الحوافز مشقوقة ضخمة، وعرف أن ذلك يعني أمراً واحداً فقط، هو أن تلك الآثار كان آثار حيوان من أخطر الحيوانات في العالم، وهو الجاموس الهندي الكبير، ذو القرون الطويلة بالنسبة للجاموس الشرس الموجود في رأس الرجاء الصالح بأفريقيا. ولقد جعل هذا التفكير المزعج؛ فكرة الجلوس في الغابة وانتظار ظهور التنين أمراً فيه أكثر من مجرد الإشارة. وفي الوقت ذاته كانت هناك أعمال أخرى يجب إتمامها.

 وبينما كان بيردن يشق طريقه خلال حاجز الغابة المورق نحو بركة أخرى في الصخرة البركانية، بحثا عن موقع للمعسكر، إذا به نصيبه الدهشة برؤية بطتين تطيران من سطح الماء بسرعة إلى أعلى. وقبل أن ينعدم صوت طيرانهما المناج، إذا به يسمع صوت اصطدام عنيف خلفه، كان له من القوة، كما يقول، كما لو كانت غابة الخيزران الكثيف قد انفجرت بأجمعها.

وعندما قفز إلى الوراء إلى مكان خال من الأشجار رأى ذكر جاموس ضخما يندفع نحوه مباشرة بأقصى سرعة. يتقدمه أنفه الواسع الفتحتين في الهواء وقرناه مندان إلى الوراء محاذيان جانبيه كأنهما دخان قطار سريع.

لم يضع بيردن وقتا طويلا في اتخاذ قرار عما يفعله، ولما كان لا يحمل معه قذائف من الصلب تخترق جلده القوى، قفز بسرعة إلى الغابة وتسلق صخرة شديدة الانحدار. ومن العجيب جدا أن أعقب ذلك سكون تام، إذن لابد أن الثور كان قد توقف ولكن أين؟ حبس بيردن نفسه، فلم يسمع صوتا إلا صباح الببغاوات. وفجأة بدأ الوحش يقصف برعده مرة ثانية كما توقف فجأة.

وأندفع ببطء هذه المرة، ونحو الغابة. وعلى الرغم من أنه ربما لم تسبق له رؤية إنسان من قبل على الإطلاق، إلا أنه بدا كأنه مقتنع بأن ذلك الرجل لم يكن بالشيء الذي يثير قلقه.

وبعد بضعة أيام أتم بيردن تنظيمه للمعسكر الأول على الشاطئ ثم أقلع ذات صباح لاصطياد غزال لإطعام الحمالين الوطنيين الذين كان قد استأجرهم من أمير د راجا» جزيرة سامباوا المجاورة. وبعد حصوله على الغزال صعد إلى أعلى الجبل متجها إلى منطقة القمم الصخرية التي زارها في أول يوم.

وكانت الساعة قد قاربت التاسعة والنصف صباحا عندما وصل إلى أسفل منحدر من الصخر المتفكك، قد نمت فوقه خصلات من الحشيش الكثيف القصير وأشجار النخيل المتناثرة. وتوقف بيردن بعض الوقت للاستراحة، وفي أثناء ذلك سمع صوت احتكاك وتدحرج صخرة تسقط من عل. وتحول بنظره فجأة صوب الصوت فرأى مصدره. إنه الشيء الذي قطع من أجل رؤيته ۱۹۲۰۰ كيلومتر.

سقط بيردن على ركبتيه وزحف إلى أعلى المنحدر متنقلا من صخرة إلى أخرى حتى وصل إلى نقطة أمكنه منها النظر، دون أن يرى، إلى زمن انقضى منذ ستين مليون عام، على حد التعبير، وهنا وجد نفسه أمام الرأس الضخم يترنح من جانب إلى جانب، وكان لسانه الأصفر المشقوق يندفع إلى الداخل وإلى الخارج من بين فكين بلغ طولهما 30 سنتيمتراً أو أكثر صفت عليهما أسنان وحشبة، وتحرك المخلوق الخيالي القديم في تثاقل إلى أسفل المنحدر تاركا وراءه شمس الصباح، يتقدمه ظل ضخم معتم بلغ عشرة أمثال حجمه.

