هل هناك من يبيع الآيس كريم لأشخاص يعيشون في البرد القارس؟ وهل هناك من يبيع الماء بجوار النهر؟ وهل هناك من يجبر المستهلكين على ارتداء الملابس القطنية؟ في الوقت الحالي، لا يبدو أن القيام بآخر هؤلاء يحتاج إلى بذل الجهد. انظر إلى خيوط كل قطعة من ملابسك، وستجد أن هناك المزيد. من فرص وجود الكثير- إن لم يكن معظم - الخيوط المصنوعة من القطن. ولكن في سبعينيات القرن الماضي، ربما لم يكن الأمر كذلك. حيث كانت مادة البوليستر وشبيهاتها من المركبات الصناعية هي الموضة السائدة، فهي لا تتجعد، وتقاوم الضغوط، وذات شكل مناسب ونتيجة لذلك، تضاءلت حصة القطن السوقية، الى حوالي 33%.

    وقرر هذا القطاع الصناعي المقاومة. وكان يجب عليه إعادة الرغبة في المنتجات القطنية مرة أخرى، ولذلك فقد قام القطاع بما يجب على أي قطاع القيام به: أنشأ رابطة تجارية، ووظف مؤسسات إعلانية، وصنع علامة تجارية جديدة للقطن.

    فما الشعار الذي استقروا عليه لإتقان صناعتهم؟ "القطن: نسيج حياتنا".

    ولقد استعانوا بشخصيات مشهورة لطرح الشعار. فكانت "باربرا وولترز" ترتدى قميصاً على غرار قمصان "هاواى"، وتنظر إلى الكاميرا، وتقول: "إن القطن...جعل حياتي أكثر راحة في الوقت الحالي".

    وعندما تعرضت صناعة القطن للخطر، اتخن أعضاؤها قرارا إستراتيجدا بأن أفضل طريقة لدفع الناس دى شراء منتجاتهم هوعن طريق نسج القطن في حكاية شخصية. فالقطن ليس مجرد مادة ناعمة، بيضاء، رقيقة، يتم غزلها لتتحول بعد ذلك إلى خيوط تصبح نسيبا تصنع منه الملابس؛ بل إن القطن أعطى الحياة معنى عن طريق ربط أجزائها مئا لتتحول إلى قصة جميلة. وفي الوقت الحالى، يسيطر القطن على حوالي ثلثى السوق تقريباً.

    إن الناس لا يرغبون في أن يلقوا معاملة مثل السلع، والأكثر من ذلك، أنهم لا يريدون أن يروا حياتهم مجرد حياة عادية، إنهم يريدون أن يعرفوا أنهم مهمون، وأفضل طريقة لهذا هي أن نظهر لهم أنهم كذلك بالفعل من خلال السماح لهم بالتواصل مع قصة أكبر. إن الأشخاص والشركات التي تفهم هذا المبدأ لا يمكن هزيمتها أبدا.

    في عام ٢٠١١ تصدرت شركة "أبل" دراسة مسحية أجرتها مجلة " فويتس, عن رجال الأعمال، كأفضل شركة تحوز على الإعجاب للعام الرابع على التوالى. ويرجع جزء من سر الشركة إلى أحد أكثر الإعلانات التليغزيونية شهرة في التاريخ.

    في عام ١٩٨٤ خلال المباراة السنوية النهائية بين بطل الاتحاد الأمريكى لكرة القدم الأمريكية وبطل الاتحاد الوطنى لكرة القدم الأمريكية، كشفت شركة "أبل" لأول مرة عن جهاز الحاسب الشخصى "ماكينتوش". وكان الإعلان يهدف إلى تمييز جهاز "ماك" الجديد تماثا، والذي يحفز على الابتكار، عن الأجهزة الشائعة الأخرى (بالنسبة لشركة "أبل"، كان المقصود هو أجهزة "آي بي إم").

