في العاشر من مارس عام ٢٠١٠، صدر بيان صحفي من مؤسسة "كوين إيمانويل أوركهارت أوليفر آند هيدجز"، إحدى أفضل ١٠٠ مؤسسة محاماة بحسب تصنيف مجلة "أمريكان لويز". لقد اختار "جون كوين" و"إيريك إيمانويل _ مؤسسا الشركة _ شريكاً جديداً هو "كاثلين إم. سوليفان".

وسوليفان هي إحدى أفضل المحاميات في الولايات المتحدة الأمريكية، والعميدة السابقة لكلية الحقوق بجامعة ستانفورد، وقد حصلت على شهادات من جامعة كورنيل، وكلية الحقوق بجامعة هارفارد، وجامعة أوكسفورد. لقد كانت الأستاذة الجامعية للسيدة الأولى "ميشيل أوباما" في جامعة هارفارد، وكانت تتلقى التقدير والثناء على عقليتها القانونية، وفطنتها، وموهبتها من جميع أنحاء العالم، ويعرف خصومها كم كانت "سوليفان” خصماً قانونيّاً قويّاً. لقد كانت أهلا لهذا المنصب.

وتقوم شركات المحاماة _ مثل كل الشركات _ بإجراء تغييرات من وقت لآخر. فيأتي زملاء العمل ويذهبون، وهذا ما يحدث مع مساعدي المحامين والمعاونين أيضاً، ويعتبر تغير الشركاء أمراً نادراً للغاية، وبالكاد ما يكون مألوفاً.

لماذا كان هذا المنصب بعينه مهمّاً للغاية؟

إن "كاثلين سوليفان" لم تصبح شريكة فحسب؛ بل إنها أصبحت شريكة مسماة. أي أن المؤسسة الجديدة أصبحت تسمى منن ذلك الحين "كوين إيمانويل أوركهارت آند سوليفان". ولكي يصبح المرء شريكاً مسمى في مؤسسة محاماة فهذا أمر له دلالات خاصة تزداد في شركة عريقة كهذه. ولكن ما يضفي على تعيين "سوليفان" مكانة خاصة هو أنها أصبحت على الفور أول امرأة تصبح شريكاً مسمى في واحدة من أفضل ١٠٠ مؤسسة أمريكية للمحاماة.

    منذ عام ١٨٧٠، عندما أصبحت "آدا إتش. كيبلى" أول خريجة في كلية للحقوق، وحتى عام 2010، لم تفتح شركة كبرى أخرى أبوابها أمام تعيين أية امرأة، وليس هذا فحسب، لقد عينت امرأة، وكسر حاجز.

   كتب "كوين" يقول: إن تضمين اسمها في اسم الشركة يعكس تكامل ممارساتنا في المحاكم والاستئناف وجوانب قوتنا كشركة محاماة وطنية". إن اسم المرء يحمل قوة من نوع ما، إن الاسم يتجاوز كونه مجرد كلمة، إنه شيء أكثر عمقاً ودلالة، ولا يقتصر الأمر على ذلك بالنسبة للرواد من أمثال "كاثلين سوليفان".

    ومرورا على الأدبيات القديمة والحديثة، لم يكن اسم المرء مجرد لقب له؛ فهو يكشف أشياء عن صفاته، وشخصيته، وقدره، مثل "أبوللو" و"ابراهام" و"أتيكوس" و "كوزيت" و "سكارليت" و "سندريللا" و "بوليانا"، ففي العصر الروماني، كان اسم المرء يتطابق بشكل وثيق بماهيته التي كان عليها، لدرجة أنه عندما كان يُحذف اسم أحد المجرمين من السجل المدني، كانت كل حقوقه المدنية تذهب أدراج الرياح، وإلى يومنا هذا، هناك قبائل إفريقية معينة تعتقد أن اسم الفرد هو القوة الأساسية التي تحدد مهاراته، وقراراته، وفي النهاية مصيره في الحياة.

    هل هناك أي سبب يدعونا للاعتقاد بأن اسم المرء أصبح أقل أهمية في الوقت الحالي؟ ربما يكون اسم المرء أكثر أهمية في الوقت الحالي، ولكنه أصبح قضية أساسية في الإطار التجاري. إنه يمثل كلا من الفرص والمشكلات.