وتفحص بيردن الوحش من خلال نظارته المعظمة وهو مختبئ في مكمنه. فرأى جلده الخشن المتجعد الذي اسود مع الزمن وعلته آثار جروح خلفتها معارك القتال الكثيرة. وهي له، بسطحه الحرشفي، كأنه لباس من الصلب المنسوج.

أما منخراه اللذان كانا عبارة عن فتحتين سوداوين في رأس ظهرت عليه سمات الشر، واللذان لم ينقصهما إلا النار والدخان ليجعلاه تنينا حقيقيا فقد كانا متسعين، وبدت عيناه السوداوان الحارقتان كما لو كانتا تبحثان عن شيء ما بين الصخور.

وظل بيردن يراقبه وهو مأخوذ به، وأثناء المراقبة تقريبا، قام الوحش بعمل أقرب ما يكون لما يتصف به التنين؛ إذ اختي ببساطة عن الأنظار. فزحف بردن خارجا من خلف صخرة مخبئه ولكنه لم يجد أثراً للتنين.

 وبعد ذلك بدأ بيردن ورفاقه في نصب الشراك مستخدمين الخنزير البري كطعم له فأحيط الخنزير بأوتاد غرست في الأرض ثم ربطت مع بعضها وغطيت بأوراق الأشجار فيما عدا فتحة كبيرة فقط تركت في أحد الأطراف.

 ثم جردت شجرة قريبة من فروعها، وربط في أعلى جذعها حبل أمسك به خمسة عشر رجلا من الأهالى الأصحاء وجذبوه إلى أسفل. ثم ربط الطرف الآخر للحبل في زناد وضع أمام الطعم وعملت فيه أنشوطة رخية.

وعلى بعد بضعة أمتار من المصيدة أقيم مخبا من الأعمدة الخشبية الثقيلة وغطي هو كذلك بغطاء خادع من الفروع والأوراق. ومن هذه النقطة كان على أفراد منهم أن يراقبوا الشرك ويلاحظوا اقتراب أي وحش ضخم منه.

إلا أنه كان هناك عيب واحد، فقد كان واضحا منذ البداية أن الزائرين الأول للشرك سيكونون إما من الإناث وإما من الصغار؛ إذ أن الذكور الضخمة كانت حذرة، في حين أن تلك الإناث أو الصغار لا بأس بها عينات معملية للدراسة التشريحي إلا أن الوحوش الضخمة الحقيقية هي ما كان الصيادون يصبون إليها.

ولمنع الحيوانات الصغيرة من الوقوع في الشرك وأكل الطعم، ربط بيردن حبلا طويلا في الزناد، أوصله إلى مخبأ المراقبة. حيث كان في الإمكان جذب الحبل الإقفال المصيدة إذا ما اقترب التنين ذو الحجم المطلوب من الطعم.

وفي الصباح الباكر اتخذ الصيادون أماكنهم في الخفاء الخادع وبدأوا المراقبة والانتظار، ومن حسن الحظ أن العظايا الضخمة والتنانين» بدأت كما لو كانت صماء كالحجر؛ إذ ظلت المئينات التي يبلغ طولها 30 سنتيمتراً والتي تفرغ في عضتها السم الناقع، وكذلك العقارب التي ليس في لسعتها شيء من الهزل ترحف إلى داخل المحبا لتنضم إلى المراقبين، وكان الرجال يطلقون صيحات الذعر كلما ظهرت تلك الضيوف غير المرغوب فيها، ويضربونها بين الأوراق الحافة الى فرشت بها الأرض.

