لقد ناقشنا للتو الكارثة التي ألمت بالمباراة شبه المثالية لـ "أرماندو جالاراجا"، والتي لم تكتمل بسبب خطأ فادح من الحكم لما كان ينبغي أن يكون اللعبة. الأخيرة. وعندما تشاهد الإعادة، فإنك سترى أن وجه "جالاراجا" قد تغير من الابتهاج إلى عدم التصديق في ثوانٍ معدودة، وانقطعت هتافات الجماهير-الذين خيم عليهم صمت مخيف، ثم انطلقت صيحات الاستهجان والسباب.

    لقد حُرم "جالاراجا" بلا أي مبرر مما يعتقد أنه الكأس الجميلة في إنجازات الرمي. وما يزيد الأمر سوءا هو عندما يضع المرء في اعتباره أن الرامي لم يكن نجماً متألقاً يتوقع منه الوصول إلى هذا المستوى العالي، لقد كان لاعباً متوسط المستوى، خاض عدداً متساوياً من الانتصارات والهزائم. وربما كانت هذه فرصته الوحيدة للدخول إلى عالم الشهرة للرماة في كرة البيسبول، ولقد فسدت هذه الفرصة تماماً، فمن ذا الذي قد يلومه عندما يصب جام غضبه على الحكم- طلباً للعدالة؟ فحتى "جويس" نفسه قال إنه لوكان مكان الرامي، لصار عنيفاً ومتهوراً في وجه الحكم، ولكن ما زال هناك جانب آخر- بُعد ثالث- للقصة.

فهناك لحظة أهم يجب الخروج بها من مباراة "جالاراجا" المثالية غير المكتملة أو اعتذار "جويس" الصادق فيما بعد، إنها استجابة الرامي- "جالاراجا"- لسلبه الجائزة التي كان يستحقها. فطريقة تعامله مع الظلم شغلت العالم بأسره.

في مقابلة له مع قناة "إى إس بى إن" الرياضية بعد المباراة، اعترف "جالاراجا" بأنه لم يكن يعلم ماذا ستعلن صفارة الحكم. فقد كان كل تركيزه منصبًا على الإمساك بالكرة، واخراج اللاعب المنافس، واعترف بأنه شعر بالإحباط، ولكنه اعترف أيضاً بأن اللاعب المهاجم ربما يكون قد وصل إلى القاعدة بطريقة صحيحة. لقد كان عصبياً ومثاراً. وكانت حدة الموقف تعنى أنه كان مضطرًا إلى الاعتماد على حسن تقدير الحكم.

    ورغم ذلك، فقد شاهد "جالاراجا" إعادة المباراة، وعرف أن مباراة مثالية سلبت منه. ومع ذلك، فقد استطاع بطريقة ما، أن يقول للحكم عندما تكلم معه: "إنني أعلم أنه ليس هناك إنسان مثالى"٠ وعندما رأى أسف "جويس"، عرف أنه كان أمام خيارين: إما أن يزيد من آلام "جويس"، أو يرى الأمور من وجهة نظره. ولقد دقع همنا التأمل "جالاراجا" لأن يحتضن "جويس" لكي يهدئ من روعه. ولم تكن هذه عاطفة مصطنعة لالتقاط الكاميرات، لقد كان "جالاراجا" يشعر بالإحباط بالفعل، إلى جانب شعوره بالتعاطف الصادق نحو "جويس". وخلال المقابلة التي تلت المباراة، كان "جالاراجا" يرد على الأسئلة والموقف دائماً بأكبر قدر من النبل. إنه لم يحاول أن يظهر الحكم في صورة الشخص الشرير، لقد أظهر تواضعاً ورؤية ثاقبة للأمور، وهما أصل التعاطف.

    وفي عصر يركز على الترويج للذات، ومحاولة التأثير على الآخرين، فإننا نادراً ما نقضي وقتاً في التفكير في المشاعر التي ربما يشعر بها أي شخص آخر في موقف معين.

