إنها قاعدة بالغة الصعوبة بالنسبة لي، فأنا أحب الصياح، وذلك لأنني أنتمي إلى أسرة كبيرة خشنة الطباع كان الصياح فيها أسلوب حياة، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجعل صوتك مسموعاً، أو تحظى بالانتباه، أو توضح وجهة نظرك. أهي سخيفة؟ نعم. مزعجة؟ نعم. مساعدة؟ كلا على الأرجح.

لقد ورث أحد أبنائي صفقة الصياح وهو يجيده بشدة. إنه يغريني دائماً لكي أشاركه. ولكن لحسن الحظ فإن هذه القاعدة تقضي بأن تكون آخر من يرفع صوته، أي أنني سوف أكون صاحب الكلمة الأخيرة. إن صاح ابني أولاً فسوف يسمح لي بأن أصيح رداً عليه.

ولكنني أحاول جاهداً ألا أفعل. إنني أرى الصياح من أي نوع شيئاً سيئاً، إنه علامة على فقدان السيطرة، وكذلك فقدان الحُجة. شاهد ابن أحد رجال الدين ذات مرة ملحوظات الخطبة التي كان والده قد دونها على الهامش بقلم رصاص، فإذا به يقرأ "ارفع صوتك هنا، لأن الحجة ضعيفة". أعتقد أن هذا يجمل كل ما أريد قوله.                         

ولكنني صحت كثيراً، فإنني كنت في مرة، وكل مناسبة أشعر بالندم على هذا الصياح. أعلم أنني ذات مرة لم أكف عن الصياح داخل أحد متاجر الأجهزة الكهربائية الشهيرة بسبب عطل في جهاز الفيديو، وقد حققت وقتها ما كنت أريده بالفعل، ولكنني في واقع الأمر شعرت بخزي عميق وأسى داخل نفسي.

إذن ما الذي يمكن أن نفعله إن كنت قد ورثت صفة الصياح مثلي؟ أشعر أنني يجب أن أبتعد لكي أوقف هذا الانحدار الحتمي الذي يدفعني إلى الصياح في ظل الموقف المثير للتحدي. إنها مهمة عسيرة وخاصة عندما تكون محقاً. هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تدفع للصياح، والكثير من المواقف التي نشعر فيها أن فقدان الأعصاب سوف يحقق لنا المراد. ولكننا نتعامل مع كائنات بشرية حية لها مشاعر. لذا فإن الصياح ليس له مبرر حتى إن كان الطرف المقابل هو البادئ.

هناك موقفان يفقد فيهما الشخص أعصابه: الموقف الأول عندما تدهس بسيارتك قدم أحدهم، وترفض الاعتذار، أو حتى الاعتراف بما اقترفته. في هذا الموقف يحق للطرف الآخر أن يصيح. والموقف الثاني هو عندما يستخدم الشخص الغبي لكي يحقق ما يريد، أي أنه نوع من الابتزاز العاطفي. يمكنك أن تتجاهل هذا الصياح، أو تتسم بالحزم اللازم للسيطرة على الموقف، ولكن لا يُسمح لك بالصياح.

أعلم، أعلم، أن هناك الكثير من المواقف التي يبدو فيها الصياح مناسباً. عندما يسرق الكلب الغذاء، أو عندما لا يرتب الأبناء غرفهم، أو عندما يتعطل الحاسب، ويخبرك قسم الإصلاح بأن لن يتسنى لهم إصلاحه في الوقت المناسب، وعندما يفسد العامل جدار منزلك ثانية، وعندما تبذل جهدك لاستكمال كل الإجراءات والأوراق المطلوبة، ثم تُرفع علامة مغلق في اللحظة التي تصل فيها إلى الموظف المختص، عندما يتعمد شخص التغابي، وإساءة فهمك. إلخ إلخ إلخ.

ولكنك إن تعاملت مع هذه القاعدة ببساطة "أنا لا أصيح" فسوف يكون ذلك مقياساً سهلاً يمكنك الالتزام به. سوف تعرف أنك شخص بالغ الهدوء بغض النظر عن كل

ما يجري. إن الشخص الهادئ يكتسب ثقة الآخرين، الشخص الهادئ يمكن الاعتماد عليه، الشخص الهادئ يُعتد به ويمنح المسئولية، الشخص الهادئ يدوم أطول.