وفي هذا العصر الرقمي، أصبحت الأسماء مثل شعارات الشركات؛ حيث إنها لا تكتفي بتحديد ماهية الشخصي فحسب، بل وتحديد الشيء الذي يمثله _ الأمور المحبوبة والمكروهة، والمقبولة والمرفوضة، إن مئات الملايين من أصحاب المدونات، والمغردين على موقع تويتر، والمشاركين على الفيسبوك يريدون بالتأكيد أن تسمع أصواتهم وآراؤهم، ولكنهم يريدون أن تُعرف أسماؤهم أيضاً، ولقد قام موقعا تويتر و فيسبوك بما هو أكثر من مجرد إضافة اقتصاد على أساس معلوماتي؛ بل إنهما قاما بإبداع نوع جديد من الاقتصاد القائم على الأسماء ، والذي نعرف فيه بالاسم الذي نروج له ونسوقه إلى العالم. إن هذا النوع من الإدراك أصبح عملة متداولة في الوقت الحالي، بالطبع، حتى أنه يضفي معنى جديداً على تعبير "اسم مألوف".

    وعلى صفحات موقع تويتر والمدونات، تتساوى قيمة إعلانك التجاري مع عدد الأسماء -المعجبة بك. ومع تزايد أعداد معجبيك، تزداد عقود النشر، والاتفاقات الإعلانية، وعروض المصادقة، ليس من حيث الجدوى فحسب، بل ومن حيث القيمة أيضاً. وتعتبر المدونة "رى دروموند" _ إحدى أفضل ١٠٠ مدون حسب تصنيف موقع "تيكنوراتى" _ خير مثال على ذلك.

    تقابلت خريجة جامعة كاليفورنيا بولاية لوس أنجلوس _ والتي كانت تحمل خططاً كبيرة لممارسة المحاماة في مدينة كبيرة _ بزوجها الذي تطلق عليه لقب "مارلبورو مان" أثناء "التوقف في إحدى محطات البنزين" في أوكلاهما، على حد قولها. وحينئذ ذهبت خطط الدراسة في كلية الحقوق بشيكاغو أدراج الرياح، وانتقلت إلى العيش في مزرعة للماشية خاصة بزوجها، وأخذت لقبها الجديد "المرأة الرائدة".1 وبدأت "دروموند" في كتابة مدونتها في عام ٢٠٠٦، كطريقة لإخبار أصدقائها وعائلتها بحياتها الممتعة غير المتوقعة، وبحلول عام ٢٠٠٩، وصل عدد قرائها إلى ما يقرب من مليوني قارئ، ووصل عدد الزائرين إلى مئات الملايين في كل شهر، وفي عام ٢٠١٠، حصلت على عقدين مربحين لنشر كتبها، وصنفت كتبها مرتين متتاليتين كأفضل الكتب مبيعاً حسب تصنيف مجلة" نيويوورك تايمز"، وكانت. تكسب ما يقرب من مليون دولار أمريكي تقريباً في العام من المدونة والمبيعات فقط.

    لقد أصبح من الواضح أن أسماءنا الشخصية من الممكن أن تحمل قيمة في الوقت الحالي، ولكن خشية أن نتعرض لإغراء النسيان، يجب علينا التذكير بأن معرفة أسماء الآخرين من الممكن أن تؤدى إلى تحقيق درجة أكبر من النجاح. ويعرف "ديف مونسون" _ مؤسس شركة "ساديلباك ليذر كومبانى" _ هذا الأمر حق المعرفة. لقد كان "مونسون" يعمل مدرساً متطوعاً للغة الإنجليزية في المكسيك، عندما قام عامل محلى بصنع أول حقيبة جلدية من تصميم رسمه "مونسون" له، ولقد جذبت هذه الحقيبة الكثير من الاهتمام في شوارع موطنه في مدينة بورتلاند، بولاية أوريجون، لدرجة أنه عاد إلى المكسيك لكي يحصل على المزيد منها، وبعد مرور شهر عاد "مونسون" إلى مدينة بورتلاند ومعه ثماني حقائب باعها وهو يعرضها على سيارته اللاند كروزر القديمة في ثلاث ساعات. ومن هنا ولدت شركة "ساديلباك ليذر"، وولد معها الهدف المتمثل في "حب الناس في جميع أنحاء العالم عن طريق وضع تصميمات جلدية تبالغ في مراعاة الجودة العالية، والقوة، والاستخدام العملى".

