حين كنت في السادسة عشرة قررت أن ألتحق بمدرسة لتعليم العناية بالغابات، وبالفعل تم قبولي بها، وحين كنت على وشك بدء الدراسة بها أعلنت فجأة أنني أريد دراسة الفن بدلا من ذلك، وياله من تغيير! لابد أن والدتي كان لها رأى مخالف بشأن هذا الأمر، إلا أنها احتفظت به لنفسها وساندتني في قراري، وما زلت لا أدرى أي الخيارين كانت تفضل لي (إن كانت تفضل أحدهما من الأساس) .

بالطبع، سيكون لك رأى فيما يتخذه طفلك من خيارات مادمت تهتم بمصلحته؛ فأنت تقلق بشأن ما إذا كانت المادة التي اختارها للدراسة ستكون شاقة عليه، أو إذا كان سيندم على تفويته لدراسة اللغة الإسبانية، أو بسبب اختياره لمادة الفيزياء فقط لأنه معجب بمدرسها.

لكن لا يمكنك فعل شىء حيال هذا الأمر. يمكنك مساعدة طفلك (بهدوء ودون فرض أي ضغوط أو توضيح لما تفضله أنت) على اختيار الشىء الأمثل له، وبعدها عليك أن تسانده في قراره، حتى إن كنت تشك في أنه الخيار السليم.

اسأل نفسك بعض الأسئلة، ماذا سيحدث إذا لم يتبن ابنك الخيار الذي تراه أنت سليماً؟ هل أريد منه أن يتخذ هذا الخيار من أجل مصلحته هو أم لسبب راجع لي أنا؟

أنت والد متعقل، أعلم هذا، وأعلم أنك لا تريد أن توجه مسار حياة طفلك إلى مهنة أو حياة لم يخترها بنفسه، إلا أنه من السهل أن تنخدع وتظن أنك تعلم أفضل منه وربما تظن أنك تبنى خيارك على ما فيه مصلحته، لكن حتى في هذه الحالة قد لا تكون محقاً.

إن وظيفتك كأب _ كما أقول دوماً _ هي أوسع مجالاً من دور المدرسة؛ فأنت لا تعلم طفلك الكيمياء أو الموسيقى أو اللغة الإنجليزية، بل تعلمه مهارات الحياة، وهذا يتضمن عملية اتخاذ القرار. وإذا لم تدعه يقوم بهذا بنفسه فأنت هكذا لا تساعده.

المدهش في الأمر هو أنني لم أصبح متخصصاً في الغابات أو فناناً بل عملت في مجالات عديدة إلى أن استقر بي المقام وأصبحت كاتباً. إن لدى صديقاً كان يعانى من مشكلة الاختيار بين دراسة اللغة الروسية أو اللاتينية أو هو الآن يدير وكالة توظيف، وصديقة أخرى لم تستطع أن تقرر ما إذا كانت ستدرس الفلسفة أم علم الاجتماع بالجامعة، وهي الآن تعمل في جمعية لحماية البيئة، كما أعرف شخصين يحملان درجة علمية في الكيمياء؛ أحدهما مستثمر مصرفي ناجح، والآخر صار مهرجاً ناجحاً (أجل، بكل أمانة) بل أنني أعرف شخصاً عمره الآن اثنان وسبعون عاماً كان قد ترك المدرسة وهو في سن الخامسة عشرة ليصبح ضابط جمارك، ثم استكمل دراسته وهو في سن الستين ليحصل على درجة في القانون ويصير محامياً.

كما ترى، يمكن لخياراتنا أن تؤثر على المسار الذي تتخذه حياتنا، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا هو التأثير الذي نتوقعه. لذا ربما يجب عليك إعطاء الفرصة لطفلك ليدرس المادة التي يريدها. وإذا ما منحته الثقة والمهارات التي يحتاج إليها أثناء مرحلة النمو، سيكون قادراً على تحويل أي خيارات دراسية أو نتائج اختيارات إلى مسار مهني يحبه، وسيكون سعيداً بذلك.

عليك أن تسانده في قراراته، حتى إن كنت تشك أنها الاختيار السليم.