عندما يتعلق الأمر بتعلم أسرع الطرق للفوز بالأصدقاء، هل يجدر بنا أن نتجه إلى الشخص الذي يحظى بأكبر عدد من الأتباع على موقع تويتر، أم صاحب المدونة التي يتابعها أكبر عدد من المعجبين، أم مندوب المبيعات الأكثر براعة، أم رجل السياسة الأكثر قوة وحنكة؟            رغم أن كلاً منهم ربما يفخر بكثرة معجبيه، ورغم احتمال أن يقدم كل منهم نصيحة جيدة، فإن مثل هؤلاء الأشخاص ربما لا يكونون أفضل النماذج يُقتدى به. وفي الحقيقة، فإن أفضل النماذج التي نسير وراءها ربما لا تكون من البشر على الإطلاق، بل ربما تكون من الكلاب.

فسواء خرجنا لدقيقتين، أو سافرنا لأسبوعين، فإن الكلاب ترحب بعودتنا دائماً وكأننا أبطال، إنهم لا يقللون من شأننا، ولا يسخرون منا، ولا يتخلفون عن مواعيدنا أبداً، إنهم موجودون لمصاحبتنا، أو الدوران حولنا وكأننا مركز وجودهم، فهل يفتقدون -في أي وقت من الأوقات -الشعور بالمتعة الحقيقية عندما يكونون بصحبتنا؟

ولذا توصف الكلاب بأنها أفضل أصدقاء الإنسان لسبب وجيه، وتشكل قصص الإخلاص الكلابى مادة أسطورية، ولقد كتب الشاعر العظيم "ابايرون" عن كلبه” بوتس واين" قائلاً: " إنه يتمتع بكل فضائل الإنسان، وينأى عن كل مساوئه". وهذا يمثل أيضاً جوهر القصص في الوقت الحالي.

فلم يكن كتاب "جون كاتزا" الذي بعنوان Dog Year  A، أو كتاب "جون جروجان" الذي بعنوان  Marley & Meليساويا شيئاً ، لولا أنهما كتبا على يد رجلين شعرا بالحزن لفراق كلبيهما.

وتعرف الكلاب بفطرتها الطبيعية، أنك تستطيع أن تعقد العديد من الصداقات في دقائق قليلة عن طريق إبداء الاهتمام الحقيقي بالآخرين، مقارنة بما تستطيع أن تقوم به في شهور في محاولة جذب انتباه الآخرين نحوك. إن هذا القول أسمى من أن يكون مجرد ملاحظة تافهة، إنه مبدأ أساسي لا يستطيع بدونه أي شخص أن يحصل على تفاعل ارتباطي حقيقي مع شخص آخر، وتكمن المفارقة الكبرى للعلاقات البشرية-خاصة عند رؤيتها من وجهة نظر الكلاب -في أن رغبتنا الشديدة للبحث عن الأشياء الهادفة في حياة الآخرين يجب أن تكون بسيطة للغاية، ورغم ذلك فإننا نعقد الأمور، وهكذا تظهر أكبر صراعاتنا ضد الأنانية التي تمثل أكبر عائق أمام تكوين الصداقات لدينا.

إن وضع الاهتمام بالنفس في المقام الأول ليس ظاهرة جديدة مثل ظاهرة تويتر أو فيس بوك، فهو يسبق ظهور موقع Friendster،

وموقع MySpace. ويأتي قبل الهواتف الخلوية ورسائل البريد الإلكتروني، وشبكة الإنترنت. في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان "اكارنيجي" يكتب المخطوطة الأصلية لهذا الكتاب، قامت شركة "نيويورك للهواتف” بإجراء دراسة مفصلة للمحادثات الهاتفية من أجل اكتشاف أكثر الكلمات شيوعا في الاستخدام. وكانت النتيجة أن ضمير المتكلم "أنا" كان يستخدم ٣٩٠٠ مرة في 500 محادثة هاتفية.

إن الأنانية –أو بطريقة أكثر تأدباً الاهتمام بالنفس -ظهرت في أدبيات الأساطير الرائعة. فقد ارتفع "إيكاروس" في السماء وأخذ يحلق في دفء الشمس مما تسبب في ذوبان الشمع من جناحيه، وذهابه إلى أعماق المحيط؛ وهذا لأنه فكر في نفسه فحسب، وتجاهل توسلات والديه. ولقد جلب "بيتر رابيت" غضب السيد "ماكروجر"، بسبب تجاهله لأوامر أمه بعدم الاقتراب من حديقة السيد "ماكروجر".