    فما هو سر "مونسون" إذن؟ إنه كثيراً ما يجيب عن اتصالات العملاء من هاتفه الخلوي، ويرد على الأسئلة التي تطرح عن طريق الإنترنت عن طريق هاتفه أو البريد الإلكتروني؛ كما أنه يسافر أيضاً إلى المكسيك كل شهر مرات عديدة في كل سنة، لكى يبقى على تواصل مع عمال الجلود المكسيكيين الذين لا يزالون يصنعون حقائبه، ولا تعد هذه الزيارات من أجل حب الظهور. يقول "مونسون" مفسراً ذلك في مقابلة أجريت معه مؤخراً: "إنني أعانق العمال، وأسألهم عن الطريقة التي يمكنني بها مكافأتهم، وعندما بدأت في القيام بهذه الرحلات لأول مرة، فإنني أتذكر الإحساس بالذهول الذي كان يصيب هؤلاء الرجال لأنني كنت أناديهم بأسمائهم، وأجلس معهم وأتحدث إليهم عن حياتهم الشخصية، لقد تلألأت الدموع في عيني أحدهم، وهو مثل ما حدث معي بعدها".

    إنه لا يتشارك هذه القصص الشخصية على مدونته أوفي أدبياته التسويقية؛ لأنه يعتقد أن إصدار الوعد بالقيام بشيء ما يختلف عن تحقيقه.

     ويرى مونسون أن شركة. "ساديلباك" تشعر بالفخر لبقائها مشروعاً عائلياً رغم بيعها بضائع جلدية تساوى ملايين الدولارات في كل عام. ولقد كتب في مدونته يقول؛ "لقد سمعت قصصاً مرعبة عن الكثير والكثير من أصحاب المشروعات الصغيرة الناجحة والذين دفعهم الطمع إلى محاولة التحول إلى عمالقة، مما أدى إلى فشلهم، إننا لا نسير على نهج هؤلاء، إننا عائلة من ملاك الجلود الذين نتمتع بالحب فيما بيننا، ولسوف نبقى كذلك. ولا يمضي يوم تقريباً بدون أن أضطجع على السرير مع زوجتي المحبوبة، وأتكلم معها حول أصحاب الحقائب المختلفين الذين نروح ونغدو معهم، إننا نريد معرفة اسمك".

    وهذا المستوى من التواصل الشخصي _ وضع أسماء الناس قبل  أسماء المنتجات والأرباح _ هو الذي يجعل المرء يظن أن شركة "ساديلباك" سوف تظل موجودة بقدر بقاء حقائبه الجلدية التي تحمل شعار: "اسوف يتقاتلون عليها عندما تموت".

إن فرص أن يعرفك الآخرون وأن تعرفهم هما في النهاية وجهان لعملة واحدة. فهناك الترويج _ تقديم نفسك إلى الآخرين، وهناك بناء العلاقات _ التفاعل بينك وبين الآخرين. والأمر المثير هو أنك تستطيع أن تتخلى عن الأمر الأول وتظل ناجحاً رغم ذلك، وهذا يعنى أنه يمكنك أن تكون ناجحاً للغاية في بناء العلاقات، لدرجة أن تفاعلاتك مع الآخرين تساعد على نشأة ودعم علامتك التجارية. وعلى النقيض من ذلك، لا يمكنك تعزيز النجاح اعتمادا على الترويج فحسب، فلا يمكنك الترويج لنفسك أو لمشروعك، وتتجاهل بناء العلاقات. وفي النهاية، لايزال العمل يدور حول ارتباط الناس ببعضهم. وقد مر السيد” بيتس"، من مدينة واتكنسفيل بولاية جورجيا بهذه التجربة بنفسه.

