هناك طالب بمركز "ديل اكارنيجي للتدريب" في أستراليا، يعيد رواية القصة التالية التي تقدم درساً جيداً لما يمكن أن يحدث عندما نتجاهل هذا المبدأ.

كنت أنا وشريكي في العمل ندير أحد أكبر محلات التجزئة للتعامل في تكنولوجيا المعلومات في "برسبين". وكان لدينا ثمانية محلات، ويعمل لدينا أكثر من ستين موظفاً، وكانت المبيعات تصل إلى ما يزيد على 10 ملايين دولار كل عام، ورغم أن شريكي في العمل كان يساعدني كثيراً، وكان هادئاً على نحو معقول، إلا أنني كنت أعتقد أنني سبب كل هذا النجاح. لقد كانت هناك طريقة واحدة فقط لإدارة الشركة، وكانت هذه طريقتي أنا، وعندما كان يظهر احتمال للنقاش، كنت أحرص على حدوثه وأحاول الفوز به بغض النظر عن التكلفة، ولم أكن أبدأ اجتماعنا بطريقة ودية، وكثيراً ما كنت أستخف به، لم أكن أفكر أبداً في مشاعره، وكنت أتساءل أيضاً عن سبب عدم تشبهه بي. وفي النهاية، فزت بكل المناقشات، وأصبحت لدي طريقتي الخاصة، ولكنى فقدت الشراكة، وخسرت الشركة بعد ذلك. وبعد أن تعلمت هذا المبدأ، بدأت النظر إلى الوراء، وأنا أفهم الآن كم كنت مخطئاً، وكثيراً ما أفكر أنني لو تعلمت هذه الأشياء مبكراً، لتغيرت حياتي العملية كثيراً في الوقت الحالي، إنني أعلم أنني لا أستطيع تغيير الماضي في الوقت الحالي، ولكنني أستطيع أن أرى الأخطاء التي ارتكبتها، وأحاول ألا أكررها.

    وفي الوقت الحالي، أصبح هذا السيد المهذب شخصاً مختلفاً، لقد كتب يقول: الآن، دائماً ما أسأل شركائي عن أهدافهم قبل أن أضع أهدافي الشخصية، ثم أسأل نفسي: "ما الذي يمكنني القيام به لمساعدة هذه العلاقة على أن تؤدى إلى تحقيق هذه الأهداف؟"".

    ورغم أنه من السهل أن نرى سبب رغبتنا في الفخر بالنجاحات التي نحققها، فإن ادعاء الفخر لن يساعدك أبداً على الفوز بالأصدقاء. وسوف يؤدى بك أيضاً إلى تضاؤل تأثيرك على نحو أسرع من أي تصرف آخر.

    ما أسوأ صفة في أي قائد؟ اسأل تابعيه، وسوف يخبرونك بأنها صفة الفخر عندما تسير الأمور على ما يرام، وإلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوع الأمور، وهناك بعض الحالات التي ترسل رسالة أكثر وضوحاً: "إن الأمر كله يدور حولي أنا". وقليل من الرسائل تجعل الناس يسرعون إلى الطريق الآخر.

    فمن ذا الذي يريد صديقاً يعتقد أن الأمور تدور حوله فحسب؟ ومن ذا الذي يريد قائداً لا يستطيع أن يرى إسهامات العاملين معه؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين سهلة.

    والإجابة عن السؤالين المضادين للسؤالين السابقين على القدر نفسه من السهولة أيضاً: من ذا الذي يريد صديقاً لا يهتم بمن يحوز الشرف؟ ومن ذا الذي يريد قائداً يرى القيمة الكاملة لإسهامات العاملين معه؟

كتب "أوجست توراك" - مدون على موقع مجلة "فووبس"، وموظف مؤسس سابق بشبكة "إم تى في التليفزيونية- يقول: إن التخلي عن الفخر عامل مضاعف سحري".