إن الحرص على المصلحة الشخصية ليس شيئاً يحتمل أن يغيره المرء. إنه حقيقة تشبه الجاذبية الأرضية، فنحن نولد مع ميول فطرية نحو الكر أو الفر، بمعنى أن مجموع كلماتنا وأفعالنا يتجه نحو الحفاظ على ذواتنا. ورغم ذلك، فإننا كثيرا ما ننسى التفكير في نوعية الشخصيات التي نحاربها بالفعل، أو الأماكن التي نفر إليها.

ولو تخلينا عن يقظتنا، فمن الممكن أن يتحول دفاعنا عن النفس إلى احتجاز للنفس، مما يعوقنا عن التفاعل الهادف، وفي بعض الحالات، يوقف مسيرة تقدم علاقاتنا الشخصية تماماً.

ولو تخلينا عن يقظتنا، فربما يكون المكان الذي نفر إليه هو جزيرة منعزلة مهجورة.

ومثل مدينة’ طروادة" التي تحولت جدران دفاعها القوية إلى أكبر سبب لهلاكها، فهن الممكن أن نعزل أنفسنا حتى نصل إلى درجة عقم العلاقات الشخصية.

     كتب "ألفريد أدلر"، المعالج النفسي النمساوي الشهير. يقول: "إن الفرد الذي لا يهتم برفاقه في الإنسانية، هو الذي يواجه أشد الصعوبات في الحياة، ويتسبب في أكثر الجروح إيلاماً للآخرين، ومن مثل هذه النوعية من الأشخاص تنشأ كل الأخطاء البشرية".

إن المقولة السابقة جريئة للغاية، ولكنها تجمل بين طياتها الحقيقة، إن الأخطاء البشرية، على اختلاف أشكالها ودرجاتها -من ميادين القتل في كمبوديا إلى انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكي -هي نتاج لأشخاص يهتمون بأنفسهم فحسب، ولا يلقون بالاً لأي أضرار تصيب الآخرين.

    إن هذه أمثلة متطرفة، ولكن الأمور التي تحدث في الحياة اليومية تثير القدر نفسه من الاضطراب، فالمستشار العام: الذي قُبض عليه وهو يتلقى الرشوة، لم يكن يفكر أبداً في حاملي الأسهم الذين كانوا يعتمدون على هذه الأوراق المالية من أجل تقاعدهم، ولاعب القوى المحترف الذي كان يتناول المنشطات لتحسين الأداء، لم يفكر أبدا في أن أفعاله سوف تلقي بظلالها على رفاقه في الفريق، أو فريقه في المستقبل، أو الرياضة التي يزعم أنه يحبها. والزوج والأب الذي يُكتشف كذبه، يكون مهتماً بإبقاء حياته المزدوجة أكثر من اهتمامه بكسب قلوب عائلته.

    ومع ذلك، فإن طوفان الحفاظ على النفس يتجاوز كونه أكثر من مجرد أمر كارثي، أعد النظر إلى الاقتباس السابق ل "ألفريد أدلر". إنه ببساطة يشير إلى أن الحياة التي تقوم على الأنانية، هي أكثر نوعيات الحياة-التي ربما يعيشها المرء -إثارة للمشكلات، فهي حياة تمضي في صراع دائم في العلاقات الشخصية، وعدد قليل من الأصدقاء المخلصين، وتأثير ضحل قصير العمر.

وربما يبد وهذا مبدأ ينذر بالشر، ويتجسد في عصر نُكافأ فيه على اعتناق اهتماماتنا وإذاعتها في كل حدب وصوب، ولكن لا تزال الحكمة القديمة على صواب: "كل من يحاول الترفع ذل، ومن تواضع عز". إن نجاحنا في التعامل مع الآخرين هو مسألة حافز وتجارة في الأساس. وفي النهاية، لماذا تتواصل مع الآخرين، وما الذي تحاول تعزيزه؟ إن الناس في الوقت الحالي أكثر معرفة، وبالتالي أكثر إدراكاً من أي وقت مضى. ويدرك معظمنا على الفور حقيقة الشخص الذي تدور رسالته حول مصلحته الذاتية فحسب. فنحن نكشف أساليب التحايل من بعد ميل، ونفر من الطرق المخادعة، وفي الحقيقة، فإننا ننجذب بشدة نحو ما نشعر بأنه حقيقي ودائم، ونتقبل بسرور الأشخاص الذين تدور رسائلهم حول المنفعة المتبادلة.