    السيد بيتس صاحب مشروع دائماً ما يقوم باصطحاب أفضل مورديه من خارج المدينة إلى مطعم "بونز"، وهو مطعم شهير في مدينة أتلانتا يبعد حوالي سبعين ميلاً ورغم ذلك، فإن إخلاصه لهذا المطعم لم يكن نتيجة قائمة طعامهم الممتاز ذي العلامة التجارية المميزة كما هي الحال مع أي مطعم في أمريكا الشمالية. لقد بدأ الأمر مع نادل يدعى "جيمس". بينما كان أحد العاملين في المطعم يقود السيد ”بيتس" وأحد الموردين إلى مائدتهما، اقترب منهما "جيمس” فجأة  وقال: "مرحبا بك سيد "بيتس".  شكرا لاختيارك مطعمنا، تسعدنا عودتك مرة أخرى"

    عندما تسمع السيد "بيتس” وهو يصف هذا الأمر، تعرف أنها لم تكن لحظة عادية بأية حال من الأحوال. فيقول: "لقد غير هذا الأمر تجربتي في العشاء، وساعد على طبع صورة هذا المطعم في مخيلتي، إنني كنت قد تناولت طعام العشاء هناك مرة واحدة فقط _ قبل ذلك بستة أشهر _ ولم يستطع "جيمس" تذكر اسمي فحسب، بل إنه أخذ وقتاً ليكتشف أنني كنت في هذا المكان من قبل، إنني لم أكن زبوناً منتظماً بأية حال من الأحوال، ولكن هذه اللفتة الصغيرة جعلتني أشعر وكأني كذلك، لقد كان المثل القديم القائل: "عامل الآخرين وكأنك تحبهم لأشخاصهم" صحيحا" تماماً.

    وبالنسبة لمثل هذه اللفتة الصغيرة، فإنها تؤتى ثمارها. بقول السيد "بيتس: "أنني لم أعد أصطحب موردىَّ إلى أي مكان آخر بعد ذلك". وبالنظر إلى شعبية مطعم "بونز"، يبد وأن العديد من العملاء يشتركون في هذا الإحساس.

    وهذه هي النتيجة العملية الأساسية لتذكر أسماء الناس: أنهم يتذكرونك. ويتمثل الجانب الآخر للنتيجة في بلوغ مكانة تحسد عليها.

    إن أول درس يتعلمه رجل السياسة يتمثل في التالي؛ "إن تذكر اسم أحد الناخبين هو من مؤهلات رجل الدولة الناجح. وعندما تنسى، فإنك تُنسى". إنها صفة واحدة مشتركة في تاريخ معظم القادة العظماء، فبدءاً من "لينكولن" إلى "تشيرشل" و "بوذابرت"، اكتشف هؤلاء الرجال طرقاً لتذكر أسماء الناس في توافق مدهش، ومن أجل القيام بذلك، فإنهم يستدعون _ سواء عن علم أو دون علم _القول الشهيرل "إيمرسون": "تُصنع الأخلاق الحميدة من التضحيات الجليلة".

وعندما يتعلق الأمر بتذكر الأسماء، فإن بعض التضحيات ربما تكون ضرورية. كان "نابليون الثالث" _ إمبراطور فرنسا، وابن أخ نابليون بونابرت العظيم -زعم بأنه يتذكر اسم كل شخص يقابله رغم كل واجباته الملكية. كيف هذا؟ عندما كان لا يسمع الاسم بكل وضوح، فإنه كان يقول: "أنا غاية في الأسف، إنني لم أسمع الاسم جيدا". وعندما يسمع اسماً غريباً، كان يقول: "كيف تتهجى هذا الاسم؟".

    وأثناء المحادثة، كان يتحمل عناء تكرار الاسم عدة مرات، وكان يحاول أن يربطه في عقله بخصائص الشخص، وتعبيراته، ومظهره العام. وإذا كان الشخص ذا أهمية خاصة بالنسبة إليه، فإنه كان يكتب الاسم في وقت لاحق في قطعة من الورق، ويتطلع إليها، ويركز فيها، ويثبتها في عقله بقوة، ثم يقطع الورقة. وبهذه الطريقة، كان يحصل على انطباع بصري للاسم بالإضافة إلى الانطباع المسموع.