إنه يعمل على نحو جيد, سواء في الحياة العملية أو الشخصية، ولكن استخدام هذا السحر يتطلب اتجاهاً نحو العرفان بالجميل، وفي ظل غياب الإحساس الصادق بالعرفان بالجميل، يصبح التشارك في الفخر مجرد حيلة استقلالية أخرى تؤدى إلى حدوث نتائج عكسية....إن هذه أمور ليست عسيرة الفهم؛ فهي تنبع من الإدراك السليم. إذن، لماذا يسرق الفخر أكثر من مشاركته مع الآخرين؟ السبب المعتاد هو الخوف.

    ولكن الخوف في هذه الحالة، يجب أن يبقى تحسدا لاحتمال أن تصبح شخصاً يشعر بالخوف من مشاركة غنائم النجاح.

    ويشاركنا "توراك" موعظة رائعة سمعها ذات مرة، وهي توضح وجهة نظره جيداً:

بدأ المتحدث كلامه قائلاً: "تزخر بحيرة طبرية بالسمك والحياة. والبحر الميت ميت وخال من الحياة، ويتغذى كلاهما على الماء المتلألئ لنهر الأردن. فمن أين يأتي الفرق إذن؟ إن بحيرة طبرية تتخلى عن مياهها للآخرين، بينما يحتفظ البحر الميت بكل الماء لنفسه، ومثلما هي الحال مع البحر الميت، فعندما نحتفظ بكل ما هو نقى وجيد لأنفسنا، فإننا نحول حياتنا إلى شراب أجاج من الدموع المالحة".

    إن التخلي عن التفاخر بوظيفة أو مشروع ما لا يمكن أن يكون تواضعاً مزيفاً، أو أسلوباً خفياً للبحث. عن الأضواء. فهذا أحد أشكال التضحية الزائفة، ولا ينشأ المبدأ المقترح هنا من نشاط يسعى لجذب الانتباه، ولكنه ينبع من ثقة سامية بأنك شخص أفضل بكثير عندما يعرف الأشخاص المحيطون بك بأنهم يلعبون أدوارا مهمة في النجاح على المستوى الاجتماعي والشخصي أيضاً.

    شاهد أي عرض للجوائز السينمائية أو الموسيقية، وسوف ترى هذه العملية ظاهرة بالفعل، خاصة مع المشاركين الذين يتسمون بأكبر قدر من الشهامة. ما البادرة الأولى المتوقعة من الشخص الفائز بإحدى الجوائز؟ إنها خطبة قبول الجائزة. وما خطبة قبول الجائزة إلا قائمة تضم أسماء الأشخاص الذين يوجه إليهم الشكر، لأنهم كانوا مسئولين عن نجاحه، ربما يقول البعض بأن هذا مجرد سيناريو موضوع لعرض جماهيري، ولكن وجوه أصحاب هذه الأسماء تقول شيئاً آخر.

    وبينما تنتقل الكاميرا لتعرض هذه الوجوه، فإننا نرى وجوهاً متألقة -حتى إن بعضهم يبكي بدموع الفرحة، لأنهم مشاركون في تحقيق النجاح، وتبادل العرفان بالجميل.

    وربما لا يكون من قبيل المصادفة أن تكون "جرير جارسون" المرأة التي ألقت أطول خطاب لقبول الجائزة في تاريخ جوائز الأوسكار، والذي استمر لحوالي خمس دقائق ونصف، هي أيضاً المسجلة المشاركة مع ”بات ديفيز" لأكبر عدد من الترشيحات المتتالية لجائزة أفضل ممثلة، والتي تبلغ خمس مرات٠ هل الممكن أن يكون كل هذا العرفان بالجميل جزءاً كبيراً من أسباب نجاحها الباهر؟