وعندما ظهر أول التنانين كانت الشمس قد ارتفعت في السماء، ولقد كان تنبنا صغيراً بلغ طوله حوالي 150 سنتيمتراً، وسار «أو سارت، بحذر حوال شرك يزفر في الخنزير، الطعم الذي كان قد أصبح ناضجا جدا في ذلك الوق وكان في الحالة المناسبة تماما ليثير اهام التنين. إلا أن ذلك التنين الصغير أغرب عنه دون أن يقع في الشرك.

وتلته عينة أخرى أكبر منه نوعا ما، وكان مخلوقا له من صفات التنين ما يمكنه من حمل الخنزير البري بأكمله، ومهما يكن من شيء فقد كان الطعم مثبتا تثبيتا مؤمناً في الشرك، وفجأة توقف هذا التنين المتوسط الحجم عن الصراع ونظر إلى أعلى ولعابه يسيل من بين فكيه الشريرين. ثم خفض رأسه وأسرع إلى الغابة، وهنا دار بخلد بيردن وآه، لابد أن ذلك يعني قدوم تنين أكبر»..

ومضى نصف ساعة دون أن يحدث شيء ثم بدأ الوطنيون الذين كانوا داخل المخبأ الخادع يهرجون في قلق مثير، كما لو كانوا تمكنوا من الإحساس بشيء لم يدر به الصيادون، فنظر بردن من خلال الجدار الخلي للمخبأ، وإذا به يقفز فزعا. لقد كان يحملق مباشرة في وجه وحش مريع من تلك الوحوش التي بقيت حوالي 50 أو 60 مليونا من الأعوام دون أن تتغير تقريبا، طبقا لما تبينه السجلات الحفرية.

وقف التنين في سكون تام وعيناه الكبيرتان السوداوان تحملقان بشراسة نحو اخبا الخادع. ثم بدأ يحرك أقدامه ذات المخالب الطويلة ببطء وسار في تثاقل وحذر متجها نحو الشرك مارا بالمخبأ الخادع وشاغليه المرتجفين. وكان في أثناء سيره البطىء نحو الشرك، برأسه المتأرجح ولسانه المشقوق يندفع باستمرار داخلاً خارجا، يفحص الفتحة التي كانت تؤدي إلى الطعم المغري.

وكان الصيادون يراقبونه من داخل المحبة الخادع حابسين أنفاسهم وعلى استعداد بجذب حبل الزناد. في عذاب القلق والحيرة، فلقد كان ذلك هو الوحش الذي يطلبونه. وهو بلا شك أروع ما رآه أي إنسان متحضر على الإطلاق، وكانوا يريدونه حيا! إلا أنه كان دائما كلما بدا عليه أنه على وشك الاندفاع والانقضاض على الطعم، تراجع وجلس ينظر نحو الغابة، ترى إلى متى يمكن أن يستمر الحال على هذا المنوال؟

 ويقول بيردن في قصته عن البعثة: في تلك اللحظة تماما، سمع همهمة غير واضحة عن بعد. أخذت ترتفع تدريجيا، ثم انقلبت إلى زئير مريع وخيل إلينا أن شيئاً بهبط فوق رءوسنا كما لو كانت طائرة منقضة علينا بآلاتها الدائرة بأقصى سرعة. لكنها مرت فوقنا، وملأ الجو صوت ملايين الأجنحة، لقد كان سرب من نخل الأدغال مارا خلال الغابة على انخفاض.

وخفت الصوت مرة أخرى إلى دمهمة غامضة تكاد تكون مسموعة، وخيم علينا بعد ذلك سكون مميت إلا من حفيف الأوراق الخفيف فوق رءوسنا. كل هذا والتنين الكبير كان لا يزال في سكونه كما لو كان مفتونا بالصوت الذي ربما لم يسمعه   وفجأة وقعت الواقعة».