    لم يكن هناك أحد في عالم الرياضة ليلقى باللوم على "جالاراجا لوكان قد قام بتمزيق الحكم أمام شاشات التلفاز. فمن ذا الذي كان من الممكن أن يهمس بكلمة لوكان الرامي قد استغل مقابلة تليفزيونية مهمة لكى يدمر سمعة "جويس"؟

    ولكن "جالاراجا" لم يفعل شيئا من هذا القبيل، حيث كانت تعليقاته تدور حول المشاعر التي ربما شعر بها الحكم أو التي ربما يشعر هو بها، مع التسليم بأنه ليس هناك إنسان مثالي. إننا نعجب من هذا النوع من ردود الأفعال؛ لأنه نادر للغاية، ورغم ذلك، فهناك نقطة مثيرة وجديرة بالملاحظة وهي أن هذا الرامي الشاب قد حفر لنفسه مكاناً جديراً بالذكر في تاريخ الرياضة بسبب استجابته لخسارة مباراة مثالية له، أفضل مما كان من الممكن أن يحصل عليه لو وصل إلى المستوى المثالي في الرمى.

    إن الأشخاص الذين يجدون طريقة لدفع الآخرين إلى الانخراط بطريقة تستحق مثل هذه المكانة السامية، يسيرون على الطريق الصحيح لاكتساب قدرة كبيرة للتأثير على الآخرين. وعند التعامل مع أي شخص، سل نفسك دائماً: "ما الذي ربما كنت سأشعر به، وما الذي كان يمكن أن أفعله لوكنت مكانه؟".

    كتب "جيرالد إس٠ نيرنبيرج" يقول: "إن روح التعاون في الحديث تتحقـق عندما تظهر أنك تمنح أفكار الشخص الآخر ومشاعره القدر نفسه من الأهمية الذي توليه لأفكارك ومشاعرك".

    إننا كثيراً ما نسمع الانتقادات التي توجه إلى قادة العالم. وهناك حكمة تقول: "من السهل أن يجلس المرء في المدرجات ويحل مشكلات كل شخص آخر". ومن النادر أن نرى شخصاً يقول: "إنني لا أستطيع أن أتخيل قدر الضغوط التي ربما تتعرض لها بسبب ثقل الهموم والمشكلات التي تحملها على كاهلك لبلد بأكمله، إنني لا أستطيع أن أتخيل قدر الوقع الذي ربما تقضيه مستيقظا في الليل للتفكير فيما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح، أوقلت ١لشيء المناسب على شاشة التلفاز أم لا”.

    وحالما تأخذ الوقع المناسب للتفكير في وجهة نظر الشخص الآخر، فسوف تشعر بالتعاطف تجاه أفكاره ومشاعره، وسوف تكون قادراً على أن تقول بكل صدق: ”إنني لا ألومك على ما تحمله من مشاعر. ولو كنت مكانك، لشعرت بما تشعر به تماماً". هذه الجملة التي يندر سماعها في الحديث في الوقع الحالي، سوف تمنع الناس عن المضي قدماً فيما كانوا يقومون به، وسوف تجذب انتباههم على الفور، وسوف تجعلهم أكثر اقتناعا بأفكارك. إن الكثير من الناس يبحثون فقط عن شخص يستمع إليهم، ويبدى تعاطفه مع ما يلم بهم من مصاعب ومحن، بغض النظر عن حجمها، وإذا كان يمكنك القيام بهذا مع شخص آخر، فإنك بهذا تمنحه هدية ستجعل يومه- وربما حياته - أكثر بهجة واشراقاً.

    سلك أحد الأشخاص درب "ديل اكارنيجي" منذ سنوات مضت، وروى كيف أحدث الاهتمام الخاص الصادق من إحدى الممرضات أثراً كبيراً على حياته. نشأ "مارتين جينسبيرج" فقيراً، بلا أب، ومع أم تعيش على المعونة الاجتماعية، وفي أحد الأعياد، انتظر "مارتين" وحده في المستشفي من أجل إجراء جراحة تجبيرية للعظام. وكانت أمه مضطرة إلى العمل، ولم يكن في استطاعتها أن نتواجد بجانبه في تلك اللحظة، لقد كانت الوحدة تسحقه سحقاً، فجذب الأغطية والوسادة على رأسه وأخذ يبكي.