ولقد أخذ "أندرو سوليفان" -أحد أفضل المدونين السياسيين على مستوى العالم -التفكير في هذه الأمور لما يزيد على عقد من الزمان، وحالما شخصت إصابة أصغر رئيس لتحرير المجلة العريقة " نيو ربابليك" بمرض نقص المناعة المكتسبة في تسعينيات القرن الماضي، كان هذا بمنزلة حكم بالإعدام عليه. وبعد أن غادر"سوليفان" منصبه، أصبح أحد أفضل المدونين السياسيين على شبكة الإنترنت، مع وصول عدد زائري مدونته في سنة ٢٠٠٣ إلى ما يزيد على ٣٠٠٠٠٠ زائر شهرياً.

وكان أحد الأشياء التي تميز "سوليفان" عن أقرانه هو التفاعل الواعي مع قرائه. فقد أراد ألا تقتصر مدونته The Daily Dish، على الحديث على السياسة؛ وأراد قراء مخلصين، وأراد بصدق معرفة المزيد عن الأشخاص الذين يتابعونه.

وابتكر سوليفان فكرة "View from Your Window" (المشهد من نافذتك)؛ حيث كان يطلب من قرائه أن يقدموا لقطات من العالم خارج منازلهم، ومثلما هي الحال مع معظم الأشياء التي تجرى على شبكة الإنترنت، لم تكن لدى "سوليفان" أدنى فكرة عما إذا كان هذا الأمر سينجح، أم لا. وقد فسر ذلك قائلا: " لقد أردت أن أرى عالمهم، لقد كنت أعطى كل هؤلاء الأشخاص كل إمكانيات الوصول إلى عالمي، ولكن التفاعلات كانت مملة في النهاية نوعا ما"٠ ولم يكن الأمر عبارة عن إيماءة صغيرة؛ فسرعان ما قويت علاقاته مع قرائه، وبعد تقديم هذه الميزة الاجتماعية، أصبح عمل "سوليفان" هو محور الاستراتيجية الشبكية لمجلة " أتلانتك مانثلى"، وزادت الحركة في هذا الموقع بنسبة ٣٠ %. وليس من المستغرب استمرار المتابعة القوية لمدونة "سوليفان"، عندما نقل مدونته إلى موقع مجلة "نيوزويك"، وموقع " ذا ديلى بيست "، فالناس يرتبطون بالأشخاص الذين يراعون اهتماماتهم.

وتظهر المفارقة في هذا المبدأ -اهتم باهتمامات الآخرين -في أن: نجاحه يتوقف على تفكير الآخرين في أنفسهم، ففعاليته تتوقف في الأساس على اهتمام الآخرين بأنفسهم، وهناك شيئان يجب قولهما في هذا الشأن.

أولاً: إن الحرص على المصلحة الشخصية، في أكثر أشكاله صفاءً، هو جزء من الطبيعة البشرية -في الحقيقة، إنه يمثل استجابة الكر أو الفر. وهذا المبدأ لا ينكر وجود الحرص على المصلحة الشخصية في جميع نواحي حياتنا. وفي الحقيقة، فإن هذا يشير إلى أن معظم الناس _ في معظم الأوقات -ينسون الجانب الآخر من المعادلة البشرية: أي شخص آخر. ويمضي معظم الأشخاص بالحرص على المصلحة الشخصية ليصلوا بذلك إلى أقصى درجات الأنانية، وبناء على ذلك، فإن نجاح هذا المبدأ يرتبط ارتباطاً مباشرا بقلة اختيار معظمنا للتفكير خارج ذواتهم في هذه الأيام. وعلى العكس من ذلك، فإن الشخص الذي يختار الاهتمام باهتمامات الآخرين على أساس يومي، يكون مميزاً، ونحن نتذكر مثل هؤلاء الأشخاص ونصادقهم، ونثق فيهم بشدة، وفي النهاية فإن التأثير هو نتاج للثقة _ فكلما ارتفعت درجة الثقة، زاد مستوى التأثير.