    كثيرا ما يقال إنك لكى تكون ناجحاً، يجب أن تحيط نفسك بأناس ناجحين، ورغم أن هذه العبارة تعبر عن الحقيقة، يرى القليل من الناس أن هناك طريقتين للتعامل مع هذا الوضع، فإما أن تسعى إلى مصاحبة الأشخاص الناجحين بالفعل، أو يمكنك أن تسعى وراء نجاح الأشخاص الذين هم أصدقاؤك بالفعل. وأياً كان الطريق الذي ستختاره، فهناك شيء واحد مؤكد: دائماً ما يتساوى نجاحك مع عدد الأشخاص الذين يريدون رؤيتك ناجحاً، ولكن إحدى الطريقتين فقط هي التي تحقق نتائج أفضل.

    فعندما تسعى وراء إقامة علاقات الصداقة مع الأشخاص الناجحين بالفعل، فليس هناك ما يضمن أنهم سوف يتمنون لك النجاح أيضاً، وربما تضطر إلى العمل للتغلب على نظرة الآخرين لك على أنك شخص متطفل متسلق، وعلى الجانب الآخر، عندما تسعى وراء نجاح الأشخاص الذين هم أصدقاؤك بالفعل، فسنكون على وشك ضمان أن يتمنى لك هؤلاء الأشخاص النجاح أيضاً.

    إن التخلي عن الفخر هو طريقة في الحياة، ترعاها في علاقاتك مع الآخرين، لأنك تشعر بالامتنان نحوهم، ونحو ما يقدمونه لك، إن الأمر لا يزيد على كونه وضع نجاح الآخرين وتحسن أحوالهم أولاً- ووضع ثقتك في كل من هويتك والقوة المرنة لمعاملة الآخرين بالمثل.

    كان ”مارك توين” يتمتع بالثقة في الجهة الأولى؛ وكان "هنرى إيرفينج" لا يستطيع اتهامه بأنه يحاول على الأقل أن يضع ثقته في الثانية. وهناك حكاية طريفة تروى محادثة جرت بينهما في ذلك العصر الأدبي، وتبرهـن على هذا المبدأ على نحو بارع.

    كان ''هنرى إيرفينج" يروى قصة ل "مارك توين”. وبعد المقدمة، طرح "إيرفيتج" على "توين" سؤالاً يقول: "إنك لم تسمع هذه القصة من قبل، أليس كذلك؟". وأكد له "توين" أنه لم يسمعها من قبل، وبعد قليل سكت "إيرفيئج" مرة أخرى، وطرح السؤال نفسه، وأجاب "توين" -بالإجابة -نفسها. وعندما اقترب "إيرفينج". من ذروة القصة، قطع حديثه مرة أخرى، وقال: "هل أنت متأكد تماماً من أنك لم تسمع هذه القصة من قبل؟".

    وكانت المرة الثالثة لا يمكن احتمالها بالنسبة للمستمع - "توين".

    وعندئذ رد "توين" هذه المرة قائلاً: "يمكنني أن أكذب مرتين على سبيل

المجاملة، ولكنى وضعت خطاً فاصلاً هنا، ولا يمكنني الكذب للمرة الثالثة بأية حال من الأحوال. إنني لم أسمع هذه القصة فحسب، بل إنني ابتكرتها أيضاً"

    كان من الممكن أن يشعر "توين" بالسعادة لتركه المفارقة الغريبة تمر دون أن ينطق كلمة عن الحقيقة الفعلية. هل كان يهمه بالفعل أن القصة كانت قصته طوال الوقت؟ لا. لقد 'كان يشعر بالسعادة لأن القصة تعمل بشكل جيد على إثراء الحديث، ورغم أنه استسلم في النهاية - ومن يستطيع أن يلومه على هذا؟- فإن هذه القصة المسلية توضح أنه ليس من المهم من يحوز الشرف على شيء ما طالما أن هذا 1لشيء ينفع كل الأطراف المعنية.