    ولكن التحديات التي تواجهنا في الوقت الحالي أكبر بكثير من التي كان "نابليون" يواجهها. فقد أظهرت العديد من الدراسات أن الإنترنت هو الشيء الوحيد الأسوأ من التلفاز بالنسبة لقوة الانتباه، فإن غشاوة ضبابية من ١٤٠ كلمة في تغريدة على موقع تويتر، والمواد الإخبارية على موقع فيسبوك، ورسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية الفورية، والصفحات الشبكية تعمل على إعادة تشكيل عقولنا.

وفي عدد شهر مايو لعام 2010 من مجلة "وايرد"، كشف المؤلف "نيكولاس كار" عن وجود أستاذ في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، اكتشف أن قضاء خمس ساعات فقط على الإنترنت يعمل على إعادة توجيه المسارات العصبية لدينا. يقول "كار" ملاحظاً:

تشير عشرات الدراسات التي قام بها علماء النفس، وعلماء الأعصاب، والمعلمون إلى الاستنتاج نفسه: عندما ندخل إلى شبكة الإنترنت، فإننا ندخل بيئة تعزز القراءة السريعة، والتفكير المتسرع والمشتت، والتعلم السطحي، ورغم أن شبكة الإنترنت تضمن لنا سهولة الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات، فإنها تحولنا إلى السطحية في التفكير، وبالتالي تؤدى إلى تغيير تركيبة المخ.

وفي عام ٢٠١٠، كتب "روجر إلبرت" الناقد السينمائي الشهير، في مدونته: "هناك نوع من التسرع نحو الشعور بالضجر في مجتمعنا في الوقت الحالى". وهو محق في قوله هذا، ولكن مثل هذه الحقيقة لا تعطينا العذر لنسيان أسماء الناس، بل إنها تقدم لنا تحدياً، وبينما يجد المزيد والمزيد من الناس أن تذكر الأسماء يصبح أكثر صعوبة شيدا فشيئا، فهناك فوائد كبوى يكسبها الذين يتذكرون الأسماء.

كيف ذلك؟

    هناك بعض الطرق السهلة. فبدلاً من استخدام التحيات الجوفاء المبتورة، مثل: "أهلا" أو "مرحباً"، عليك باستخدام تحية تتضمن اسم الشخص:” عزيزي "روبين"" أو "صباح الخير،” روبرت”". وعندما تقوم بذلك، عليك بممارسة أسلوب "نابليون"، وتصور وجه الشخص، وإذا كنت قد أخذت بنصائح الفصول السابقة، وسعيت إلى الاهتمام باهتمامات الشخص الآخر، فاطبع في عقلك تلك الاهتمامات أيضاً. على سبيل المثال:”” روبرت" متزوج، وله ثلاث بنات، ويحب قراءة روايات "إرنست هيمنجواى"". إنه تمرين بسيط لن يساعدك فقط على تحية” روبرت” باسمه في المرة التالية التي تتفاعل معه فيها، بل إنه سيساعدك إلى حد بعيد على رؤيته بشكل مناسب خارج إطار المعاملات التجارية.

    نصيحة سريعة هنا: قبل استخدام أسماء الناس، تأكد من معرفتك لهم في الإطار الصحيح. ففي الوقت الحالي، يوجد لدى معظم الناس أكثر من اسم يردون به. فرجل الأعمال الشهير ريتشارد برانسون مثلا، هو ريتشارد” بالنسبة للعديد من أصدقائه، ولكنه أينا "السيد برانسون" بالنسبة للعديد من الأقارب، و"السيربراذسون" بالنسبة للعديد من مواطنيه البريطانيين، ورغم أننا مجتمع أقل تكلفاً إلى حد كبير، فإن استخدام اسم الشخص في خارج الإطار المناسب هو خطوة مضمونة لبدء العلاقة بطريقة سيئة. هل أستخدم "سوزان" أم "سوزى"؟ "بين" أم "بنجامين"؟ "جاكلين" أم "جاكى"؟ النصيحة المثلى هي تجنب التخمين.