ثانياً: لا يحتل الإنكار التأم للذات قمة هذا المبدأ. لاحظ أن المبدأ لا يقول: "استبدل اهتمامات الآخرين باهتماماتك". ولكنه يقول: "اهتم باهتمامات الآخرين"، وهذا هوسر تطبيقه بفاعلية. عندما تربط اهتمامات الآخرين باهتماماتك الخاصة -ليس من أجل استجلاء أوضاع السوق أو التأكد من مشاهديك فحسب -فستجد أن اهتماماتك ستتحقق خلال عملية مساعدة الآخرين.

تأمل المؤلفة "آن رايس" التي حققت رواياتها أفضل المبيعات؛ حيث باعت أكثر من ٠ ١١ ملايين رواية في حياتها، ولقد بدأت مسيرتها المهنية، وحققت نجاحا هائلا برواياتها الشهيرة عن مصاصى الدماء، والتي تتضمن رواية Interview with a Vampire والذي تحول إلى فيلم للرسوم المتحركة. ورغم أنها كاتبة موهوبة على نحو فريد، الا أن قدراً كبيراً من نجاحها يرجع إلى اهتمامها الأصيل والصادق بقرائها. فكانت "آن" ترد على كل جزء في رسائل قرائها؛ لدرجة أنها وظلفت في وقت من الأوقات، ثلاثة أشخاص بدوام كامل لتلبية هذا المطلب.

ولم تتظاهر أبدا بإبداء الاهتمام بقرائها من أجل زيادة مبيعات رواياتها. فتوضح قائلة:” لقد بدا لي أن الناس يتسمون بالطيبة والكرم لدرجة أنهم يهتمون بي، فأني لي ألا أرد عليهم؟ لقد أردت أن يعلم الناس أنني أدرك قيمة خطاباتهم، وأقدرهم على المستوى الشخصي.

ولقد بدأت "رايس" مؤخرا في الاتجاه إلى موقعي فيسبوك وتويتر، مما منحها المزيد من التواصل المباشر مع معجبيها. وتقول عن هذا: "أوه، إنه أمر رائع. إننا نتبادل الحديث عن العديد من الأشياء".

وتطلق "رايس" على هذا المجتمع اسم People of the Pageʺʺ (جمهور الصفحة)، وقد كتبت تقول: "أعتقد أنه يجدر بنا أن نتذكر أن موقع فيسبوك، وشبكة الإنترنت بشكل عام، هما نتاج لما نصنعه منهما. لقد حققت هذه الصفحة شيدا رائعا، وربما فريداً، إنها تمثل مجتمعا حقيقيا تزيد قوته بشكل غير محدود عن مجموع أجزائه، وأنا أشكركم على الحالة التي أصبحت عليها الصفحة: على المشاركة هنا في العديد من المناقشات الحيوية والمثيرة".

وهذه النتيجة مهمة بالنسبة لأي صاحب مشرع، مثلما هي مهمة بالنسبة للمؤلفين وأصحاب المدونات.

وفي بحثه المفضل لدى معجبيه Bass-Ackward Business يعترف رجل الأعمال "ستيف بيتشام"، بإيجاز بالتالي:

إنني لم أنظر أبداً إلى ننسى على أنني رجل أعمال بارع، فكانت البلاد تمر بإحدى أفضل فترات الانتعاش في مجال إعادة التمويل على الاطلاق ... ولقد انخرطت كلية في هذا الأمر. ولكن للأسف، جف نبع إعادة التمويل قبل أن أنال منه شيئا، ومضت علىَ ستة أشهر دون أن أعقد أية صفقات، وعندما قمت في النهاية بإنهاء صفقة واحدة بالفعل؛ كان ذلك من أجل منزل أخي، وبدلا من البدء من جديد، شرعت في البحت عن طريقة لإنجاح العمل، وفي هذا الوقت بدأت حياتي في اتخاذ منعطف مصيري.

وكان "بيتشام" قد فشل بالفعل في مشروعين سابقين -متجر للبيع بالتجزئة ومشرع لإعادة تصنيع وتدوير الأشياء -قبل أن يحاول العمل في مجال الرهن العقاري، لقد كانت لديه كل الأسباب التي تدعوه إلى التوقف، والرجع إلى الدراسة، أوالتفكير في السماح لشخص آخر بتولي زمام الأمور. ولكنه قاوم طويلا حتى تأكد من خطأ أسلوبه منذ البداية. لقد كان يسعى وراء مشروعه، بينما كان يجدر به أن يهتم بعلاقاته.

