في الحياة العسكرية، تكون الأوامر جزءاً أساسياً من عمليات كل يوم. فأنت تتلقى الأوامروينتظر منك أن تتبعها على نحو تام. ولكن عندما تولى الكابتن ’"دى. مايكل أبراشوف" قيادة المدمرة "يوإس إس بينفولد"، وهي المدمرة ذات الصواريخ الموجهة، علم أنه كان يواجه تحدياً يحتاج إلى منهج مختلف تمائا في التعامل.

    إن" بينفولد" لم تكن أفضل سفن البحرية الأمريكية، حتى ذلك الحين. فكان أفراد طاقمها عابسين دائماً، والمعنويات منخفضة، وكان معظم البحارة على السفينة يقضون وقتهم بشكل آلى وروتينى حتى يحين ميعاد تسريحهم. وإضافة لتعقيد موقف القيادة الذي هوصعب بالأساس، فإن القائد السابق لم يكن محبويا، ولذا فإن أفراد الطاقم كانوا يرون القائد الجديد بنظرة قاسية وناقدة.

    لكن هذه كانت أول قيادة للكابين "أبراشوف" في البحر، وكان مفترصاً به أن يؤديها على الوجه الأكمل. وإليك خطوته الأولى: أن يتعرف على الطاقم. ’'أنني لم أستغرق وفتاً طويلا حتى أدركت أن أفراد طاقمى الشباب كانوا أذكياء، وموهوبين، ويمتلئون بالأفكار الجيدة التي غالباً ما كانت تنتهي إلى لا شىء لأنه ما من أحد في القيادة كان يستمع إليهم”، هكذا كتب الكابهن ”أبراشوف” في سجلات Its Your Shipوهي سجلات القيادة أثناء وجوده على المدمرة "بينفولد".

    ولذا فقد تعهد الكابتن "أبراشوف" بأن يستمع *الى أفراد طاقمه، ولكن ليس حين يقررون الكلام فقط. لقد كان يعلم أنه لو أراد أن يدير اتجاه السفينة، فإن الأفكار الخاصة للقيام بهذا ستكون لدى الطاقم بالطبع. وما هي أفضل طريقة لاكتشاف تلك الأفكار سوى بالحديث معهم مباشرة؟ قرر الكابتن "أبراشوف" أن يلتقي بخمسة من أفراد طاقمه كل يوم حتى التقى بجميع أفراد الطاقم الموجودين على سطح السفينة _ وكانوا تقريباً 310 أشخاص. فما الذي تعلمه من ذلك؟

     لقد عرف أن قدراً هائلاً من الوقت تم إهداره في أعمال روتينية بشعة، مثل القيام بطلاء السفينة ست مرات في العام. ولذا، فقد وجد "أبراشوف” طريقة لاستبدال جميع المسامير التي على السفينة التي تسبب الصدأ وطريقة لتشغيل العديد من الأطر الخارجية من خلال عملية دهان خاصة. ولم تعد السفينة بحاجة لطلاء آخر لمدة عامين كاملين؛ وهو ما وفر وقتاً هائلا للقيام بأعمال أكثر قيمة، كالتدريب المتقدم مثلا. كما علم أن الكثير منهم التحق بالبحرية كسبيل لتمويل الدراسة الجامعية. ولذا فقد رتب لعقد-اختبارات الالتحاق الجامعية على السفينة ورتب لعقد برامج التنسيب المتقدم عن بعد لطاقم السفينة. ووجد أن معظمهم قد قدم من بيئات صعبة وعاشوا حياة سيئة ولكنهم أيضاً كانوا شديدى التعلق بعائلاتهم، ولذا فقد أدخل قدر الإمكان أفراد عائلاتهم في حياتهم من خلال إرسال بطاقات التهنئة بالأعياد، وخطابات الشكر، وغيرها من اللفتات المهمة للآباء والزوجات. وقد كتب يقول: "لقد أردت أن أربط بين أهدافنا جميعاً حتى يروا أن أولويتى بتحسين حالة السفينة "بينفولد" تعد فرصة بالنسبة لهم لإظهار مواهبهم ومنح وظائفهم قيمة حقيقية".