    وفي الإعلان، كانت هناك امرأة شابة رياضية تحمل مطرقة كبيرة، وتجرى إلى حجرة فيها أشخاص زائفون متشابهون يرتدون الملابس نفسها. وتقذف المرأة المطرقة في شاشة كبيرة، وتدمر رمز شخصية الأخ الكبير التي ورد ذكرها في رواية ل "جورج أوسل”. إنه فجر يوم جديد. إن التعامل مع الناس على أنهم مجرد أرقام للضمان الاجتماعى لهم أذرع وأرجل قد ولى وانتهي. لقد أصبحت المعاملات الشخصية المباشرة هي التوجه السائد للمستقبل. ولم يظهر الدليل على نجاح هذا المفهوم في نجاح شركة أبل فحسب؛ بل إنه ظهر أيضاً في بعض الأحذية البسيطة.

     لقد أنشأ "بلايك مايكوسكى" شركة "تومز" للأحذية بعد أن قلبت إحدى القصص حياته رأساً على عقب’ كان "مايكوسكى" يسافر في بلاد العالم النامي عندما لاحظ وجود مشكلة بسيطة: كان الأطفال الذين يراهم لا يرتدون أحذية. وكان عدم وجود الأحذية يعنى وجود الكثير من علامات الحرمان في قصصهم...الكثير من الحرمان. ولذلك فقد قرر "ابلايك" أن ينشئ شركة تبيع الأحذية، ومع شراء كل زوج من الأحذية، تقدم الشركة زوجاً جديداً من الأحذية للأطفال المحتاجين.

    وفي العام الأول، شعر بالسعادة لإهدائه عشرة آلاف حذاء، وفي الوقت الحالي، فإن هذا الرقم يتجاوز المليون حذاء، ولكن هذه ليست نهاية القصة. ففي ظهيرة أحد الأيام، في منطقة الانتظار في أحد المطارات، لاحظ "مايكوسكى" فتاة ترتدى حذاء أحمر من أحذية شركته، وبدون أن يكشف عن هويته، سألها عن الحذاء. وأخبرته الفتاة بكامل القصة التي تقف وراء شركة "تومز" للأحذية بدرجة. من التفصيل تفوق وصفه الشخصي لها. لقد كانت لحظة جعلته يدرك أن: "الحقيقة هي أن ما بداخل الصندوق لا يحمل القدر نفسه من الأهمية التي يحملها ١لشىء الذي يمثله. إن شركة "تومز" لم تعد شركة للأحذية؛ بل إنها أصبحت شركة تقدم حذاء مجانياً عن كل حذاء يتم بيعه".

    وقد كتبت المدونة "فاليريا مالتونى" مفسرة: "علاوة على جذب انتباه وسائل الإعلام السائدة، والتي بدأت بمجلة" فوج" ، و"تابم" ، و"بيبول"، جذبت شركة "تومز" شركاء مرموقين. فإن ”رالف لورين" الذي لم يتشارك مع أحد لمدة أربعين عاماً، قد انضم إلى شركة "تومز" بعلامته التجارية "روجبى". وقامت وكالة الإعلانات التي تعمل مع شركة "إيه تى آند تى" بإعداد إعلان تحكى فيه "القصة الحقيقية" التي توضح كيف كان "بلايك" يستخدم شبكتهم لكي يبقى على اتصال بالأحداث ويعمل أثناء التنقل".

    وتختتم "مالتونى" أفكارها عن نجاح شركة "تومز" بإشارة ذكية إلى قوة هذا المبدأ فتقول: "إن الناس يتذكرون. وعندما تصبح الرسالة مهمة، فسوف يحكون قصتك إلى أي شخص سوف يستمع إليها-حتى لو كان شخصاً غريبا في أحد المطارات، وعن طريق القيام بذلك، يتحول الناس إلى أقوى مؤيديك في تسويق منتجاتك....والدرس المستفاد هنا هو: التأثير يتم منحه ولا يمكن شراؤه".

    ورغم أن القصص الكبيرة ربما تكون جذابة، فإن عالم القصص الشخصية الصغيرة ربما يكون رائعاً، فهومن ناحية يكشف عن قضية، أو علاج، أو سلعة معينة، ومن ناحية أخرى تماماً تكشف عن ذاتك.