ويمضي "بيتشام" إلى وصف لقاء غير متوقع في موقف السيارات، مع شخصية مشهورة تتسم بالإيثار، علمته القيمة السامية للاهتمام باهتمامات الآخرين:

قبل أن أستطيع أن أحصل منه على كلمة أخرى للتعرف عليه بدرجة أكبر، بدأ في إلقاء الأسئلة علىَ... أين نشأت؟ ما الذي تفعله لكسب الرزق؟ ما المدرسة الثانوية التي ذهبت إليها؟ ما أسماء أطفالك؟ وانتهي اللقاء وكأن روحي تعانق عنان السماء، لقد استطاع أن يعلو بصورته في مخيلتي، بطريقة لطيفة ومتواضعة.

لقد تعلم "بيتشام" من هذا اللقاء درساً لا يقدر بثمن، فمنذ ذلك اليوم، التزم بطرح أسئلة مدروسة على كل شخص جديد يقابله، وكل أقاربه الذين لم يكن يعرفهم جيداً. وهو يوضح ذلك قائلا:" لقد قررت -على وجه الدقة -أن أصبح حلالاً للمشكلات؛ ومبادراً، بدون أي قيود. وعندئذ، لم يبدأ العمل في التحول، بل وبدأ في الانطلاق أيضاً ".

وفي غضون بضعة شهور، تحولت وظيفة "بيتشام" إلى مهنة مربحة، وسرعان ما أصبح ناجحاً للغاية لدرجة أنه امتلك شركة للرهن العقاري لا تزال متربعة على قمة هذا القطاع منذ بدايتها وحتى الآن. وربما يكون الأهم من ذلك هو أن عمله يعتمد على توصيات الآخرين بنسبة 100% طوال عقد من الزمان، وهو يقدر أن ربع المكالمات الهاتفية التي يتلقاها مكتبه كل يوم ليست لها علاقة بالحصول على قرض عقاري-وهذا أمر يفخر به كثيراً. فهناك أشخاص يتصلون ويطرحون أسئلة على هذه الشاكلة:” أين يجب علىَ أن أصلح سيارتي؟ "، "أين يجب أن آخذ أصهارى للعشاء؟ "، " ﹶمن يجب أن أتصل به من أجل التأمين على الحياة؟ ".

وهو يوضح أن هؤلاء الأشخاص يتصلون به؛ لأنه أصبح معروفاً بأنه الشخص " الذي يجب الذهاب إليه " وسط مجموعة محلية كبيرة من الأصدقاء. يقول "بيتشام" متهكماً:"إنني لم أصل إلى هذه الدرجة عن طريق حضور ندوات مجانية عن القروض العقارية، أو تشييد لوحة كبيرة تبرز شخصيتي الجديرة بالثقة، لقد وصلت إلى ما أنا عليه عن طريق مساعدة الناس بدون الاحتيال عليهم لعقد صفقة تجارية، وهذا ما حدا "ثورو" أن يكتب قائلا: "إن الطيبة هي الاستثمار الوحيد الذي لا يفشل أبدا".

وتوجد روح الارتباط عينها في متناول كل واحد منا في كل تفاعل اجتماعي. فما أبسط أن تنطلق متحفرا فقط من أجل معرفة الآخرين، والبحث عن المشكلات التي يمكنك المساعدة في حلها، أو الأعمال التي يمكنك تعزيزها. وهنا هو السر البسيط الذي يكمن فيما يطلق عليه "بيتشام" العمل بطريقة خاطئة ورغم ذلك، فإن الحقيقة هي أن الطرق النموذجية التي يمارسها معظم الناس مع بعضهم في العلاقات العملية هي التي تسير عكس الاتجاه.

    وتقول الحكمة: "سأساعدك فيما تبغي إذا ساعدتني فيما أريد" _ هذه ليست معاملة بالمثل، بل هي مقايضة، ومسار مختلف تماما يبتعد عن السحر والجاذبية، وهذا السحر الخالص هو الذي يجعل تفاعلاتنا الاجتماعية جديرة بالذكر. وهذا ما يجذبنا نحو مثل هذه التفاعلات؛ حيث تشيع الثقة ويسود الإحساس الحقيقي بالانتماء والقيمة.

