من السهل أن تغضب، من السهل أن تنفعل وتثور وتسب وتلعن ولكن ليس من السهل أن تسامح. وأنا لا أعني بهذا هنا التغاضي عن فعل الغير وتجاهله، وإنما أعني رؤية الشيء، أو الموقف من وجهة نظر الطرف المقابلن والتحلي بالتسامح.

وقع لي مؤخرا حادث اثناء العطلة، كان يتعلق بقائد دراجة ثائر أخذ يسب ويلعن شخصاً آخر (ليس انا) ظناً منه أن هذا الشخص قد اقترب منه بشكل مبالغ، وأجبره على السقوط. كان صاخبا وفظا وعدوانيا وفاقدا للسيطرة وبذيء اللسان. حاولت أن أشرح له بتعقل نيابة عن هذا الشخص أنه أساء التصرف، ولكنه سبني أنا الآخر بوابل من الألفاظ النابية. ثم اهتاج وصوب قبضة يده قبالتي مما جعل دراجته ترتجف، ولكن ذلك جعلني أغرق في الضحك من داخلي، ولقد وجدت سهولة في مسامحة الرجل فقط، لأنني أدركت أن الرجل قد أساء اختيار كيفية قضاء العطلة.

كان قد أقنعه أحدهم أن ممارسة ركوب الدراجة في العطلة سوف يكون أمراً ممتعاً، ولكن المكان كان زاخرا بالمرتفعات العالية، بل العالية للغاية فضلا عن هطول الأمطار طوال اليوم. كان الرجل منهكا ومبتلا ومتألما وتعيساً للغاية. كيف يمكن ألا أسامحه إذن؟ إن كنت قد اخترت قضاء عطلة مجنونة كهذه، لكنت قد شعرت أيضاً بنفس الاكتئاب، ولشعرت برغبة ملحة في الشجار، ولشعرت بالإحباط والغلظة. إنني قد شعرت بأسف بالغ من أجله، وأحسست بمدى ما اعتراه من تعاسة. نعم، لقد كان

مخطئاً، لأنه ترك لنفسه العنان وأسرف في بذاءته، وخاصة أمام الأطفال. نعم، كان يبحث عن شجار وكان عدوانياً للغاية. ولكن أي شخص سواء أنا أو أنت أو أي شخص آخر في هذا الموقف، مبتلا وبائساً تعيساً. فمن الذي يزعم أننا لن نفقد أعصابنا إن تعرضنا لنفس الموقف؟

إن التسامح لا يعني أن تسمح للآخرين باستغلالك، أو ان ترضى بما لا يليق. يمكنك أن تقف وتقول: "آسف ولكنني لا أقبل هذا". ولكننا يمكن أيضا أن نسعى للتسامح، لأننا نرى الموقف من وجهة نظر الآخر. ربما يمكن أن تكون الكلمة المناسبة هي كلمة "حِلم" وليس كلمة "تسامح". ولكن على أية حال لا يجب أن نخلط بين التسامح أو الحلم – أو أي شيء آخر من هذا القبيل – مع الخنوع. يمكننا رغم كل هذا أن نقولك "كف عن لغتك البذْيئة، وابتعد عني بدراجتك اللعينة ورائحتك النتنة" مع الاحتفاظ بنفس مشاعر الأسف على ذلك الرجل الغبي المسكين في نفس الوقت. لقد كان رجلا طيبا اقترف فعلا سيئا.

فقط ضع في اعتبارك أن أي شخص يعترض طريقك، ويغلظ عليك القول ربما يكون قد تعرض لموقف عصيب قبل أن تقابله.