في إبريل من عام ٢٠٠٣، كان المؤلف ”ديفيد كيو" يقود سيارته عائداً من إحدى الحفلات إلى المنزل مع زوجته؛ ولكنه استيقظ ليجد نفسه في غرفة العناية المركزة؛ حيث أخبره الأطباء بأنه يعانى ورماً خبيثاً بالمخ سيقضى عليه على الأرجح في غضون شهور.

    وفي الساعة الثالثة من صباح أحد الأعياد، واجه ديفيد وزوجته –"اكيم" - اتخاذ قرار: ما القدر الذي يريدان أن يعرفه الناس من هذه القصة؟ ما مدى رغبتهما في مشاركة هذه القصة مع الآخرين؟

    وكان الاتجاه هو أن يظل الأمر سرا. ولكنهما قاوما هذا الدافع، وبدأت " اكيم" في الاتصال بالأصدقاء‘واخبارهم بالقصة، وطلبت منهم أن يخبروا الآخرين بحيث يمكنهم الصلاة والدعاء لـ "ديفيد". وفي خلال ساعات، أنشئت صفحة لهم على موقع CaringBridge.org، وهو موقع غير ربحي يقوم فيه الأشخاص الذين يواجهون أمراشا خطيرة بتبادل التحديثات، والاحتياجات، وأي شيء آخر يريدونه.

    وفي الأسابيع والشهور التي تلت ذلك، قررت عائلة "كيو" أنه كلما زادت المعلومات التي يمكنهما مشاركتها مع الآخرين، زاد عدد الأشخاص الذين يمكنهم تقديم يد المساعدة-فقد كانا يعرفان أنهما ليسا بمفردهما في معركتهما ضد مرض السرطان. وأدى هذا القرار إلى تغيير مجرى حياتهما. فقد رأى "كيو" وزوجته أن قصتهما مجرد جر بسيط من عالم أكبر منهما. فهي تقدم في النهاية فرصة لهما للتعامل هع الأشخاص الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة.

    ما هي أولى نصائحهما لكل شخص؟ شارك قصتك هع الآخرين.

    وهذا شيء تعلمته "آن إم. بيكر"-من مدينة سياتل، في ولاية واشنطن، في دورة تدريبية بمؤسسة "ديل كارنيجى للتدريب":

    يقدر الكثير من الناس خصوصيتهم، وهموما أفعله أنا أيضاً. وعند مواجهة مرض سرطان الثدي، والعلاج الكيماوي، والعلاج الإشعاعي، لم أكن أريد مشاركة القلق والألم هع الآخرين، ولكن عندما تسللت أخبار إصابتي بالسرطان بين أفراد عائلتي، والأصدقاء، والزملاء في العمل، غرقت في سيل من الرسائل الإلكترونية التشجيعية، وحتى معارف العائلة الذين لم أقابلهم أبدا، أرسلوا لي رسائل إلكترونية تحكى قصص إصابتهم بسرطان الثدي، والتي كانت تتضمن أرقام هواتف وبطاقات متابعة التحسن.

ولقد أدى هذا التدفق المدهش من رسائل التشجيع والحب إلى البدء في رحلة العلاج التي غيرت مجرى حياتي.... وبفضل الرسائل الإلكترونية، عرفت أنه ليس هناك من يحتاج أو يريد أن يسلك طريق السرطان بمفرده، فالحياة لا تتعلق بي وحدي. إنها تتعلق بنا جميعاً.