    فماذا كانت النتيجة من توجيه الأسئلة لأفراد الطاقم؟ حدوث تحول كبير في الروح المعنوية، واستعداد أعظم لتجاوز حدود الممكن، وتحقيق أعلى نتائج التقييمات التي مرت على تاريخ البحرية.

    ولو أن الكابتن "أبراشوف" نزل إلى السفينة، وأصدر توجيهات بأن على أفراد الطاقم أن يعملوا على تحسين تقييمات السفينة، ثم أوضح طريقة محددة لتحقيق ذلك، فما النتيجة المنتظرة؟ ما كنا أبدا سنسمع عن السفينة ”بينفولد” التي  اصبحت نموذجاً للقيادة المثالية.

    إن طرح الأسئلة لا يجعل الأمر أكثراستساغة وأقل إثارة للحنق وحسب، بل إنه غالباً ما يحفز الإبداع والابتكار في حل المشكلات المطروحة. فإن الناس على الأرجح يميلون لاتباع أى مسارجديد إذا شعروا بأنهم مشاركون في تشكيله بالفعل.

    إن أفراد القيادة العائلية لمؤسسة "ماريوت" معروفون بحرصهم الشديد على تفتيش فنادق "ماريوت" بكل دقة للتأكد من أنها تدارعلى الوجه الأكمل. وكان "بيل ماريوت الابن" على وجه الخصوص "يمر باستمرار ويطرح الأسئلة ويهتم اهتماماً شديداً بالإجابات”، كما كتب عنه ازايد فولر"، مدير فنادق ”ماريوت إنترناشونال لودجينج".

في الحقيقة، إنه أحياناً ما كان يتم انتقاده لاستماعه للكثير والكثير من الناس _ وينصت للعاملين في صف الخدمة الأول بذات اهتمامه في سماع القادة التنفيذيين...وكان سؤاله المفضل أثناء زيارته لموظفي الاستقبال هو” ماذا تعتقد برأيك؟” وكانت تلك طريقته في محاربة ميل الموظفين للابتعاد بأنفسهم عن إحداث قلق أو نقل أخبار سيئة للرئيس.

    إن "بيل ماريوت" كان قائداً مستنيراً فهم القوة السلبية للتأثير الأمومى، وعلى علم بأفضل طريقة لتحفيز الموظفين على الانخراط في العمل مما جعل كل منشآت "ماريوت” على مستوى التوشات والتطلعات.

    ومع علمنا بأن طرح الأسئلة يزيد من انخراط الأفراد الذين نود التأثير فيهم، فإن العديد من القادة لا ينتهجون هذا المسلك، فما السبب في ذلك؟ لأنه في بعض الأحيان، يبدو طرح الأسئلة كما لوكان حيلة لقيادة الناس نحوإجابة تحملها في رأسك فعلاً. فلمَ لا تخبرهم وحسب؟ قد يكين ذلك أكثر ملاءمة.

    إن الناس لا يحبون أن توجه لهم الأوامر، هذا هوالسبب.

    والقادة أيضاً يترددون في طرح الأسئلة لأنهم لا يعرفون النتيجة الناجمة عن ذلك. فمانا لو أن الشخص الآخر لم يتجه الاتجاه الذي كنت تقصده؟ لا مجال للتغاضى عن تلك الاحتمالية. ومع هذا ينبغى على القادة أن يفكروا في تلك الاحتمالية على أنها فرصة جيدة وليست خطراً...فالإجابة التي سوف تحصل عليها ربما تكون أفضل _ بل غالباً ما ستكون أفضل _ من تلك التي تعرفها بالفعل.

    عندما سنحت الفرصة ل ”إيان ماكدونالد" من جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا، والمدير العام لمصنع صغير متخصص في إنتاج قطع الآلات الدقيقة، عندما سنحت له الفرصة لتقلى طلبية كبيرة، كان مقتنعاً بأنه لن يستطيع الوفاء بموعد التسليم. فالأعمال مجدولة في المصنع بالفعل ووقت الانتهاء القصير المطلوب لإنهاء هذا الطلب جعل من المستحيل بالنسبة له أن يقبل به.