    وتتأصل في مبدأ التخلي عن الفخر إلى شخص آخر هذه الكلمة التي استخدمناها بالفعل: "المعاملة بالمثل". إننا لا نعطى لكى نحصل على فائدة معينة من أية علاقة، ولكننا نعطى بالفعل لكى نعزز العلاقات - وعند القيام بذلك، فإننا نعرف أنه ستكون هناك مكافآت. فالمعاملة بالمثل هي منتج فرعى لعلاقة يتشارك فيها شخصان الشعور بالأفراح والأتراح، وهناك حكمة تقول: "إن المشاركة تضاعف الأفراح، وتخفف الأتراح". وفي العلاقات الحقيقية الصادقة، يبحث الأصدقاء عن طرق لمكافأة أصدقائهم. فما الذي يمكن أن يحدث لو انتشرت هذه الروح في العلاقات داخل إحدى الشركات، أوفي موضع معين من السوق، أو حتى عبر سلسلة كاملة من القيم؟

    هناك شيئان مؤكدان: (١) سوف يستمتع جميع المشتركين في العلاقة بحياتهم كثيراً، و( ٢ ) سوف يكون النجاح أكثر احتمالاً بفضل حدوث التعاون بشكل طبيعي، ونحن نمتلك قوة نشر هذه الروح في العلاقات في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى.

    وعلى المدى الطويل، فليس هناك أحد يتذكر أشياء من قبيل: صاحب الفكرة، أو الشخص الذي يتكلم أولاً، أو الشخص الذي بادر المخاطرة، إلا الشخص نفسه الذي قام بالفعل، ولا يتذكر الناس إلا الشهامة، ومن المفارقات الشيقة أنه كلما تخليت عن ادعاء الفخر عن شي ء قمت به، كثر ذكرك بين الناس، وزاد ما ينسب إليك من فخر وشرف في الواقع.

    قال الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" نات مرة: "إن ما أرغب فيه بالفعل هو أن أدخل التاريخ على أنني الرئيس الذي جعل الأمريكيين يثقون بأنفسهم مرة أخرى". ومن هذا الاستشهاد وحده يمكننا القيام بتحليل دقيق إلى حد ما لشخصية هذا الرجل. لقد كان مشتركا في اللعبة، حتى يستطيع الآخرون تحقيق الفوز، وكانت أهدافه السياسية تدور حول الارتقاء بالأشخاص الذين يخدمهم من موقعه، والعمل على نجاحهم.

    وربما يكون أفضل ما يرمز إلى شخصية ريجان هو الاستشهاد الموجود على اللوحة التي تعلو طاولة المكتب البيضاوي. يقول هذا الاستشهاد: ”ليست هناك حدود تقيد قدرة الإنسان على القيام بما يمكنه القيام به، أو تمنعه عن الذهاب إلى المكان الذي يستطيع الذهاب إليه، عندما لا يهتم بمن يحوز الشرف والفخر".

    وكثيرا ما تكون هذه هي الحال بالنسبة للأشخاص المؤثرين، فهم يسعون وراء نداء سام، وشيء يتجاوز أي دوافع سياسية، أو بيروقراطية، أو ذات توجهات نحو النجاح تتسبب في إعاقة الآخرين. وكان اريجان” يرفض التعليقات التي تدور حول مآثره بملاحظة ظريفة تقول: "إنني لن أكون حياً لكى أسمع ما يقوله العلماء والمؤرخون عنى". وهذا ما جعل الكثيرين يحبونه كإنسان وقائد، فقد كان يعش ويقود مع الاستسلام الدائم أمام الخير العام لبلاده، وكان يقوم بذلك عن طريق اتباع طرق غير تقليدية تماماً. هذا هو هدف الشخص الذي يسعى إلى الارتقاء بالآخرين بصرف النظر عن نفسه. وهذه هي العقلية غير التقليدية التي نفهم أن النجاح لا يتعلق بجذب الانتباه والحصول على أوسمة الشرف، بل إنه يدور حول الشراكة والتقدم.