    وفي ذلك الوقت، أطلت طالبة في قسم التمريض برأسها، وسمعته وهو يبكى؛ فجلست بجانب سريره، وجذبت الأغطية والوسادة عنه، ومسحت دموعه. وأخبرته بأنها تشعر بالوحدة هي أيضاً، فهي مضطرة إلى العمل. طوال اليوم، ولا تستطيع التواجد مع أسرتها. ثم سألت "مارتين" الصغير عما إذا كان يرغب في تناول العشاء معها.

    ووافق.

    وهكذا، ذهبت الممرضة إلى الكافيتريا، وعادت باثنتين من الصواني التي تحمل عشاء يتناسب مع العيد، ومضى الاثنان يتبادلان أطراف الحديث، ورغم أنه كان من المفترض أن تنهي الممرضة عملها في الساعة الرابعة مساء، فإنها بقيت معه حتى الساعة الحادية عشرة مساء حتى نام.

    وقد كتب "جينسبيرج" يقول: "ولقد مر علىً العديد من الأعياد منذ ذلك الحين، ولكن لم يمر أحدها. قط دون أن أتذكر هذا العيد بالذات، وأتذكر ما كنت. أشعر به من إحباط، وخوف ووحدة، وأتذكر دفء وحنان هذه الغريبة التي ساعدتني على احتمال كل هذا الألم".

    وفي الوقت الحالي، ليس هناك كثير من الأعذار لإساءة فهم أو تجاهل وجهة نظر الآخرين. فمعظمنا يذيع تفاصيل حياتنا، ويسعى وراء الحصول على الاهتمام، أو أذان مصغية متعاطفة من أي شخص يستمع لنا، وعن طريق قضاء بعض الوقت في معرفة الظروف الحالية للآخرين، فسوف تتجنب وضع الافتراضات التي ربما لا تكون صحيحة، وإذا كان هناك شخص مهم بالنسبة لك بطريقة أو بأخرى، فإن كل ثانية تقضيها في-محاولة فهم وجهة نظر هذا الشخص جيداً، هي ثانية يحسن قضاؤها.

    إننا لسنا مخلوقات متعاطفة بطبيعتنا، ولن لك يجب أن نعمل على أن نتحلى بهذه الصفة، وهناك العديد من العوامل التي تؤثر على طريقة استجابتنا-في مواقف معينة: تربيتنا، أو قناعاتنا العقائدية، أو حالتنا الاقتصادية، أو الوضع المهني الحالي. وتختلط هذه العوامل وغيرها. مع عواطفنا لتنتج حالة من الاهتمام الشخصي مع الآخرين.  ورغم ذلك، فعندما نتناول الأشياء ذاتها التي تحركنا بشكل شخصي، والتي تمكننا من تكوين. انطباعاتنا عن الآخرين، فإننا ننتقل إلى مكانة أكثر تأثيراً؛ حيث تترك كلماتنا أثراً كبيراً لدى الآخرين.

    وربما ترتفع مكانتنا وتزداد ثقتنا إذا استطعنا أن نتعلم كيفية الاحتفال بالأفكار المشتركة مع الآخرين. تخيل العوائق الشخصية-التي يمكنك اجتيازها في مكان عملك، أوفي منزلك، أوفي صداقاتك، إذ ا كان بإمكانك التجاوب دائماً مع الأخطاء والخلافات بطريقة لطيفة. لبقة. ما: نوعية-المعاملة التي ستجدها في المقابل؟ ما نوعية التصور الذي سينطبع عنك لدى الآخرين؟

    تذكر أن التعاطف ليس أسلوباً تكتيكيًا اجتماعيًا يجب تعلمه وتعزيزه؛ إنه ارتباط بالتأثير الفوري في العلاقات البشرية إنه يتمثل في تخلي "جالاراجا" عن توبيخ "جيم جويس" وحرق اسمه في قلب كل مشجع رياضي في جميع أنحاء العالم، إنه القوة المضمونة التي لا تقبل الجدال لاتباع أسلوب يتسم بالفهم واللطف والكياسة.