لقد حظيتٌ بثماني عشرة سنة كاملة لكي تقوم بمنحهم كل ما تريد، ولا أعني هنا أن تجعل الواحد منهم طبيباً أو محامياً لامعاً أو لاعب كرة قدم أو ما شابه، بل أعني أنه كان لديك ثماني عشرة سنة كاملة لكي تسلحهم بكل ما تريد لهم أن يحوزوه حتى يعيشوا حياة سعيدة.

حسناً لقد انتهى الوقت. لقد حظيت بثماني عشرة سنة الخاصة بك، والآن، اتركهم وشأنهم؛ فإذا كانوا لم يتعلموا ما تريد حتى الآن. فاعلم أنه لا مجال أمامهم ليتعلموا شيئاً منك بعد ذلك؛ فالأمر بيدهم من الآن. ولا يمكنك التدخل في شئونهم، سيكون من الصعب عليك بالطبع أن ترى طفلك وهو يفعل شيئاً لا يعجبك، لكن كان يجدر بك أن تفكر في هذا الأمر في الماضي، لقد فاتت فرصتك لتغييره يا صديقي.

هناك شيء، واحد فقط يمكنك تعليمهم إياه، ألا وهو أن يقفوا على أقدامهم دون وجودك إلى جوارهم لمساعدتهم، والسبيل الوحيد لفعل هذا هو أن تتركهم وشأنهم؛ فكل ذلك المجهود الذي بذلته طوال الثمانية عشر عاماً سيضيع هباءً إذا لم تعطهم الفرصة لممارسة ما علمتهم إياه.

فما الداعي إذن لتعليم طفلك أن يكون مستقلاً، وأن يفكر بنفسه، ويتخذ قراراته، ويضطلع بمسئولياته، إذا لم تسمح له بممارسة هذه الأمور على أرض الواقع.                

أتعلم؟ إذ ا كنت قد أتقنت ولو نصف القواعد الواردة هنا فستستطيع أن تبلي بلاءً حسناً في هذا الأمر، أما إذا واصلت التدخل، فكأنك تقول لهم بأفعالك هذه: "إنني لم أحسن أداء وظيفتي. وأنتم مازلتم بحاجة لمساعدتي".

كما أننا جميعاً نعلم ما الذي يحدث حين يتدخل الآباء؛ فهم إما يقومون بالوصاية على سلوك أبنائهم أو يكون تأثير تدخلهم مدمراً على أسوأ الظروف، ومن المستحيل حينئذ أن تحظى بعلاقة طيبة راشدة مع ولدك. ففي كل مرة تتدخل فيها لتخبره بما يفعل وما لا يفعل فأنت بهذا تجعله غير قادر على أن يعيش حياته بنفسه، وهذا مضر للغاية بثقة ولدك بذاته، ولا أعتقد أنه خيار سليم بالمرة. قد لا يكون ولدك يعيش حياته بالصورة التي تريده أنت أن يعيشها، لكنك إن كنت تتبع قواعدنا بصورة سليمة فلن تفكر بهذه الصورة.

بالطبع نحن لا نتوقف عن التعلم بمجرد وصولنا لسن الثامنة عشرة، فبالتأكيد لا يزال أمام أبنائك الكثير ليتعلموه في حياتهم، (وربما لا يزال أمامك أنت أيضاً الكثير). أتمنى هذا، وإلا ستكون حياتهم مملة للغاية. لابد لهم أن يخرجوا ويتعلموا من مصادر أخرى الآن. لا أعلم من أين تحديداً -فهذا يرجع إليهم (وهذا هو بيت القصيد)؛ فلهم الحرية في اختيار ما يتعلمونه، وكيف، ومن أين، ومِن مَن يتعلمونه.

من الآن فصاعداً سوف يتراجع دورك في تدريبهم بحيث تظل في الخلفية. بل إن دورك لن يكون ظاهراً لدرجة أنهم قد لا يلاحظون. وهذا هو دورك -أن تتركهم وشأنهم. أتمنى أن تكون فهمت ما أعنى؛ لذا سأتركك وشأنك الآن.

إذا كانوا لم يتعلموا ما تريد حتى الأن؛ فاعلم أنه لا مجال أمامهم يتعلمواً شيئاً منك بعد ذلك.