التربية السليمة ما هي إلا عملية مغامرة محسوبة

حينما كنت في سن المراهقة، كان أخي الأصغر -في حوالي الثامنة من عمره -يحاول تسلق شجرة عالية في حديقتنا، وبعد ما وصل لارتفاع يساوى تقريباً ارتفاع المنزل، انكسر الفرع الذي كان واقفاً عليه، وعلى الفور مد أخي يديه وأمسك بالفرع الذي يعلوه بكلتا يديه وبقي كذلك معلقاً في الهواء على ارتفاع حوالي ٢٥ قدماً (حتى لو حسبتها بالمتر ستجد أن الارتفاع كبير)، وبالطبع، ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً وهو في هذا الوضع.

خرجت أمي على إثر صرخاته للحديقة لترى ما كان يحدث، ولابد أنها شعرت بالفزع حينما رأته في هذا الوضع الخطير، لكنها لم تظهر أياً من مشاعرها، وكان كل ما فعلته هو أن تحدثت إليه بكل هدوء قائلة: "لا بأس يا صغيري، هناك بروز صغيرة على مبعدة ثلاث بوصات من قدمك اليسرى، حسناً ارتكز عليها، والآن حرك يديك اليمنى للفرع الأدنى.... "، وهكذا سار الأمر حتى نزل أخي سالماً إلى الأرض.

فد يخطر ببالك أن والدتي قامت بمنعه من تسلق الأشجار بعد ذلك، على الأفل لبضعة أعوام، لكن هذا لم يحدث! لقد عرفت آن هذا الصغير تعلم درساً، وهوما حدث بالفعل.

ما المغزى إذن؟ حسنا. لابد من السماح للأطفال بتعلم دروسهم بأنفسهم. وأن يرتكبوا أخطاءهم. ويتعلموا بأشق الطرق؛ فإذا لم يخاطروا، فلن يتعلموا؛ فعن لا يرتكبون الأخطاء لا يحققون أي إنجازات، وهذا يعنى أنه على المرء دوماً أن يقدم على المجازفات.

وكوالد حريص، عليك السماح لأطفالك بتسلق الأشجار، اتركهم يختاروا مواد في دراستهم الثانوية أكثر مما تظن أنهم سيتحملونها، ولا تمانع فيما إذا طلبوا منك الإذن بالذهاب إلى رحلة خلوية.

بالطبع عليك أنت أن تحدد درجة المخاطر، وستكون هناك أوقات تكون فيها المخاطر شديدة، وتكون مجبراً على قول كلمة "لا"، بيد أنه لا يمكنك أن تبنى قراراتك دوماً على أسوأ السيناريوهات المحتملة؛ فإن فعلت فسوف تقول "لا" لكل شيء؛ لأنه غير مضمون العاقبة تماماً؛ وهكذا لن يتعلم أطفالك شيئاً، ولن يكونوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم عند مغادرتهم منزلك، وهنا ستدرك أنك لم تقم بمهمتك بصورة سليمة.

لا يمكنك أن تبني قراراتك دوماً على أسوأ السيناريوهات المحتملة.

لذا تقبل فكرة الإقدام على المخاطر، وبالطبع حين تقدم على المخاطر فقد يحدث أن تسوء الأمور، وقد ينتهي الحال بولدك وقد كسر رسفه أو حصل على درجات سيئة في الاختبار. ولكن مهلاً، هذه ليست نهاية العالم، وثق بأن أطفالك سيتعلمون من تلك المواقف كما تتعلم أنت منها. البديل الوحيد لذلك هو عدم الإقدام على أي مخاطر على الإطلاق؛ وهو ما سوف يؤذيهم بصورة أكبر على المدى البعيد.