قفز الوحش المريع خلال فتحة المصيدة، كما لو كانت الفكرة تعمل في عقله القديم طوال الوقت، ومر في الأنشوطة والحية، المعلقة وانقض على الخنزير الميت بفكيه الكبيرين. فجذب بيردن الحبل، وقد أخرجته الإثارة عن اتزانه، وانطلق الزناد الذي كان ممسكا بالشجرة المثنية. وكانت الشجرة بدورها ممسكة بالحية المفتوحة التي تحبط الآن بجسم التنين. وبرد فعل قوى انتصبت الشجرة في الهواء وازداد الشد في الحبل بإحكام الحية حول ذلك الجسم الثقيل وهزه هزا عنيفاً رفعه من الأرض.

أخيراً! تلك كانت الكلمة التي سمعت داخل المخبا الخادع، قبلت بنغمة تتم على الخلاص المقابل بالشكر والعرفان. ولكن الصيادين لم يقدروا وزن التنين الضخم حق قدره، إذ عندما ارتد التنين ساقطا نحو الأرض، جذب معه الشجرة ثانية وانتزعها كما لو كانت عود ثقاب.

عندئذ تقدم دي فوس، صائد الأدغال، حاملا حبلا عملت منه عروة في طرفه يستخدم عادة في صيد الوحوش، وكان قد تدرب على استخدامه استعداداً لهذه المناسبة. واقترب بحذر من الوحش الهائج متفاديا ذيله الضخم ومخالبه المعقوفة المريعة. وري دي فوس بالحبل عدة مرات ولكنه فشل في إصابة الهدف في كل مرة من تلك المرات. إلا أنه عاد ولف الحبل في هدوء وحاول مرة أخرى.

وانتهز دي فوس لحظة أطبق فيها الوحش فكيه الثائرين، ونجح أخيراً في إدخال عنق التنين الضخم في الأنشوطة: عروة الحبل، ثم مال إلى الوراء وجذب الحبل فأحكم الحية وربط طرفه الآخر في إحدى الأشجار. وما إن انتهى من ذلك حتى أسرع لمعالجة الذيل الذي كان بضرب بوحشية.

ولا انتهى الصراع تقدم الوطنيون للمعاونة في ربط ذلك الجسد القبيح في عمود ضخم. ورفعوا العمود على أكتافهم وساروا يشقون طريقهم بصعوبة، وهم يتمتمون ويهمهمون، عائدين إلى المعسكر يجرون وراءهم تنبنا وزنه ۱۳5 كيلوجراما.

وكان قد أعد لاستقبال الوحش قفص منين من الكتل الخشبية القوية غطى بالأسلاك الغليظة. فدفع فيه بصعوبة كبيرة. وعندما تلك الوحش المروع من عقاله بان عليه أنه لم يقهر بعد، إذ جعل يضرب ويخبط فيها حوله في ثورة وغضب مما جعل آمربه يخشون عدم صمود القفص لثورته.

ولقد راودهم إحساس قوي بأن الوحش، إذا لم يتمكن من الإفلات من القفص، فإنه سوف ينهك نفسه في صراعه وسوف يرضخ عاجلا أو آجلا للأسر وبذلك يمكنهم تصويره وقياسه عند حلول الصباح.

ذلك كان اعتقادم، ولكنهم نحققوا من خطئه عندما حل الصباح فعندما ذهبوا ليطمئنوا على حال أسيره وكيف عاش ليلته، وجدوا أن السلك الغليظ الذي كان يغطى فتحة التنفس في أعلى القفص قد قطع كما لو كان خيطا رفيعا.

لقد أثبت تنين كومودو العظيم الذي خرجت أسلافه سالمة من المعارك وتقلبات ملايين السنين أن ساعته لم تحن بعد.. ذهب أعضاء البعثة إلى عملهم بحماسة وقد زاد احترامهم لقوة غريمهم وحيله وسرعان ما تبينوا على ضوء شواهد جديدة ما يجب عليهم أن يقنعوا به.