    وليس هناك ما يعيب في أن يكون هناك شيء "يتعلق بالجماعة" هو أيضاً "جيد بالنسبة للفرد". أعلنت صاحبة إحدى المدونات على وسائل الإعلام الرقمية التي يصل عدد متابعيها إلى ما يزيد على مليون متابع، أنها ستجرى جراحة الليزك لتصحيح مدى بصرها، ولم يكن الأمر يقتصر على إجرائها عملية جراحية فحسب، بل إنه سيتم تصويرها ولشرها مباشرة على مدونتها لكل الذين يهتمون بإجراء مثل هذه الجراحة لأنفسهم، وأصبحت الشفافية عملتها المميزة، وأصبحت درجة إبصارهما 20/15، إلى جانب أنها اكتسبت فهماً أكثر تعمقاً لطريقة جديدة تماماً في استخدام العالم الرقمي في مشاركة رحلاتنا الشخصية هع الآخرين. وقد استشهدت ببث مباشر لحفل زفاف إحدى صديقاتها، أو استخدام أحد العملاء لتكنولوجيا البث المباشر عبر الإنترنت لمقاطع الفيديو لمشاهدة ابنه في مباريات كرة القدم، عندما يكون بعيداً من أجل العمل، كأمثلة جيدة لها.

    تقول صاحبة المدونة: "بعيداً عن مجال الرياضة، والترفيه، والتسويق، ما الأشياء الأخرى التي يمكن استخدام تكنولوجيا البث المباشر عبر شبكة الإنترنت لمقاطع الفيديو من أجلها؟ هل سيتم اتخاذها كقناة اتصالات جديدة تستخدم لتحقيق منافع وظيفية؟...وماذا عن حفلات الزفاف، والتخرج، واجتماعات النوادي، والشعائر الدينية، وطقوس حفلات الميلاد والوفاة أيضاً؟ ان هناك عدداً لا حصر له من الفرص التي يمكننا الحصول عليها".

    إن معظم الأيام تمر على الناس ولا تأتى بالكثير من الإثارة في حياتهم. ولكن عصرنا الرقمي يأتي بالكثير والكثير من الفرص التي تمنح الناس رؤية صادقة عن هويتك، أو عما تكافح شركتك لكي تصل إليه، وهكذا، فإن إيجاد نقاط اتصال لقواسم مشتركة مع الآخرين تعمل نحو إقامة علاقات صداقة أكثر قرباً من الآخرين. فمن السهل تصوير مقطع فيديو بدلاً من تقديم عدد قليل من الرسومات، ومن اليسير إنشاء موقع إلكتروني لدعم شركة أو مؤسسة جديدة، ومن السهل اللجوء إلى عقد المؤتمرات بواسطة الفيديو بدلا من الاتصال الهاتفي، وتقديم عرض مقنع لكل الأطراف المعنية في صفقة معينة بدلا من مجرد إخبارهم بها شفوياً فحسب؛ ولكن الناس باتت تتوقع هذه الأشياء أيضاً.

    ولكى تجعل فكرتك تنتشر بالفعل، اتبع أسلوبا مميزاً، تجاوز حدود حاسبك الآلي، واضل شيئا لا يراه الناس في كل يوم، استخدم كل الأدوات المتاحة أمامك، وأطلق العنان لخيالك لكى تجعل الأفكار أكثر وضوحا، وتشويقاً، وإثارة.

    شارك قصصك مع الآخرين، وسوف يبدى الآخرون رغبتهم في مشاركة قصصهم معك. فمعاً سوف نصنع قصة جديدة وأكبر.

    والأكثر شيوعا -بل والأكثر فاعلية في بناء العلاقات المؤثرة – هو التداخل الحقيقي والصادق في الحياة الشخصية والمهنية. ورغم أن هذا التداخل سوف يضع دائماً حدوداً منطقية معينة، فإن العديد من الحدود العملية تم خفضها أو استبعادها تماماً في الوقت الحالي، لأن معظم الناس باتوا يتذكرون أن نجاح كل التفاعلات على المدى القصير والطويل -سواء كانت في المعاملات التجارية أو غير ذلك -تعتمد على عمق العلاقة، وكلما زادت مشاركة أحد الزملاء، أو الأصدقاء، أو العملاء في رحلتك، زادت الإنجازات التي يمكنكما تحقيقها معاً.

    وعندما تصبح رحلتك هي رحلتنا، فإن الجميع يبتهج برؤيتها وهي تمضي قدماً.