    وبدلا من أن يحث موظفيه على تسريع وتيرة العمل والتعجل في إنجاز هذه الطلبية، قام بدعوة الجميع، وشرح لهم الموقف، وأخبرهم بالقيمة المالية التي ستعود على الشركة إذا تمكنوا من إنجاز هذه الطلبية في موعدها. ثم بدأ بطرح الأسئلة:” هل هناك من شىء نستطيع فعله للتمكن من إتمام هذا العمل؟ هل منكم من يرى سبلاً أخرى لتهيئة المصنع بحيث يكون من الممكن قبول هذا الطلب؟ هل هناك من سبيل لتعديل ساعات عملنا أو تكاليف العمل للمساعدة في إنجاز هذه الطلبية؟”.

    خرج إليه الموظفون بالعديد من الأفكاروأصروا على أن يقبل الطلبية. وتم قبول الطلبية، وتمكنوا من إنتاجها، وتسليمها في الوقت المحدد.

    وللأسف الشديد يخشى كثير من القادة القيام بمراجعة لحالة الأداء على الرغم من أنه لا يجب أن يكون هذا الأمر هوالوضع السائد، فإنهم يعلمون أن لديهم موظفين بحاجة إلى تحسينات، ويتوقعون الدخول في صراعات وخلافات إذا وجهوا النقد للموظفين؛ لأن الموظفين يصبحون أكثر ميلاً للدفاع والإحباط. هؤلاء القادة بحاجة إلى تبنى أسلوب مختلف.

    إن لدى معظم الموظفين فهماً تاماً بمواطن قوتهم وضعفهم. ففي الوقت الذي يكون فيه بعضهم متبلدين، فإن معغلمهم _ إن سألت _ سوف يخبرونك بالضبط بما تفكر فيه. ويوصى العديد من خبراء علم النفس المؤسسى بتأسيس مرحلة للتقييم الذاتى ضمن مراحل عملية المراجعة والتقييم الشامل. وقد أظهرت الدراسات أن التقييمات الذاتية تقود لمراجعات أكثر إرضاء للمديرين والموظفين ويكون لها أثر أعظم على الأداء. ابداً بطرح بعض الأسئلة على الموظفين للتفكير فيها قبل القيام بالمراجعة: " اما الذي ترون أنكم مهرة فيه على نحو استثنائى؟ ما أهدافكم للعام القادم؟ في أى منحى تحبون تنمية مهاراتكم أو قدراتكم لمساعدتكم على تحقيق تلك الأهداف؟".

    تصور أنك تبدأ الاجتماع بقائمة كاملة من الإجابات عن هذه الأسئلة، وهي إجابات لست مضطراً لأن تقوم بطرحها. في ٨٠% من الحالات على الأقل، سوف تحصل على الاستنتاجات نفسهان التي توصلت إليها وسيكون الحوا ر أكثر إيجابية.

    والشىء الرائع في طرح الأسئلة هو أنه من الممكن القيام به على نحو فعال جداً من خلال أية وسيلة. فماذا لوقمت بإرسال رسالة أوتغريدة لفريقك. بسؤال حول كيفية التعامل مع العملاء المشاكسين؟ ألن يكون ذلك عوناً للموظفين الذي يجدون في أنفسهم ضعفاً في. هذه. الناحية لمعاودة التفكير في الطرق التي ينتهجونها أو ليعلموا أنهم لا يملكون أى طرق لتعامل؟ إن بإمكانك أن تطرح أسئلة فعالة للغاية في أقل من 140 حرفاً.

    إن الأسئلة تمنحك فرصة للدخول. في حوار_ عبر أى وسط _ يقود إلى تحقيق مكانة أعلى لكل المنخرطين في الأمر. وهذا الأمر يمكن الجميع من الشعور بالمشاركة في تشكيل النتيجة النهائية.

    أليس من الأفضل إذن أن تطرح سؤالاً على أن تصدر أمراً؟