وذات صباح قامت مسز بيردن ودي فوس بزيارة المصيدة في الدغل إذ كانت قد أعدت باستخدام شجرة أصلب، وكان الطعم الذي وضع فيها غزالا بأكمله. وعندما وصلا إلى المخبأ الخادع المقابل للمصيدة رأيا ما أثار دهشتهما. إذا لم تكن المصيدة مقفلة على الرغم من أن الغزال كان ممزقا إلى نصفين، وكوم الجزء الحلى منه - انخذان والأرجل والحوافر في كومة واحدة. ولقد تحققا من هذه الحقيقة في ظروف غير سعيدة عندما أسر غريمهما فيما بعد..

 وانفصل دي فوس ومسز بيردن ليبدآ بحثهما عن الوحش المريع في حذر؛ إذ كان قد دخل الدغل ليهضم ال ۱۸ أو ال ۲۳ كيلوجراما من اللحم والعظام. واتخذ دي فوس الطريق إلى الدغل من الناحية المنحدرة.

أما مسز بيردن فقد سارت في الاتجاه المضاد تاركة بندقيتها أمام المحبة الخادع ولم يكن ذلك من الحكمة في شيء. وفجأة رأت شيئا يتحرك على حافة الدغل إلى يمينها. وباختفائها في الحشائش المرتفعة شاهدت وجشا ضخما آخر يقفز في طريقه نحو المصيدة. فأصيبت بنوبة فزع عندما تحققت أنها كانت واقفة بين الوحش المريع وما تبقى من الطعم في المصيدة.

وتمددت على الأرض ترتعد خوفا من أن يحدث لها ما حدث للغزال من قبل وحاولت أن تحزم أمرها على الخطوة التالية التي تتخذها بسرعة، ترى هل كان يجب أن تجرى وبذلك تفقد تنينا من أكبر التنانين التي رأوها حتى ذلك الوقت؟

أم كان يجب عليها الانتظار على أمل أن يعود دي فوس إليها في الوقت المناسب؟

ولندعها تقص علينا شعورها في تلك اللحظة الرهيبة: «جعل ذلك المخلوق الأشعث يقترب مني وهو يطوح رأسه الوحشي بتثاقل من جانب إلى آخر، وتذكرت جميع القصص الخيالية التي سمعناها عن تلك الوحوش المريعة وهجومها على الرجال والخيول، وانتابي، وأنا أنصت إلى صريره القصير الذي جاء كنفخة ريح عاتية، وأراقب عمل ذلك اللسان الضارب الشبيه بلسان الثعبان، والذي بدا كأنه كان يحس بالخوف الذي اعتراني، انتابني شعور ليس من السهل على وصفه.

وكان ذلك المخلوق على بعد مني يقل عن أربعة أمتار ونصف متر، وفاحت في أن رائحة الزواحف النفاذة، وكان قد فات الأوان لكي أقفز من مبنى فأغمضت عيني وانتظرت.

ثم فتحت عيني، في الوقت المناسب، على رأس دي فوس يظهر أعلى التل، وتلا ذلك وميض ثم رصاصة استقرت في رقبة الوحش الضخمة، وفي لمح البصر، تدحرج مرتطما نحو الدغل، ومرة أخرى أدت البندقية وظيفتها ورقد الوحش ساكنا لا حراك فيه،

لقد تمكن تنين كومودو من الصمود لجميع الظروف وتغيرات الملايين العديدة من الأعوام، ولكن تعطش الإنسان للمعرفة، وكذلك أسلحته القوية، أثبتت أنها فوق طاقة ذلك الوحش القديم، وأذن الحاكم العام للهند الصينية الذي كان يحكم جزيرة كومودو الصغيرة لبعثة بيردن بصيد ۱۰ تنينا للأغراض العلمية.

وعندما حل موعد الرحيل عن تلك البقعة الجميلة المثيرة للمشاعر كانت البعثة قد حصلت على تنينين كاملي النمو على قيد الحياة وضعا في أمان في قفصين ضخمين. وتضمنت مجموعتها أيضا ۱۲ تنينا ميتا حنطت بعناية وأعدت للعرض في المتاحف.