وفي الوقت الحالي، ليس هناك عذر يمنع أن يبدى المرء الاهتمام باهتمامات الآخرين. وحتى عندما لا تكون مشتركًا في الأندية، أو الجماعات، أو المؤسسات المحلية -التي يمكن أن تحدث فيها التفاعلات المباشرة -فهناك عدد وفير من الفرص لكي تفهم عواطف واهتمامات الآخرين. ما الذي يمكن أن يحدث لو قضيت خمس دقائق في كل يوم لتقرأ صفحة الفيسبوك لثلاثة من أصدقائك، أو السير المهنية لثلاثة من عملائك، أو المدونة الشخصية لثلاثة من موظفيك، والذين لم يتح لك الوقت لكي تتعرف عليهم بشكل جيد؟ بالنسبة للمبتدئين، ستعلم عنهم بالتأكيد شيدا لم ثكن تعرفه من قبل. ومن المحتمل أن تشعر بمزيد من التقدير نحوهم، وربما تكون لديك الاهتمامات نفسها؛ مما يجعلها مادة خصبة لمحادثات مستقبلية، بل وللتعاون المستقبلي أيضاً. وربما تجد أن أحدهم يمر بأوقات عصيبة؛ وتكون هذه فرصة لتحفيزه على الانخراط عن طريق التشجيع وإبداء مستوى أكبر من التعاطف. وربما يكون لديكما صديق مشترك؛ أفلا يساعد هذا على جعل بناء العلاقة أمرا أكثر سهولة؛ حيث تكون الثقة موجودة بالفعل في صديق مشترك ومستثمرة بالفعل في خبرات مشتركة؟ إن المرء لا يستطيع أبدا أن يقلل من أهمية بناء الألفة.

"اننا نميل إلى العزوف عن الأشياء التي لا نعرفها"؛ هكذا تقول "إيمى مارتين" في احدى مدوناتها وهي مؤسسة محطة وسائل الإعلام الاجتماعية "ديجيتال رويالتي "، وإحدى الحاصلات على جائزة "أفضل ٢٠ سيدة مميزة على موقع تويتر " حسب تصنيف مجلة فوربس، بعد تجربتها الأولى مع الاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية.NASCAR تقول إيمى: "إن العديد من الناس لا يفهمون، أو بالأحرى لا "يدركون معنى" ... اليوم الممل المعروف بالانعطافات". وكانت إيمى -باعتراف الجميع -في ذلك المعسكر قبل حضور سباق "داينون 00 ٥" للسيارات في عام ٢٠١١. وبعد فترة قصيرة، كتبت” إيمى" مشاركة على الإنترنت أشادت فيها بوصول الاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية NASCAR إلى مستوى رائع من الترابط والتأثير الحقيقي مع قاعدة معجبيه، وهذا أمر نادر الحدوث في الرياضات الاحترافية.

وقد كتبت تقول: " إليكم ما تعلمته. كان السائقين متحمسين بالفعل لجلسات الأسئلة والإجابات، وامضاء التوقيعات على التذكارات في اليوم السابق على السباق. وتصادف أن يكون سباق " دايتون 500" للسيارات هو أفضل يوم في السنة بالنسبة للاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية. ولم أكن أعتقد أن "بريت فاريت" كان يتحدث مع آلاف المعجبين في يوم المباراة النهائية بين بطل الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية وبطل اتحاد كرة القدم الأمريكية للمحترفين، ولقد حصلت على "تصريح مرور مميز" سحري، وكان باستطاعتي الذهاب إلى أي أمكان. لقد كنت أشعر بالإثارة المشوبة بالاضطراب لقدرتي غير المحدودة على التجول، وكنت أشعر بالقلق في بعض الأوقات، من اعتراض طريق طاقم العمل. لقد كنت جزءا من هذا الحدث، ولم أكن الوحيدة. خلاصة القول، كان المعجبون يتمتعون بحرية التواصل".

وعن أسباب اعتقاد "مارتين" بأن أسلوب الاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية يمثل خطوة ذكية بالنسبة لأية رياضة، فإنها تذكر الأسباب التالية:

  • حرية التواصل تؤدي إلى الترابط. (يستطيع المعجبون الاهتمام بحلبة السباق الفعلية).
  • يؤدى الترابط إلى تكوين العلاقات. (في جميع المراحل العمرية).
  • تؤدي العلاقات إلى الشعور بالألفة والانجذاب. (لا يمكنك ادعاء هذه المشاعر).
  • يؤدى الانجذاب إلى حدوث التأثير. (هناك سبب يدعو الكثير من العلامات التجارية إلى الاهتمام بالاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية).
  • التأثير يؤدى إلى التحول. (تزداد فرص أن يقوم المعجبون بشراء أي شيء يبيعه هذا السائق).