لا تناد "ريتشارد" باسم "ريتشى" أو"ديك" في رسالة إلكترونية إلا إذا قدم نفسه بهذا الاسم، أو إذا طلب منك أن تدعوه به، أو أشار إلى نفسه بهذا الاسم في رسالة صوتية، أو رسالة نصية، أو رسالة إلكترونية بعثها إليك.  وإذا لم يقم أحد بتقديم كل منكما إلى الآخر، أو إذا لم تكونا قد تراسلتما من قبل، عليك أن تبذل بعض الجهد لمعرفة الاسم الذي يناديه به الأشخاص الموجودون في موقعك نفسه من العلاقة بالنسبة له. لا تحاول أن ترى الاسم الذي يدعوه به أصدقاؤه على موقع فيسبوك أو موقع تويتر _ ففي هذه المرحلة أنت لست صديقه، كما أنك لم تحصل على الحق في أن تدعوه باسم أكثر بساطة. وبدلا من ذلك، عليك مراجعة الاسم الذي يطلقه على نفسه في موقعه الإلكتروني أو مدونته، وإذا كانت هناك مقالة مكتوبة عنه أو تشير إليه، فاستخدم الاسم الذي ورد فيها.

    ويجب علينا أن نتذكر أن المرء يهتم باسمه (او اسمها) أكثر من اهتمامه بأسماء مَن في الأرض جميعاً، تذكر هذا الاسم واستخدمه بسلاسة، وسوف تحصل على ثناء رقيق ولكنه فعال للغاية، ولكن إذا نسيت الاسم أو أخطأت في تهجئته، فسوف تعرض نفسك لخسارة فادحة.

     ورغم أن العديدين يختارون أسلوباً بديلاً أكثر أماناً، ويخاطبون الآخرين بتعبيرات مثل "رجل" و"مدام" و"سيدي"، فإنك تستطيع أن تحظى بمكانة كبيرة لدى الشخص نفسه عن طريق قضاء بعض الوقت في تذكر اسمه علاوة على استخدامه. إن العديد من شراك إلقاء التحية التي نخشاها يمكن تجنبها بسهولة عن طريق قضاء بضع دقائق قليلة في البحث، ألا تساوى بضع دقائق من وقتك شيئا إذا كان هذا يعنى تميزك عن الآخرين، وإذا كان هذا يؤدى إلى ترك انطباع أفضل — أكثر من معظم الناس -على الآخرين؟

    إذا أردت من الآخرين أن يتذكروا اسمك ويستخدموه، فيجب القيام بقليل من الاستثمار. تمر على الناس أسماء من جميع الأشكال طوال اليوم _ أسماء أشخاص، أسماء شركات، أسماء علامات تجارية، أسماء شوارع، أسماء محلات. فما الذي سيجعلك تتميز عن هؤلاء؟ غالبا ما يكون السبب هو العواطف التي يربطها الناس باسمك، فإذا كنت نادلاً في مطعم في مدينة أتلانتا _ منطقة ضخمة تضم أكثر من خمسة ملايين نسمة _ فلن تكون جديراً بالذكر أكثر من أعداد اللوحة المعدنية لسيارتك، أو ألوان قميصك. سوف يقوم اسمك بدور ضئيل في إثارة العواطف التي تربط الآخرين بك. وليس من قبيل المصادفة أن يتذكر السيد "بيتس" اسم النادل "جيمس" بعد لقاء واحد فحسب، ويقدر السيد "بيتس" بأنه يذهب إلى تناول العشاء في المطاعم حوالي اثنتي عشرة مرة في الشهر، وعندما سألناه عما إذا كان يتذكر أسماء نُدل آخرين،

أجاب:” إنني أتذكر اسم النادل الخاص بي بصعوبة في بعض الأيام".

     يجب أن نعى دائماً السحر الموجود في أسماء الآخرين، وأن ندرك أن هذه الكلمة (الاسم) ترجع ملكيتها بشكل كامل وتام إلى الشخص الذي نتعامل معه، ولا أحد غيره، وبعد نعمة الحياة، فإن اسم المرء هو أول هدية يحصل عليها، وعندما نستخدم هذه الكلمة (الاسم) في المحادثات، فإن المعلومات التي نناقشها أو العلاقة التي نسعى وراءها تأخذ معنى أكثر عمقاً.