 ولقد أصبح واضحا أنه لو كان الإنسان قد شارك تلك المخلوقات الخيالية في سكني جزيرة كومودو لأي فترة زمنية، لكانت انقرضت كما كان الاعتقاد السائد قبل عام ۱۹۱۲، وعلى أي حال فعندما رحل الفريق عن الجزيرة في عام ۱۹۲۹ كان لا يزال هناك العدد الوفير من العينات الحية باقية عليها. وليس هناك من شك في أن مستعمرة وحوش ما قبل التاريخ الغريبة تزده الآن، كما أنها سوف تواصل ازدهارها إذا تركت وشأنها.

ما قبل التاريخ؟ نعم إن تنين كومودو من وحوش ما قبل التاريخ حقا ولقد بقي صامداً دون تغير تقريبا منذ ما يعرف بالعصر الأيوسيني. «ولفظ الأيوسين Eocene مأخوذ عن الكلمة الإغريقية التي تعني الفجر وتوصف به الحقبة من الزمن التي بدأت خلالها الثدييات - أرقى أنواع الحيوانات - في جوب الأرض، وربما نتساءل، بالطبع، عن الفائدة الممكن الحصول عليها من ضياع الوقت والمال والمخاطرة بحياة الإنسان لكشف النقاب عن مخلوق من مخلوقات العهود السحيقة، وما هي الأبواب التي تفتحها مثل هذه البعثة؟ وهناك العديد من الأجوبة على هذا السؤال.

فالإنسان يهتم بمستقبله وكل شيء يتعلمه عن الماضي يساعده على تخمين أو تصور ما يتوقعه من المستقبل.

ولتنانين كومودو أبناء عمومة بعض منها يفوقها في الضخامة، ولكن الضخ منها - التي عاشت بعضها في أستراليا - لم تصمد مع الزمن وانقرضت. ولا محالة من أن أي شيء يمكن أن تعرفه عن حيوان صمود تنين كومودو سوف يلتقي بعض الضوء عن صمود الأنواع الأخرى أو عدم صمودها، بل ربما كان أم الأمور وأبهرها عن الاكتشاف العلمي، هو الأسئلة التي يجعلنا كل اكتشاف جديد نسألها.

وأهم سؤال يثار في حالة تنيننا – الكثيب من ناحية لكنه طريف من ناحية أخرى - هو: ما هي الظروف التي مكنته من الصمود على جزيرة كومودو؟

فالجزيرة ذات أصل حديث نسبيا، ومن المؤكد أنه لم يكن لها وجود عندما ظهر أول تنين على وجه الأرض. وليس هناك أي دليل على أن تلك الحيوانات سبق لها أن عاشت في مساحة أكبر من تلك التي تشغلها الآن. إلا أنه لا بد وأن تكون قد عاشت في مساحات أكبر.

 فمن أين أنت إذن؟ أين كانت عندما جعلت لفحات الحمم البركانية وفيضاناتها التي تسببت في انبثاق جزيرة كومودو من البحر، الحياة مستحيلة بين سمباوا وتيمور؟

ويمكننا رؤية مجموعة من ثلاثة من تنانين كومودو في متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي بنيويورك موضوعة في نموذج لموطنها في الهند الشرقية.

وإنا عندما ننظر إليها كأننا ننظر في الماضي السحيق لنراها تحت أشجار النخيل ومن ورائها القمم البركانية الغريبة بالغة عنان السماء. وربما تنتابنا رجفة خفيفة ونحن نراقبها ونتذكر أن هذا المنظر بالذات تقوم بتمثيله مخلوقات حية في أدغال كومودو التي تبعد ۱۹۲۰۰ كليومتر عنا، حيث لا تزال الذكور منها ترفع رؤوسها لترقب مقدم العدو، في حين تنهش الإناث بفكوكها المرعبة جثث الخنازير البرية الملقاة بينها.