وأنهت أمارتين’’ مدونتها بإشارة إلى أن التوسع المحتمل للترا بهل الحقيقي للاتحاد القومي لسباق السيارات القياسية مع قاعدة معجبيه -١٥٠٠٠٠ معجب في المدرجات، و٣٠ مليون مشاهد تليفزيوني -يوجب عليهم أن يقتنصوا الفرص التي يقدمها إليهم العصر الرقمي. فكتبت تقول:” يرتفع سقف الاحتمالات إلى حداً كبير جداً عندما يتم تطبيق هذا الأسلوب نفسه في حرية التواصل عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية مع جماهير أكثر عددا. ماذا يحدث لو أتيحت إمكانية التواجد خلف الكواليس بصورة مادية للمعجبين في سباق "دايتون 500" للسيارات أمام بلايين المعجبين المحتملين [على موقع فيس بوك، أو تويتر، أو يوتيوب] الذين لا يشاهدون السباق على شاشات التلفاز؟”.

لقد أقامت مدونة "مارتين" جسرا بين النقطتين الأساسيتين في الاهتمام باهتمامات الآخرين في الوقت الحالي:

١. دائما ما تكون إقامة العلاقات البشرية أكثر سهولة ويسرا عندما تنطلق من مبدأ الألفة والانجذاب.

٢. تصل إمكانيات الترابط في العلاقات إلى عنان السماء.

الخلاصة أنه يجب عليك أن تبدي اهتماماً حقيقيًا وصادقاً بالآخرين قبل أن يمكنك أن تتوقع من أي شخص أن يبدي اهتمامه بك، قال المؤلف "جون ماكسويل" في مقابلة أجريت معه مؤخرا: "عندما تسير الأمور على طبيعتها، فإن الناس يقومون بالعمل مع الأشخاص الذين يحبونهم، وعندما لا يحدث ذلك، فإنهم يستمرون فيما هم عليه" إننا نحب الأشخاص الذين يحبوننا، ولذا إذا أردت أن يحبك الآخرون، يجب أن تبدي الاهتمام بالأشياء التي يفعلها ويقولها الآخرون.

ويزعم الكثيرون أن الناس لم يعودوا يهتمون كثيرا بالآخرين، فالتركيز على” الأنا" يسيطر على طريقة تفكيرنا، وتصرفنا، وتواصلنا. ورغم ذلك، هناك العديد من الفرص لكي تبقى على اتصال باهتمامات الآخرين، ولكي تتعلم المزيد عنها، ولكي تظهر اهتمامك بها، إن تغيير طريقة قضائك لجزء صغير من كل يوم من الممكن أن يؤدى إلى تحول كبير في طريقة إدراك الآخرين لمستوى اهتمامك بهم. كما أن تغيير استراتيجيتك في الاهتمام بالعملاء من الممكن أن تؤدى إلى إحداث تغيير هائل في رؤية سوق العمل لشركتك.

وبدلا من قضاء كل يوم في تحسين وسائل الإعلام الرقمية، عليك بقضاء الوقت في مد جسور وأواصر العلاقات مع أصدقائك، وزملائك في العمل، وعملائك، عن طريق الرسائل البريدية، أو ملاحظات الاعجاب. تفاعل معهم، واكتشف المشكلات التي يمكنك المساعدة في حلها، أو الأعمال التي يمكنك تعزيزها. إننا ننساق وراء عواطفنا، سواء كنا نشعر بالسعادة أو بالألم؛ ولذلك فإن مثل هذه التوقعات تسكن بداخل كل منا، وعندما تكون صادقا في محاولاتك للترابط مع الآخرين، تزداد دائما فرصك في إقامة علاقات هادفة، ومن الممكن وقتها أن تتسم هذه العلاقات بالتقدمية، والتعاون، وتبادل المنفعة، وفي الوقت الحالي، فإن الترابط الحقيقي والتعاون الصادق من الممكن أن يصبح معديا بشكل سريع للغاية.