وربما تقدم عيادة الأطباء خير دليل على هذا، فهناك جدل دائر في العالم الطبي حول الكيفية التي يجب من خلالها استخدام الأسماء الأولى للمرضى والوقت المناسب للقيام بذلك، ولكن هل قاعدة الاسم الأول تمثل مبالغة في إضفاء الطابع الشخصي على التفاعلات التي تظهر الطريقة المثلى للحفاظ على العلاقة في المجال المهني؟ أم هل ستساعد قاعدة الاسم الأول في عملية الصحة والتعافي، وخاصة فيما يتعلق بعملية مناقشة تنبؤات صعبة للغاية؟

     ربما يبدو أن معظم الأطباء يعتقدون أن الاحترافية والمهنية هي الشيء المهم، وأن من الأفضل أن تبقى الأسماء الأولى بعيدا عن الإطار. ورغم ذلك، فغالبا ما تكون عيادات الأطباء أماكن نموذجية يشعر فيه المرضى بنزع الصفات البشرية منهم، فهم مجرد ملفات وحالات، وليس لهم وجوه ومشاعر، وكثيرا ما تنطق أسماؤهم على نحو خاطئ، مما يؤدى إلى انفصال خطير محتمل في العلاقات.

    ولقد قرر طبيب رفيع المستوى أن يسير عكس هذا الاتجاه. إنه الطبيب "هوارد فاين" رئيس برنامج دراسة الأورام العصبية في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، وفي هذه الوظيفة، يقوم "فاين" بأبحاث مبتكرة ويشرف على كل الموارد المالية لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، ويقوم بتوزيعها، وهو طبيب مشارك بالنسبة للعديل من مرضى سرطان المخ الذين يرغبون في زيارته دون مقابل -فهذا برنامج حكومي.

    وعندما يأتي المرضى لزيارته للمرة الأولى، فإنهم يكونون في حالة من اليأس الشديد؛ حيث يكونون قد رأوا الإحصائيات على الانترنت، وسمعوا قصصاً مرعبة، ويرى الطبيب "فاين" أن جزءاً من عمله يتمثل في أن يجعلهم يستعيدون الشعور بالأمل _ الأمل الجدير بالثقة، وتؤدى طريقة تعامله مع الأسماء دوراً رائداً في هذه العملية.

    يقدر "فاين" بأنه يرى ما يزيد على عشرين ألف مريض على مدار السنة، وكانت إحدى الطرق التي اختارها للتفاعل مع المرضى هي تقديم نفسه باسم "هوارد فاين" دون لقب طبيب، ومن هنا يتشجع المرضى على النداء عليه باسمه الأول، وهذا يأخذ العلاقة إلى مستوى آخر؛ حيث لا يصبح هناك مجرد طبيب يحاول إنقاذهم من الموت؛ بل صديق على درجة عالية من الثقافة، وكاتم أسرار حكيم، ومدافع قوى سوف يحارب بكل ما أوتى من قوة ليستردوا عافيتهم على نحو كامل، إنه لا يضللهم، بل إنه يفهم أن مشاركة الحقائق أمر مهم ومؤثر بالنسبة لمرضاه، وأن بناء الألفة والعلاقات معهم أمر مهم لصحتهم وسعادتهم، إن ما يحتاج إليه المريض المصاب بورم في المخ - أكثر من الطبيب – هو ناصح مؤتمن يفهم حالته ومشاعره، ويتحقق هذا بطريقة أكثر طبيعية عندما يضع الطبيب نفسه في المستوى نفسه مع مرضاه _ إنسان لديه رغبة قوية في الحياة.

    ربما يجد أي طبيب بارز القوة في لقب "طبيب"، ولكن الجزء الأكبر الذي يجعل من برنامج "فاين" درة تاج معاهد الصفحة الوطنية الأمريكية _ وفقاً لأقوال أحد الرؤساء هناك _ يتمثل في أنه يدرك أن الأسماء الأولى أكثر قوة ودلالة من الرتب المتجردة أو الألقاب الممنوحة، وهذا هو سبب إصرار "اكارنيجي" على أن الأسماء هي "أعذب وأهم الأصوات في أية لغة".